Feb 22, 2024 8:56 AM
مقالات

إلى ما بعد بعد الغازيّة

الغارة على الغازيّة أطاحت بقواعد الإشتباك المتفق عليها بين قوى الاحتلال الفارسي للبنان والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التي غلّفها الإيراني بالشعار التمويهي-التعبوي “ما بعد بعد حيفا” فحلّت مكانه حملة مزاعم إسرائيلية يصح وصف مضمونها بعبارة “ما بعد بعد الغازية”.
الحملة الإسرائيلية في حقبة ما بعد الغارة على بلدة الغازيّة الساحلية جنوبي مدينة صيدا شملت مواقع ومخازن ومخابئ مزعومة لحزب الإحتلال الفارسي في قضاءي كسروان وجبيل بمحافظة جبل لبنان وأقضية البترون والكورة وزغرتا في محافظة الشمال وقضاء المنية الضنية بالتعاون مع حركة الأخوان المسلمين أيضاً في محافظة الشمال إضافة إلى قضاء ومحافظة عكار في أقصى شمال لبنان، وفق ما روجت له مواقع إسرائيلية مقربة من بيئة الإستخبارات، أبرزها موقع ألما ALMA الإستخباري، وموقع Y. Net التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت المقربة من بيئة الإستخبارات الإسرائيلية.
لكن وزارة الطاقة اللبنانية التي يديرها الوزير وليد فياض أصدرت بياناً قال إنّ الفيديو الذي وزعه العدو الإسرائيلي هو “لمنشآت تابعة لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان” في قضاءي كسروان وجبيل.
الترويج الإسرائيلي للإنتشار المزعوم لمنشآت حزب السلاح الفارسي في مختلف مناطق لبنان بعد الغارة على الغازيّة أثار حالة هلع في الأجواء الشعبية فارتفع مجموع المهجرين من الجنوب وصولاً إلى صيدا منذ بداية حرب غزة حتى تجاوز الـ 120 ألف شخص هرباً من إستهدافات إسرائيلية محتملة، خاصة بعد غارات الإغتيال التي طاولت قياديين في حزب الإحتلال الفارسي وحركة حماس ما أوقع إصابات وخسائر في صفوف المدنيين الذين كانوا يقيمون بينهم من دون أن تكون هوياتهم التنظيمية معروفة.
وسادت الأوساط الشعبية موجة إرتياب في أي غريب يقيم في منطقة لا يعرف سكانها عنه شيئاً، خوفاً من أن يكون مدرجا ضمن بنك الأهداف الإسرائيلي ما يؤدي إلى إصابات وأضرار في أوساط جيرانه إذا جرت محاولة إغتياله.
وبعد الغارة المزدوجة على الغازيّة التي استهدفت منشأتين تناقضت تصنيفاتهما بين معمل مولدات كهربائية ومستوع للمواد الغذاية، وفق التعريف المحلي، ومخازن ذخيرة لحزب الإحتلال الفارسي وفق التصنيف الإسرائيلي، إنتقلت الشكوك لتطاول الورش الصناعية ما دفع بعض البلديات إلى الطلب من المصانع تزويدها بمعلومات تفصيلية عن عمالها والسماح للشرطة البلدية بزيارة مواقع العمل بحجة التدقيق مع العمال في معلوماتهم.
إضافة إلى الإرتياب من كل ما يمكن أن يتسبب بعنف إسرائيلي، برز فجأة طراز جديد من تعميم الهلع في منطقة البقاع حيث أوقف شخصان، أحدهما لبناني والثاني سوري، لترويجهما إرسالين هاتفيين لشريطي فيدو يزعم أحدهما أنه يبيع لحم حمير ويحرض الثاني المجتمع على صراع طائفي.
النازح السوري بائع لحم الحمير المزعوم قال إن سيدة تدعى سوسو دفعت له 300 دولار لقاء توزيع شريط الفيديو الهاتفي، على الرغم من أنه لا يملك دكاناً وليس جزاراً. واللبناني الذي حرّض على الصراع الطائفي أيضاً أفاد أنه تلقى 300 دولار من السيدة سوسو التي قالت للإثنين إنها ستؤمن لهما بمساعدة كاهن مسيحي سفراً إلى دولة أجنبية يمكنهما العمل والعيش فيها، وهما لا يعرفان المزيد عن هويتها أو مكان إقامتها، أما الكاهن فقد قيل لهما إنه يقيم خارج لبنان.
مصدر قضائي في البقاع قال إن الموضوع أحيل إلى فصيلة قوى الأمن الداخلي في مدينة شتورة للتحقيق مع الموقوفين الإثنين وقد توفرت معلومات عن هوية وعنوان المدعوة سوسو التي تجري ملاحقتها لتوقيفها والتحقيق معها كما يُعمل على إستكمال جمع المعلومات لمعرفة كامل هوية ومكان إقامة رجل دين مسيحي كان قد وعد الشخصين الموقوفين بتأمين تسفيرهما إلى دولة أجنبية للإستقرار والعمل. الكاهن قدم وعد التسفير والمدعوة سوسو دفعت الرشوة.
حالة الضياع التي أربكت البقاع تزامنت مع إنقسام أعضاء اللجنة الخماسية التي تعالج الشأن اللبناني خلال إجتماع سفراء دولها في قصر الصنوبر ببيروت.
وقال مصدر دبلوماسي إنّ السفيرة الأميركية ليزا جونسون والسفير القطري سعود بن عبد الرحمن آل ثاني إعترضا بصراحة متناهية على أداء المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان
ونقل عن السفيرة الأميركية قولها إنّ لودريان “لا يحق له التحدث باسم الخماسية لأنه لا يمثلها، وليس مكلفاً من قبلها، بل إنه يخرّب عمل اللجنة” التي تضم أيضاً السعودية ومصر.
وأعرب غالبية السفراء عن معارضتهم لأي زيارة يمكن أن يقوم بها لودريان إلى لبنان لأن ما يقترحه حيال إنتخاب رئيس للجمهورية يتعارض مع توجّهات الخماسية، لكن السفير الفرنسي هيرفي ماغرو ردّ على هذا التوجه بقوله إنّ لودريان ممثل شخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يقوم بمهمته بهذه الصفة ولا يتحدث بإسم الخماسية.
خلاصة المشهد أنّ هرم الخماسية تشقق ودخلت الإنتخابات الرئاسية في أجندة النسيان ليبقى شغور قصر بعبدا سيد مشهد جمهورية بلا رأس أو رئيس على الرغم من البيان الذي أصدرته السفارة الفرنسية وشددت فيه على أنّ إجتماع السفراء عقد “لإعادة التأكيد على عزمهم على تسهيل ودعم إنتخاب رئيس للجمهورية. واستعرضوا التطوّرات الأخيرة والإتّصالات التي جرت في لبنان والمنطقة. كما تمّت مناقشة الخطوات التالية الواجب إتّخاذها”.
أي خطوات يتوجب إتخاذها بعدما رفض السفراء جولة لودريان؟ وهل هذا التناقض يؤشر إلى إنتهاء دور اللجنة الخماسية؟
وفي تطور بارز على صلة، أطلق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل موقفاً يناقض كل ما يقوم به حليفه حزب الإحتلال الفارسي في جنوب لبنان منذ إندلاع حرب غزة.
قال باسيل: “لسنا مع تحميل لبنان مسؤولية تحرير فلسطين، فهذه مسؤولية الفلسطينيين، ولسنا مع وحدة الساحات أي ربط لبنان بجبهات أخرى، وتحديداً ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزّة، مع فهمنا لدوافعها، وإننا لسنا مع استعمال لبنان منصّة هجمات على فلسطين. وباختصار لا نريد أخذ لبنان إلى الحرب…”
صحيح أنّ ما قاله باسيل يعارض كل الجهد العسكري والموقف السياسي لحليفه الشيعي حزب الإحتلال الفارسي في الجنوب منذ 7 تشرين الأول الماضي لكنه لم يصل إلى إسقاط ما يعرف بتفاهم مار مخايل الموقع في كنيسة مار مخايل بضاحية بيروت الجنوبية في 6 شباط 2006 بين تياره والحزب لأنه لم يطالب برفض وجود سلاح بيد قوى غير الجيش اللبناني واليونيفل.
وفي سياق متصل أعلن الرئيس الفخري للتيار الوطني الحر ميشال عون، الذي كان قد وقع تفاهم مار مخايل مع أمين عام حزب الإحتلال الفارسي حسن نصر الله قبل 18 عاماً، “أننا في لبنان لسنا مرتبطين مع غزة بمعاهدة دفاع ومن يمكنه ربط الجبهات هو جامعة الدول العربية، لكن قسماً من الشعب اللبناني قام بخياره، والحكومة عاجزة عن أخذ موقف، والانتصار يكون للوطن وليس لقسم منه”.
وأضاف الرئيس عون: “القول إنّ الإشتراك بالحرب استباق لاعتداء إسرائيلي على لبنان هو مجرد رأي والدخول في المواجهة قد لا يبعد الخطر بل يزيده”…
وعلى الرغم من استفاقة الرئيس عون وصهره باسيل على حقوق لبنان عند حزب الإحتلال الفارسي لا يمكن الإعتقاد بأنّ الفراق قد وقع بين الحليفين، فالأمر لا يتجاوز محاولة لإعادة ترتيب أولويات العلاقة بين الطرفين للحفاظ على التحالف بين تيار لبناني مسيحي ومقاومة فارسية القرار، وذلك لعدم قدرة أي منهما على إيجاد بديل عن الآخر إذا فقده، إضافة إلى أنّ باسيل يحاول أن يحصل على تعويض سياسي من الحزب لأنه لم يدعم ترشحه لرئاسة الجمهورية.
هكذا هو لبنان، لا يوجد “لا” نهائية ولا “نعم” نهائية. الموقف دائماً… “لعم”!

محمد سلام - هنا لبنان

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o