Aug 30, 2019 12:05 PM
أخبار محلية

دريان فـــــــي رسالة رأس السنة الهجرية:
الوحدة الوطنية القاعدة فــــي مقاومة الاحتلال
السلاح علّة العلل و"الامان النقدي" مسؤولية الجميع

المركزية- اعتبر مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان "ان علة العلل، هو السلاح المتفلت بين الناس، وهذا يُشكّل خطراً على المواطن والوطن، فالمعاناة التي نشهدها في مختلف المناطق اللبنانية، من جراء هذا السلاح، تستدعي معالجته، كي لا يزداد الوضع سوءا، وكي لا يتم من خلاله استباحة حياة الناس وأموالهم، عبر هؤلاء المجرمين الخارجين على القانون.

وجّه مفتي الجمهورية رسالة الى اللبنانيين، بمناسبة ذكرى رأس السنة الهجرية جاء فيها "مع حلول كل عام هجري جديد، يقف المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها محتفين بعام هجري جديد، ومستذكرين احداث الهجرة النبوية الشريفة، التي تستحق الوقفة المتأنية، لأنها كانت في حقيقتها، حدثا بالغ الأهمية في تاريخ وحياة العرب والمسلمين، وهي لم تكن سفراً وانتقالا لتحصيل متع الدنيا وملذاتها، وإنما كانت انتقالا من اجل الحفاظ على العقيدة، وتضحية كبرى على حساب النفس والمال والأهل والولد، من اجل العقيدة، فهي تبدأ من اجل العقيدة، وغايتها العقيدة، وفيها الإصرار على اتباع الحق، والدعوة إلى نهج الهدى والرشاد.

لقد قضى رسول الله منذ بعثته بمكة، قرابة الثلاثة عشر عاما، داعيا للوحدانية والاستقامة الخلقية، والانضمام إلى ركب وحدة الدين الذي دعا إليه وإليها، ابو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، الذي بنى البيت العتيق مع ابنه إسماعيل بمكة المكرمة. لذلك، فإن العرب الذين كانوا يحجون إلى البيت، هم اولى الناس بالبقاء على دعوة إبراهيم وديانته. فببركة دعوة إبراهيم، استقام لقريش الأمر، وصنعوا الإيلاف الذي ذكرهم القرآن الكريم به، قال تعالى: "لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشتاء والصيف* فليعبدوا رب هذا البيت* الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".

نحن عائدون من الحج إلى البيت الذي بناه إبراهيم وإسماعيل، وحول تلك النواحي الصحراوية الجرداء إلى واحة مزدهرة للخير والائتلاف والنماء.

بعد قرون تنكر المكيون لكل ذلك، فأرسل إليهم سبحانه وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم لإعادتهم إلى السبيل المستقيم، سبيل إبراهيم الخليل عليه السلام".

اضاف "نحن نتذكر الهجرة، باعتبارها تجربة نجاح. لكنها كانت ايضا تجربة نضال، عانى خلالها المسلمون من الاضطهاد والقتل، ومغادرة الديار، لقد كانوا بين احد امرين: إما ترك الدين، او مغادرة الديار. وقد اختاروا الإصرار على دينهم وإيمانهم، مقتدين برسولهم صلوات الله وسلامه عليه، عندما قال: "والله لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما فعلت، أو أهلك دونه". لكنهم في هذا الخيار الواعي، كسبوا الأمرين معا: كسبوا حريتهم الدينية، وكسبوا أيضا أوطانهم بالعودة إلى مكة المكرمة، أحرارا ومتعالين عن الاضطهاد، او ملاحقة خصومهم السابقين، فالهجرة النبوية إذا تعطينا هذين المثالين: ان التمسك بالحرية، يكسبنا الدولة الحرة والقوية، كما أنه يكسبنا الدار والوطن، والعيش المشترك، بعيدا عن الاستقواء والافتراء والاستئثار".

وتابع "عندما كان نبينا ورسولنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نفتخر به ونعتز، يقيم الدولة الجديدة، ما استبعد أحدا، ولا تحدى قرار أحد أو حريته. وما استعملوا وقتها مصطلح العيش المشترك، بل سموا الدار الجديدة، دار الجماعة، ودار العهد، ودار العقد، ودار الأمة الواحدة. ولا معنى لذلك، إلا ما نسميه اليوم، العيش المشترك. بل إن كل الباحثين الغربيين والمسلمين، سموا كتاب المدينة أو صحيفتها دستورا. وهو دستور للاعتراف بالجماعات المختلفة، المشاركة في العقد والعهد، ولتنظيم التعامل في ما بينها بالقسط والإنصاف، والعدل وروح المحبة والتسامح.

إن الهجرة النبوية الشريفة، تقع في وعي المسلمين، بين ثلاثة اعتبارات: استمرار الكفاح من أجل حرية الدعوة، وحرية القول والعمل، ومغادرة الدار والموطن، من أجل إحقاق ذلك - والسعي لإقامة (الأمة من دون الناس) التي أعلن عنها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، في كتاب المدينة بعد الهجرة مباشرة. والاعتبار الثالث: الاقتداء بتجربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في إقامة الدولة الجامعة والقوية والمتماسكة، برغم الاختلاف الديني والاجتماعي والسياسي، وتؤسس وجودها وقراراتها على التعاقد الذي يشرك الجميع، ولا يستثني فريقا أو أحدا إذا كان موافقا على المشاركة".

ولفت المفتي دريان الى "ان لبنان ما شهد إلا في النادر هذه الملفات المتشابكة والمعقدة، في الأمن الوطني، وفي الاقتصاد، وفي العمل السياسي، وفي علاقاته العربية والدولية. وهذا التعقد في الملفات، له ثلاث علل: إصرار كل فريق على جذب المياه إلى طاحونه وحده، وفي الصغيرة قبل الكبيرة. لذلك، تتكاثر التجاذبات والنزاعات إلى ما لا نهاية. وإذا كان هذا الأمر خطأ في اساليب مواجهة الاختلافات؛ فإن العلة الأخرى اكبر وافجع، وتتمثل في استمرار الخلافات بشأن الثوابت التي لا يجوز ان تستمر، لأنها تشكّل ضربا للأسس التي يقوم عليها العيش المشترك، وتقوم عليها الحياة الوطنية الاجتماعية والسياسية. ونحن نعرف ان احداً لن يغيّر رأيه، استناداً إلى اقتناعه بصحة مواقفه، لكننا جميعا نعرف انه حتى الحق الذي لا شك فيه، لا يتحقق في نظامنا إلا بالتوافق. ونحن نرى جدالات الحقوق، وصولا إلى تعديل الدستور، ليس الآن وقتها، ولا يمكن تحقيق شيء فيها، بخاصة ان كثيراً من اللبنانيين، يرون ان ما جرى السير فيه، في امور اساسية عدة، خلف تظلمات واحقاداً ومشكلات تخل بحق المواطنين في العناية والإنصاف، وحسن الإدارة، وتجنّب اختلالات الفساد في هذه الظروف القاسية. ان المسألة او نصفها على الأقل، تكمن في الثقة التي ينبغي تعزيزها بين اللبنانيين، للنهوض بالوطن، فالثقة هي الأساس في سلوك الطريق المستقيم بلبنان".

وقال "لقد ذكرت علّتين لتفاقم المشكلات السياسية والاقتصادية. اما العلة الثالثة او علة العلل، فهو السلاح المتفلت بين الناس، وهذا يُشكّل خطراً على المواطن والوطن، فالمعاناة التي نشهدها في مختلف المناطق اللبنانية، من جراء هذا السلاح، تستدعي معالجته، كي لا يزداد الوضع سوءاً، وكي لا يتم من خلاله استباحة حياة الناس واموالهم، عبر هؤلاء المجرمين الخارجين على القانون".

اضاف "نحن نعيش في لبنان اياما صعبة ونواجه يوميا تحديات كبيرة متعددة ومتنوعة منها الاقتصادي والمالي والأمني والمعيشي والاجتماعي، ولا يمكن إلا ان نكون مستعدين للاحتمالات كافة، للتصدي لها، وما قام ويقوم به العدو الإسرائيلي من عدوان على وطننا لبنان، هو عمل إرهابي بامتياز، لترهيب الناس في امنهم وعيشهم.

إننا في دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية، نعتبر ان ما قام به العدو الصهيوني في ضاحية بيروت الجنوبية، هو جريمة حرب في حق اللبنانيين جميعا، دولة وشعبا ومؤسسات، وهذا يتطلب وعيا وحكمة ودراية، في التعامل مع هذا الأمر الخطير، الذي تتكشف معالمه يوما بعد يوم، تماديا بالعدوان، ليصل إلى المناطق اللبنانية كافة".

وشدد على "ان صمود الشعب اللبناني حتى هذه اللحظة، في وجه الاستفزاز الذي يمارسه العدو، من خلال إرسال طائراته المسيرة وغير المسيرة في اجواء لبنان، منتهكا القرار الدولي 1701 الذي خرق من قبل العدو منذ صدوره، هذا الانتهاك، اعطى البرهان على خطأ الحسابات التي راهن عليها الكيان الصهيوني، بانهيار التماسك الوطني، وشكّل ايضاً مزيداً من الوحدة والتضامن بين اللبنانيين، لمواجهة هذا الاعتداء السافر على لبنان وشعبه. كما اننا ننبه من ابعاد هذا العدوان، الذي يستهدف هذه الوحدة، لاستدراج لبنان والمنطقة العربية كلها، إلى فتنة لا تبقي ولا تذر. فالوحدة الوطنية، كانت وستبقى القاعدة الأساس في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي".

واعلن المفتي دريان "تأييدنا الكامل للحكومة اللبنانية، برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، والإجراءات التي اتخذها المجلس الأعلى للدفاع، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والسعي الدؤوب في المعالجات السياسية، من اجل توفير المناخ الملائم، لاستعادة الدولة سيادتها، وبسط سلطتها على جميع الأراضي اللبنانية، ونؤكد على دور الجيش اللبناني، وسائر القوى الأمنية، في حفظ امن البلاد وسلامتها واستقرارها، باعتبارهما ضمانة وحدة البلاد والعباد".

وتابع "ولا يسعنا هنا، إلا أن ندعم الدولة، والسلطة التنفيذية، في تحصين العملة الوطنية، بطريقة حازمة وصارمة، كي لا يشعر المواطن أنه في خطر داهم، بل في امان نقدي. وهذا الأمر مسؤولية الجميع، ولا يتحقق إلا بالالتفاف حول الحكومة، ومساعدتها في التصدي لكل محاولات زعزعة الاستقرار المالي، في ظل ظروف اقتصادية دقيقة وحساسة، تتطلب منا العمل جميعا من اجل صالح وطننا".

وختم "في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، نحتفي بالإنجاز، ونحتفي بنتائج النضال، ونحتفي بفتح آفاق مستقبلية. ومن حق اللبنانيين ان يفرحوا بالمولد النبوي، وبالهجرة النبوية، باعتبارهما رسائل أمل وحب وتضامن وتعارف. لكن لنا ان نفرح اكثر، إذا اقبلت سلطاتنا على العناية اكثر بالمسائل الأربع: مسألة سيادة الدولة، ومسألة النأي بالنفس عن المحاور والاشتباكات، والمسألة الاقتصادية البالغة الشدة، ومسألة الخدمات للمواطنين.

لن يخمد الأمل بالإمكانات الوطنية الكبيرة، كما لن يخمد الأمل بعزائم اللبنانيين وعيشهم المشترك، ولا بقدرتهم على التوافق والتضامن في خدمة وطنهم. هكذا علمتنا الأيام والشدائد: أن يتلاقى اللبنانيون في الأزمات، وأن يتضامنوا، وأن يبادروا، وأن يحولوا المآزق والأزمات، إلى فرص وحلول ومعالجات".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o