May 04, 2018 4:04 PM
خاص

قبل 6 أيار... مراجعة شاملة لتحالفات "لا عالبال ولا عالخاطر"

المركزية- بعد مخاض عسير، أبصر قانون انتخابي جديد النور. وفي وقت بدا أهل الحكم حريصين على اعتبار هذه الولادة انجازا سجله العهد في سجله، في رد مبطن على جميع المشككين في قدرتهم على ذلك، فإن  هذه النسبية المستجدة فتحت أمام خصومهم كوة انتظروها طويلا لمواجهتهم في عقر دارهم السياسي. وهو ما يتجلى في خوض 586 مرشحا السباق الانتخابي المنتظر بعد أقل من 48 ساعة، معطوفا على نجاح مكونات المجتمع المدني في تأليف لوائح يقارعون بها ما يسمونها "أحزاب السلطة" في عدد من الدوائر الـ 15.

على أن قانون الانتخاب هذا الذي لم يتأخر كثير من القوى السياسية في إعلان "إبوته" له دفع بعض اللاعبين إلى تحالفات أقل ما يقال فيها إنها غريبة ولم تكن لتخطر في بال أحد يوما بدليل أن القائمين عليها يعزونها إلى الحسابات السياسية والانتخابية التي يفرضها القانون الجديد.

وفي هذا الاطار، يبقى التيار الوطني الحر مضرب المثل. ذلك أن هذا التيار الذي يخوض رئيسه الوزير جبران باسيل المعركة الانتخابية للمرة الثالثة على التوالي، لم يتوان عن مد اليد الانتخابية إلى رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، المعروف بمواقفه المعارضة لحلفاء التيار البرتقالي، على رأسهم حزب الله، وهو ما اعتبر محاولة عونية لمواجهة رئيس تيار المردة  سليمان فرنجية في عقر دار زعامته التاريخية والتقليدية شمالا.

وإذا كان عدد من مراقبي الصورة الانتخابية يشددون على ضراوة المعارك في هذه الدائرة بوصفها أول غيث المنازلات الرئاسية المقبلة، فإن النائب بطرس حرب لم يتأخر، هو الآخر، في التقاط إشارات ما وراء المعركة الشمالية، فسارع إلى نسج تفاهم انتخابي مع فرنجية، في محاولة للوقوف في وجه باسيل، على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

على أن هذين التحالفين ليسا المفاجأة الوحيدة التي حملتها "دائرة الشمال ذات الغالبية المسيحية". ذلك أن الضرورات الانتخابية الكثيرة والمهمة التي فرضت التحالفات الآنفة الذكر، قد تكون هي نفسها تلك التي أملت على حزبي الكتائب والقوات تجاوز خلافاتهما السياسية ذات النكهة الرئاسية لخوض المعارك الشمالية جنبا إلى جنب، وإن كان بعض المتشائمين يعتبرون أن هذه الخطوة لن تتيح للنائب سامي الجميل والدكتور سمير جعجع بلوغ النتيجة التي توخياها من هذه الخطوة التي يأمل البعض في أن تتمدد مفاعيلها إلى مرحلة ما بعد الانتخابات.

وما يعزز هذا التفاؤل يكمن في كون الحزبين اللذين يعتبران حجر الرحى في تحالف 14 آذار نجحا في توسيع رقعة التقائهما الانتخابي هذا إلى دائرتي زحلة وبيروت الأولى (الأشرفية- الرميل- الصيفي- المدور). وهنا، لا يغيب عن بال متابعي الساحة المحلية اللبنانية التأكيد أن التفاهم الانتخابي مع القوات لا يعني أن الصيفي تخلت عن خطابها المعارض الذي تفردت في حمل لوائحه منذ ولادة التسوية الرئاسية، بدليل أن الحزبين تقاربا في دوائر تمس بذاكرتهما الجماعية المشتركة، إنطلافا من الرمزية التي يكتسبها الرئيس الشهيد بشير الجميل في كل من زحلة والأشرفية. غير أن ما يفرمل الاندفاعة المتفائلة في النتائج التي قد يحققها تحالف الشريكين التقليديين في هاتين الدائرتين يكمن في نجاح تيار المستقبل في نسج تحالفين أنتخابيين مع التيار الوطني وحزب الطاشناق، علما أن ضم المدور إلى دائرة بيروت الأولى يجعل الخيارات التي يركن إليها الناخبون السنة والأرمن العامل المقرر الأهم في نتائج صناديق الاقتراع، تماما كما هي الحال في زحلة، حيث يسجل السنة حضورا شعبيا هو الأكبر بفعل مرسوم التجنيس الشهير، علما أن عروس البقاع تسجل مواجهة حامية بين تيار المستقبل وحزب الله، الذي اختار تأييد اللائحة التي ألفها النائب نقولا فتوش، ليواجه لائحتي الأحزاب ورئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف.

وإذا كان الحريري يواجه حزب الله في زحلة مدعوما من التيار الوطني الحر، فإنه يخوض وحيدا أكبر معاركه الانتخابية على الاطلاق. وتتجلى هذه المنازلات في المناطق والدوائر التي لطالما اعتبرت معقلا تاريخيا للتيار الأزرق، على رأسها طرابلس وعكار وبيروت الثانية. ففي عاصمة الشمال، ينافس الحريري أكبر خصومه في شارعه السني، بينهم الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي والنائب السابق مصباح الأحدب. على أن الأنظار ستتجه أولا إلى المعركة القوية بين الحريري ومعارضه الأشرس، الوزير السابق أشرف ريفي الذي حقق مفاجأة من العيار السياسي الثقيل بكسبه الانتخابات البلدية الاخيرة التي يتوقع كثيرون أن تنعكس في صناديق الاقتراع النيابية، في معركة يضعها مراقبون في خانة المنافسة على الزعامة السنية. تماما كما هي الحال في عكار، حيث ينافس الحريري (متحالفا مع القوات بشخص العميد المتقاعد وهبي قاطيشا) لتكريس حضوره القوي في الشارع السني، خصوصا أنه كان نجح في كسب كل مقاعد هذه الدائرة في انتخابات 2009، ما يعني أن دائرة الشمال الأولى ستكون المكان الأهم لقياس "الخسائر الزرقاء" إذا وجدت، خصوصا أن التيار البرتقالي ينافسه متحالفا مع الجماعة الاسلامية، وإن كان هذا التقارب موضع تساؤلات كبيرة ومشروعة نظرا إلى عدم التقاء الطرفين على أي من الأمور الاستراتيجية، ولا حتى تلك التي تعد أقل أهمية.

كل هذا لا ينفي أن الاستحقاق الأهم الذي يكمن للحريري وتياره على كوع انتخابات 6 أيار، يبقى في بيروت الثانية حيث سينافس عددا من معارضيه (على رأسهم اللواء ريفي)، تماما كما سيخوض المنازلة مع حزب الله وجها لوجه، بعدما اختار التيار الوطني الحر العودة إلى التحالف مع شريكه السياسي التقليدي حزب الله،  في مواجهة الحليف المستجد، تيار المستقبل، الذي بدا رئيسه متيقنا لأهمية المعركة، بدليل شنه هجوما مركزا على حزب الله، ذاهبا إلى حد القول صراحة إن "كل اللوائح المنافسة لتيار المستقبل تخدم حزب الله، ونقطة على السطر".  

وكما الرئيس الحريري، ينظر التيار الوطني الحر إلى انتخابات 2018 على أنها فرصة ثمينة متاحة له لتكريس حضوره "القوي" على الساحة المسيحية، وهو ما قد يفسر فشله في التحالف مع شريك المصالحة القواتي. إلا أن العونيين يبدون حريصين في الوقت نفسه على ربط معاركهم الانتخابية بمصير العهد، في المرحلة المقبلة ، بدليل أن الوزير جبران باسيل لم يتوان عن الاعلان صراحة من كسروان (التي تعد دائرة برتقالية بامتياز خصوصا أن الرئيس ميشال عون مثلها في الندوة البرلمانية إبان انتخابات 2005 و2009) أن "ممنوع  يسقط ميشال عون في كسروان"، في رسالة قوية وجهها إلى الحلفاء والخصوم على السواء، على رأسهم القوات اللبنانية والكتائب، اللذين افترقا في هذه الدائرة، واختارا خوض المنازلات كل من موقعه، وهو ما يعتبر مؤشرا إضافيا إلى ضراوة المنافسات المسيحية الطابع في هذه الدائرة حيث تتداخل العوامل السياسية بالاعتبارات العائلية والمناطقية، خصوصا أن شخصيات وزعامات تقليدية تخوض المنازلات كالنائبين السابقين فريد هيكل الخازن وفارس سعيد وجان الحواط الذي ينافس أبن أخيه رئيس بلدية جبيل السابق زياد الحواط على أحد المقعدين المارونيين في جبيل. يجري كل هذا في وقت تتفرد دائرة جبيل كسروان  بأول افتراق انتخابي على خط الرابية- الضاحية، خصوصا بعدما دعم الحزب ترشيح الشيخ حسين زعيتر عن المقعد الجبيلي الشيعي، في خطوة مبكرة هي الأولى من نوعها، وقد استفز بها العونيين الذين لا يخفون تصميمهم على أسقاط زعيتر، شأنهم في ذلك شأن سائر القوى السيادية، الرامية إلى "منع حزب الله من الدخول إلى المنطقة" التي كانت معقلا لمعارضيه ومؤيدي الشرعية، على رأسها حزب الكتلة الوطنية.

على أن التيار الوطني فاجأ الجميع بقدرته على القفز فوق خلافه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية "فيديو محمرش الشهير" ليمد اليد إلى الثنائي في بعبدا، ليكرس هنا أيضا وجوده الشعبي والسياسي. وإن كانت هذه الصورة الايجابية لا تنعكس على دوائر الجنوب. وفي هذا الاطار، يشير المشهد الانتخابي الجنوبي إلى أن كلا من التيار الوطني الحر وحركة أمل يعدان العدة لأشرس المواجهات، بعيد ما سماه الرئيس بري والمقربون منه "استفزازا عمد إليه باسيل بزيارة دائرة الجنوب الثالثة التي تعد قلعة من قلاع الحركة، في موقف لم يتأخر الرد العوني عليه على لسان باسيل شخصيا، الذي ألمح إلى احتمال عدم انتخاب تكتل التغيير والاصلاح بري لرئاسة مجلس النواب العتيد، ردا على "عدم اعتراف بري بالتيار من خلال عدم انتخابه الرئيس عون". وهو ما يعد\ مؤشرا قويا إلى اشتباك سياسي ستشهده مرحلة ما بعد 6 أيار.

وإنطلاقا من إرادته في رفد العهد بكتلة نيابية داعمة، يمضي التيار الوطني في مواجهة شرسة اشهد عليها الصورة الانتخابية في المتن، الدائرة الأوضح لمعارك الموالاة والمعارضة. ففي وقت نجح رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في تأليف لائحة "معارضة تجمعه بمكونات المجتمع المدني لضخ "نبض التغيير" في الحياة السياسية، يصب التيار كثيرا من الجهد في مواجهته، بدليل السجال العنيف الذي فجرته المادة 49 من الموازنة في الأسابيع الماضية، بين الجميل ومنافسه الأهم ابراهيم كنعان، علما أن اللائحتين تواجهان لائحة مدعومة من القوات، وأخرى ألّفها النائب ميشال المر، متجاوزا انسحاب المرشح سركيس سركيس من لائحته لينضم إلى تلك البرتقالية، التي جمعت التيار إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، بما يضفي مزيدا من الحدة على المعركة في معقل الكتائب والقوات، الخصمين اللدودين للقوميين.

أما الحزب الاشتراكي، فنجح في القفز فوق خلافه الأخير مع تيار المستقبل لخوض المعركه معه في دائرة الشوف- عاليه، في اتفاق شمل معراب أيضا، لمواجهة حلف التيار العوني والوزير طلال إرسلان، في تحالف نجح القواتيون والاشتراكيون في تكراره في بعبدا، مقابل تحالف التيار مع الثنائي الشيعي، واللائحة المدعومة من الكتائب والأحرار، وثالثة للمجتمع المدني. وإذا كان حزب الله مرتاحا إلى حضوره في هذه الدائرة، فلا يخفى على أحد أن بعلبك الهرمل تقض مضجعه، خصوصا بعدما نجح خصومه في الاستفادة من النسبية لمواجهته، في هدف التقى لأجله أيضا تيار المستقبل والقوات، بما يتيح للمراقبين رصد خسائر الحزب في دائرة وجوده الأكبر والأهم في سابقة هي الأولى من نوعها ستسجلها انتخابات 6 أيار.   

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o