Oct 04, 2019 2:14 PM
خاص

أيضا وأيضا... لسنا كبش المحرقة!

المركزية- عصيبة كانت الأيام التي مرت على لبنان الأسبوع الفائت على وقع غياب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ذلك أن بعد طول صمت، انفجرت المخاوف الشعبية التي كانت تغزو الصفحات والمساحات الافتراضية، على ما جرت عليه عادة المواطن اللبناني، من فرط ما أعيته الأزمات المتناسلة. غير أنه هذه المرة أحدث مفاجأة ما كانت متوقعة، على الأقل من جانب بعض القيّمين على الحكم والحكومة.

هذه المرة، أحس المواطن بفداحة المساس بلقمة عيشه وماله وعملته الوطنية، فنزل إلى الشارع للمرة الأولى منذ سنوات، علّ صرخة أنينه تصل إلى المسؤولين في مقارهم الرسمية وعبر وسائل الاعلام.

غير أن مفاجأة أخرى أشد وطأة ووقعا تلقتها وسائل الاعلام ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي: بعيدا من وجع الناس وأنينهم المحق في الوطن المتراقص على حبال كل الأزمات، استحضرت نظرية بث الشائعات المغرضة لتفسير الدعوات إلى استقالة الحكومة، والانتقادات التي طالت طريقة إدارة الشأن العام في البلاد، فكان لا بد من استحضار آخر: قانون العقوبات، لا سيما منه المواد المتعلقة بمعاقبة جرائم "المسّ بهيبة الدولة المالية". خطوة أريد لها إطلاق جرس إنذار إلى أن المعنيين بهذه "الشائعات" سيكونون بالمرصاد.

وفي وقت بدت الأوساط السياسية المعنية ببيان قانون العقوبات حريصة على تأكيد أن إصدار "البيان التذكيري" لا يعني المس بالحريات، بل ابداء الحرص على تطبيق القانون ومحاسبة مخالفيه.غير أن مجرى الأحداث لم يبق افتراضيا، بل إن الصحافي عامر شيباني استدعي إلى التحقيق من جانب مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية لأنه كتب على فيسبوك منشورا عن عدم حصوله على العملة الصعبة من أحد البنوك...

غير أن الأدهى يكمن في أن بعض القيّمين على زمام بلاد الحريات لم يكتفوا بهذا القدر، بل إن مجلس الوزراء، المفترض أن يكون غارقا في البحث عن الحلول التي تنتشل لبنان من واقعه الأسود إنخرط في نقاشات حمّلت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية حال الذعر التي انتابت الناس على غفلة أزمات انتظرت الحلول أياما قبل أن تنفجر دفعة واحدة في وجه السلطة، التي لم تجد إلا الصحافيين والمغردين كبش محرقة لتبرير ما آلت إليه حال وطن يحلم الصحافيون فيه بإصدار غدد واحد من صحفهم يخلو من الحديث عن أنين الناس المزمن وعن معارك تصفية الحسابات بين أهل السياسة وأربابها.

حتى أن بعض المسؤولين يطالبون برفع الغرامات على الاعلاميين الذين يدينهم القضاء، بدلا من اللجوء إلى عقوبة السجن، ما يحمل بين طياته تعديلا خطيرا لقانون المطبوعات، الذي ناضل لأجله كبار أعلام مهنة البحث عن المتاعب من أمثال العملاق غسان تويني، الذي ذاق بنفسه مرارة أن يدفع أصحاب الأقلام الحرة ثمن خوض المواجهات مع الحكم. كيف لا وقد كلفته افتتاحيته الشهيرة "بدنا ناكل جوعانين" عقوبة السجن، كالمجرمين.

"بدنا ناكل جوعانين".. الصرخة نفسها تتكرر بعد خمسين عاما، والمشهد نفسه يتكرر أيضا مع الناشطين والاعلاميين والمغردين في وطن باتت مساحات الحرية فيه تضيق بناسها والتواقين إليها تحت ستار القانون. لكن بعضهم حفظ شيئا وغابت عنه أشياء: وسائل الاعلام ليست كبش المحرقة ولا ذنب لها في أزمات الناس. كل ما في الأمر أنها فعلا صوت من لا صوت لهم، ومن لا يجدون أمامهم مساحات حرة لرفع الصوت، فبدلا من أن تقمعوهم، اسمعوهم وداووا جراحهم.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o