Dec 03, 2020 8:44 AM
مقالات

من يقف وراء تشويه سمعة حاكم مصرف لبنان؟

كتب عوني الكعكي:
منذ أكثر من ثلاث سنوات، يصرّ فريق سياسي معيّـن، على تشويه سمعة حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة، وتحميله مسؤولية كل ما جرى، وما يجري في لبنان من تدهور مالي وتقهقر إقتصادي لافت.
وإن كانت أهداف هذا الفريق باتت معروفة وواضحة، إلاّ أنّ المنتمين الى جوقة هذا الفريق، تناسوا أنّ الدولة اللبنانية، هي المسؤولة عن كل ما حدث، وهي التي يجب أن تُـحاسب أولاً قبل أي إنسان آخر، لأنها ساهمت في إيصال لبنان الى ما وصل إليه... ويتساءل المطلعون عن أسباب توجيه أصابع الإتهام الى سلامة شخصياً، لِنَخْلص الى جملة أسباب دفعت «أوركسترا» هذا الفريق، الى الإستمرار في العزف ضد حاكم مصرف لبنان... وهذه الأسباب هي:
أولاً: إخراج الحاكم رياض سلامة من نادي المرشحين الى رئاسة الجمهورية، سيما وأنه المرشح الأقوى والأوفر حظاً في الوصول إليها.
ثانياً: لأنّ الحاكم حقق معجزة، لم يستطع غيره تحقيق إنجاز يضاهيها... إذ أبقى العملة اللبنانية صامدة أمام الدولار مدّة سبع وعشرين سنة، من دون أن يقوى أحد على زعزعة هذا الصمود... وهذا يعتبر إنجازاً تاريخياً، حاول المغرضون التعتيم عليه.
نقول: إنّ هذا الصمود معجزة وإنجاز كبير لأنه تمّ رغم معوّقات عدة نذكر منها:
أ- مجزرة قانا عام 1994.
ب- حرب «لو كنت أعلم» عام 2006، والتي خاضها أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله، فتركت آثاراً مدمّرة في البنى التحتية، الى 5000 قتيل وجريح من المواطنين والجيش اللبناني و»حزب الله»، الى خسائر مادية تزيد على الـ15 مليار دولار تحمّلها اللبنانيون ودفعوا ثمنها من اللحم الحي، ليخرج السيّد حسن في نهايتها قائلاً: «لو كنت أعلم أنّ هذا سيحدث لما قمت بخطف الجنود».
ثالثاً: تعثّر تشكيل الحكومات، والمدد الزمنية التي احتاج إليها الرؤساء المكلفون، بسبب عراقيل، بات كل واحد يحفظها «عن ظهر قلب» وكأنّ الوقت لا قيمة له عند بعض النافذين.
رابعاً: الفراغ الدستوري الرئاسي، قبل انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان...
لقد انتهت ولاية الرئيس اميل لحود بعد تمديدٍ ثانٍ في 24 تشرين الثاني 2007، لكن، لم يُنْتَخب أحد بعده، إلاّ بعد نحو ستة أشهر، يوم تسلّم الرئيس سليمان سدّة الرئاسة في 25 أيار عام 2008، وبعد مؤتمر قطر، والأهم من هذا كله الفراغ الرئاسي لمدة عامين ونصف العام، قبل مجيء الجنرال ميشال عون، بسبب إصرار «حزب الله» على انتخاب الأخير رئيساً، ولولا خطأ ارتكبه الدكتور سمير جعجع بتوقيعه «إتفاق معراب»، لما وافق الرئيس الرئيس سعد الدين الحريري على تأييد الجنرال عون، إيماناً منه بأنّ رئيس الوزراء السنّي، لا يمكن أن يرفض رئيساً للجمهورية أجمع عليه الزعماء المسيحيون.
خامساً: ثورة 17 تشرين الأول عام 2019، وتوقف المصارف اللبنانية كلياً عن العمل، ولم تفتح أبوابها أمام الزبائن إلاّ بعد 13 يوماً من الإقفال بسبب الإحتجاجات التي عمّت البلاد.
سادساً: جائحة كورونا، التي تفشّت في العالم كله، وشلت كل نشاط مدرسي ورياضي واجتماعي.
إشارة الى أنّ الدول الغنيّة وزّعت مساعدات مالية واجتماعية وغذائية على مواطنيها، أما الدول الفقيرة فكانت عاجزة عن القيام بمثل ذلك.
كل هذا، ورغم الجائحة، ظلّ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية ثابتاً...
أمّا لماذا بدأ انهيار قيمة الليرة اللبنانية، فإن ذلك يعود الى جملة أسباب أهمها:
أولاً: يتحمّل وزير المالية المسؤولية الأولى، لأنه أرسل كتاباً الى حاكم مصرف لبنان، يطالبه بتأمين مبالغ ضرورية وملحة، لسدّ عجز مصاريف الدولة، لتأمين رواتب موظفيها الى أمور أخرى هي في أمسّ الحاجة إليها.
ثانياً: الكهرباء التي فاقت خسائرها، وبفضل «الصهر المدلّل والعظيم» الخمسين مليار دولار، لأنّ هذا الصهر رفض مساعدة الصندوق الكويتي... هذه المساعدة التي أمر بها حاكم دولة الكويت يومذاك، المرحوم الشيخ صباح الأحمد الصباح، رفضها الصهر لأنّ الصندوق طالب بالإشراف على كل ما يخرج منه من أموال... فانتفت بذلك السمسرات.
فإذا أضفنا الى رفض المساعدة الكويتية هذه، قضية بناء معامل للكهرباء توفر ملياراً ونصف المليار من الدولارات، رفض الصهر الموافقة عليها، فلجأ الى البواخر التي رفضها في البداية، وأصرّ عليها أخيراً... ولا أحد يعرف سبب هذا التغيّر في الموقف، إلاّ أنّ كل واحد يعرف أنّ البواخر كلفت ثلاثة أضعاف المبلغ الذي كان يمكن صرفه.
وأعود الآن الى حديث حاكم مصرف لبنان الى «الحدث» فنجد فيه إيجابيات كثيرة أهمها:
أ- أشار الحاكم الى «أنّ القرار المتخذ من قِبَل المجلس المركزي، هو أنّ المصارف التي لا تلتزم بزيادة رأسمالها بنسبة 20% ستصبح أسهمها ملكاً للبنك المركزي، وسيصبح هناك إعادة هيكلة لهذه المصارف».
ب- التخوّف الذي «نشأ» عند المواطنين بأنّ ودائعهم أخذها مصرف لبنان، وأعطاها للدولة... وأنّ الدولة باتت عاجزة عن تسديدها هو كلام غير صحيح. لأنّ الودائع موجودة في المصارف، وقد سحب منها ما يقارب الـ30 مليار دولار، وهناك شهرياً ما لا يقل عن 600 مليون دولار، يتم سحبها تلبية لحاجات اللبنانيين، فالودائع ليست في البنك المركزي بل في المصارف الأخرى، والبنك المركزي أمّن السيولة اللازمة والدليل أن لا مصرف أعلن إفلاسه.
ج- الإحتياطي الموجود في مصرف لبنان، لا يزال موجوداً في المصرف...
د- إنّ المادة 91 من قانون النقد والتسليف تجيز للمصرف المركزي تمويل الدولة اللبنانية متى طلبت... والدولة تملك عقارات ولو وُجِد رئيس جمهورية قوي من دون «صهر» وتشكلت حكومة نظيفة برئاسة الرئيس سعد الدين الحريري من إختصاصيين غير مسيّسين لحلّت معظم هذه المشاكل.
هـ- يقولون إنّ حاكم مصرف لبنان رضخ أخيراً، فوافق على إعطاء الحسابات لشركة التدقيق... وأقول الكلام غير دقيق، إذ أنّ الحاكم لا يمكن أن يعطي الحسابات إلاّ بعد كتاب من وزير المالية وبطلب من الحكومة، وهذا ما حصل مؤخراً.
و- هناك شركتان عالميتان تدققان في حساب مصرف لبنان هما: ارنست اند يونغ وديلويت. إضافة الى وجود مدير عام المالية الذي يمثل الدولة في مجلس حاكمية مصرف لبنان.
ز- ونتساءل مرة ثانية... ماذا كان سيحدث لو تمنّع حاكم مصرف لبنان عن تلبية حاجة الدولة لتدفع رواتب موظفيها وعناصر جيشها وقوى الأمن والأمن العام..؟
ح- ما كان سيحدث لو لم يقدم الحاكم على دعم المحروقات والطحين والدواء...
وأخيراً أقول: إنّ رؤية روما من فوق هي غير رؤيتها من تحت... فالحاكم يظل ثابتاً صلباً في مواقفه، لا تؤثر فيه مواقف مسيّسة معروفة الأهداف واضحة المعالم.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o