Dec 08, 2020 7:28 AM
مقالات

عون - الحريري: حوار طرشان بلا جبران

كتب أحمد عياش في صحيفة النهار:

قبل انتشار النبأ حول لقاء مرتقب بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري بعد انقطاع دام اسابيع، كانت هناك معلومات تؤكد ان "معجزة" فقط تستطيع ان تُخرج موضوع تأليف الحكومة الجديدة من عنق الزجاجة حيث هو عالق منذ تكليف الرئيس الحريري مهمة التأليف في 22 تشرين الاول الماضي. وتستند هذه المعلومات الى ما تسرب من لقاء جمع الحريري والسفير الروسي الجديد في لبنان الكسندر روداكوف.

قبل عرض هذه المعلومات، كانت لافتة الحملة الاعلامية التي شنّها "حزب الله" على المحاولة الاخيرة التي قام بها الرئيس المكلف لتقديم تشكيلة لحكومة من 18 وزيراً تشبه مواصفات المبادرة الفرنسية التي لا يزال الحريري يعلن تمسكه بها. وتركزت هذه الحملة على رفض الحزب ما سمّاه "محاولة استفراد" تستهدف "التيار الوطني الحر" بغية فرض صيغة أمر واقع عليه تتجاهل وزنه النيابي. وتتساءل اوساط نيابية قريبة من عملية تأليف الحكومة عبر "النهار" عن اهداف حملة الحزب على المحاولة الجديدة التي قام بها الحريري للتأليف، وهو الذي دفع الثمن ولا يزال بسبب تعهده إسناد حقيبة وزارة المال الى شيعي، ما أسقط مبدأ المداورة الذي يريد تطبيقه على سائر الحقائب بما فيها تلك التي تسلمها وزراء من "التيار" وفي مقدمها حقيبة الطاقة. وأضافت هذه الاوساط متسائلة أيضا: "هل كان التنازل الذي قام به الحريري هو لمصلحة الرئيس نبيه بري فقط وليس لمصلحة الثنائي الشيعي الذي يشمل كذلك حزب الله؟". وخلصت الى القول: "يبدو ان كلمة حزب الله هي التي صارت اليوم نافذة، والتي تتضمن وقوف الحزب الى جانب التيار ورئيسه النائب جبران باسيل، خصوصا بعد العقوبات الاميركية التي تلقّاها الاخير".

ماذا عن لقاء الرئيس الحريري مع السفير الروسي؟
وفق معلومات إعلامية، فقد أبدى الحريري خلال اللقاء تشاؤما في امكان التوصل الى تأليف حكومة بسبب رهانات داخلية على ربط استحقاق التأليف بموعد تسلّم الرئيس الاميركي المنتخَب جو بايدن مقاليد الرئاسة في 20 كانون الثاني المقبل، فضلاً عن ان الحوار بينه وبين الرئيس عون لا طائل من ورائه لإن النافذ الفعلي في بعبدا هو النائب باسيل. وتساءل الرئيس الحريري أمام الديبلوماسي الروسي: "هم ينتظرون 20 كانون الثاني المقبل، فهل نعلم ماذا سيحصل حتى ذلك التاريخ؟".

من التكهنات السائدة ان قوة الدفع المستمرة لتأليف حكومة جديدة تعود الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أطلق في زيارتين متتاليتين للبنان: الاولى بعد انفجار المرفأ في 4 آب، والثانية في بداية ايلول لمناسبة مئوية ولادة لبنان الكبير، مبادرة لإنقاذ لبنان تدعو الى قيام حكومة تستطيع التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي هو مفتاح الدعم الدولي للبنان. وها هو الرئيس ماكرون يستعد للقيام بزيارة ثالثة قبل نهاية الشهر الجاري. فمن باب أَوْلى ان يجاري المسؤولون هنا هذه الارادة الفرنسية التي لا تتوقف عن إبداء العناية بهذا البلد. فهل هذه التكهنات في محلها الصحيح؟

تجيب الاوساط النيابية المشار اليها آنفا فتقول ان احدا لا يجهل حجم تأثير الرئيس الفرنسي الذي أظهر نفوذه في مؤتمرين عقدهما برعاية فرنسية – دولية من اجل دعم الحاجات الطارئة للبنان بعد انفجار المرفأ، وتمكن من جمع اكثر من نصف مليار يورو لمساعدته. لكن هذا الواقع لا يعني ان ميزان القوى في لبنان إنتقل كليا لمصلحة فرنسا، وهو امر لا تنكره باريس التي تعاملت مع الواقع اللبناني من منظور ميزان القوى الفعلي. ولهذه الغاية مدّت باريس، ولا تزال، جسر حوار بينها وبين "حزب الله" اللاعب الداخلي والاقليمي في آن على الساحة اللبنانية. لكن هذا السلوك الفرنسي لم ينتج حتى الآن ما ترجوه الرئاسة الفرنسية بسبب تفوّق اعتبارات "حزب الله" وراعيه الايراني على اهداف المبادرة الفرنسية. وأهم هذه الاعتبارات، ان طهران إذا ما ارادت ان تقدّم تنازلاً فستقدمه لواشنطن التي هي مَن يستطيع ان يردّ الدَّين بما تشتهيه الجمهورية الاسلامية.

أما في ما يتعلق بسلوك الاطراف في الداخل، وفي طليعتهم العهد، فتقول الاوساط ذاتها ان هناك تبسيطا في الفهم السائد لهذا السلوك. واعطت مثالا الرئيس عون، الذي وإنْ بدا متصلبا في معظم الاحيان، إلا انه برهن وفق مَن يعرفونه عن كثب انه براغماتي الى ابعد الحدود، ويعرف في الوقت المناسب متى يقدم التنازلات. أما القول ان العهد بلغ ثلثه الاخير، ولم يعد امامه الوقت الكافي ليمارس ترف الانتظار في ما يتعلق بتشكيل حكومة جديدة تلجم الانهيار المتسارع في لبنان، فهو قول يتجاهل ان التنازل في الموضوع الحكومي لن يذهب بحسب دوائر قصر بعبدا الى مصلحة العهد، بل سينتهي لمصلحة قوى لا تمثل بيئة صديقة له ألا وهي الرئاستان الثانية والثالثة.

وعطفاً على هذا التحليل، تخلص هذه الاوساط الى القول ان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يمثل السند الداخلي الاساسي للرئيس الحريري، سيكون منتصرا إذا ما جاءت حكومة يغيب فيها تأثير الرئاسة الاولى التي لم تعرف يوما من الايام منذ وصول العماد عون الى سدة الرئاسة الاولى قبل أربعة اعوام، حالة انسجام مع الرئاسة الثانية. أما بالنسبة الى الرئيس الحريري، العائد الى مسرح التكليف، فهو لا يشبه الشخص نفسه الذي مارس دور القابلة لانتخاب عون رئيساً للجمهورية قبل اربعة اعوام، وذلك بسبب الخيبات التي منيت بها علاقات الحريري مع العهد عبر رجله الاول جبران باسيل. وقد أكد الحريري انه لن "يلدغ" مجدداً من "جحر" باسيل أياً تكن النتائج.

كيف يمكن الخروج من هذه الدوامة التي لا تنسجم اطلاقا مع محنة لبنان؟ حتى اللحظة هناك من يقول ان الرئيسين عون والحريري اللذين يمثلان مجتمعَين السلطة التنفيذية، لن يصلا الى تفاهم إلا من معبر رئيس "التيار". إذاً، إنه حوار طرشان بين عون والحريري ما دام جبران ليس مقرِّراً فيه!‎

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o