Dec 11, 2023 11:37 AM
مقالات

الانسان تمرد واذعان على شفا مهد ولحد

كتب المدير العام لوزارة الاعلام د. حسان فلحه في جريدة “النهار”:

قد يبدو الانسان في ركن الاعتقاد هو اساس الوجود ومحوره على هذه البسيطة ، او اقله خُلق الكون لاجله اولا واخرا ، او انه قد خُلق هو ذاته من اجل مسببات الحياة واستمرارها ،هي مقاربات فلسفية دينية عقائدية لا تحوطها عناصر الجدل ، ولا تبلغ مبلغ شأوها مدارك النقاش . لكن اليقين ان الكائنات الاخرى ، والاشياء الاخرى هي متممة لهذا العقل ذي السعة الادراكية الواسعة الحدود المتجاوزة للتوقعات ،الفريدة في الاستنباط الفكري الخلاق في ما تحمد عقباه ولا تحمد ، لا احد يدرك ما يمكن ان يصل اليه هذا العقل غير المرئي و غير الملموس ، المحسوس فوق طاقة النظر و في مرمى البصر ، وغير المأسور بوقع السمع ، ولكنه بيّن الاثار وساطع الاعمال تستدرك نتائجه ولا يدرك ما يدور بخلده ولا ما يأتي على باله .
‎هذا الكائن طوعته غريزته واستفردت به تاه عنها وعاد اليها تمرد عليها و خضع لها اسرته. واسرها وبقي رهين القلق و مهيض الضياع ،سقيما اسير التردد ، غريب الاقدام . يعيش على وقع التناقض يقلب الليل والنهار ويرسم بالالوان انطباعاته وأحاسيسه، ويتقاسم تناقض الاسود والابيض ، يفتنه الحدثان ، الذهاب والغياب ، ياتي على حين غرة ويذهب على حين غرة ، تفوق في ابداعاته الفكرية و العلمية التى لا تقف على حدود المنشأ ولا تنزوي مع لحظة التفكير ولا تركن الى غياهب الاعجاز ، لقد وصل الى ما لا يُدْرك وانقلب على الصدف غير المعقولة وغير المأمولة، لقد تجاوز في القرن الفائت او في السنوات المئة الماضية من تقدم وتطور واستنباط واختراع ما لم يسجل في اي سجل كوني قبلا و لم تكتبه البشرية ولم تنبس عنه الطبيعة باي اشارة .


‎لقد قفز الانسان فوق المجهول واستوعب اطراف الغربة و كنه القربة ، صال هذا المتفتق الذهن الوقّاد وجال و تجبر ، وتكبر اذعن وما استكان وانكسر وانجبر ،
‎ لربما كتبت الحياة لاجله، و طوعت الاديان له و حوله، بعمقها وفطرتها برحمتها وقسوتها ، بشهوات اشتباهها و غلو تباعدها ودنو تقاربها

فكانت لانه الكائن وحده في التماهي والتضاهي ، وما كانت كيفما كانت لو لم يكن . هذا الذي سار فكره و يسير الى ما لم تطأه عناصر المادة ، لقد تجبر فاودعه الموت وردعه ، اعطته الحياة الوجود وسلبته حدود الادراك .

هذا الكائن الحي اعظم ما اخترع هي الدائرة التى جسدت حركة الوجود وماهية الحياة ، فسارت دولابا ماديا يتقاسم فيها المحور الزوايا والاشعاع الى ما لا نهاية فكانت مبعث التصور والادراك ، ان العجلة التى تخيلها الانسان دورانا فكريا وجسدها اساسا ماديا لكل ابداعاته واختراعاته تتجسد في العلاقة بين العجلة والحركة ،وهذه الاخيرة هي نتيجة واحدة سرمدية ابدية جدلية في جوهرها الوجودي مبنية على مكوني الحياة ومجسميّها الخالدين ، ” الصمولة ” و “المرود” اي ( العزقة و البرغي )، اي الانثى والذكر فالعلاقة بينهما هي المهد واللحد ، هي تعشق ابدي يصنع الحياة الكونية حيث رسم الانسان الدائرة ، والدائرة رمز الحركة اذا ما كسرت لمآل ما او مددت ، فتصير خطاً مجهول النهاية غريبا ، لا احد يفهم المراد و يدرك اين المسار وكيف المسار . خرق الانسان فناء الحياة ، تصبرا و تجلدا بالموت ، وابدع حياة بعد موت في دوامة الدائرة يدخل المرود في الصمولة فاتت منها بذرة الحياة البشرية و خلعت عنه السكينة. واسكنته دار الهلع حيا او ميتا بين البقاء والفناء …

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o