Feb 17, 2024 2:41 PM
مقالات

عندما تهاجر "الإنسانية"

كتب البروفيسور إيلي الزير


كل البلاد والأوطان يهاجر أبناؤها وشبابها منهم من أجل العلم، ومنهم من أجل تحسين ظروف الحياة، وآخرون هرباً من الموت. لكن الهجرة المخيفة التي نواجهها نحن اللبنانيون في مجتمعنا وأرضنا وأحلامنا هي هجرة "الإنسانية" التي يوماً بعد يوم تغادر أرض الوطن. نفتقدها في الإدارات الرسمية، وفي المؤسسات الخاصة نبحث عنها في المعابد بكل أنواعها، وفي الكتب ما يعتمد منها في المدارس أو الجامعات أو ما يباع على أرصفة الطرقات.

لبنان أكثر ما يفتقد إليه في هذه الأيام الصعبة هو "الإنسانية" بمعناها السامي التي إن عمّت في أرواحنا وسلوكنا باتت خياراتنا واضحة. الوقوف بوجه الحروب هو فعل إنسانية ومواجهة، واستنكار المجازر بحق النساء والاأطفال والشيوخ هو فعل إنسانية، مواجهة الفساد ورفضه هو فعل انسانية أيضاً. اليوم ينظر البعض منّا إلى المجازر من حوله قائلاً: "ما علاقتي بها؟"، وينظر آخرون إلى لصوص الهيكل في إداراتنا الرسمية وحكومتنا ومنظومتنا السياسية فيقول: "وما ضرري منها"، وينظر آخرون أيضاً إلى سوء الخلق في تعاملاتنا بين بعضنا البعض على أنه "شطارة" حيث يأكل منّا الواحد الآخر في متجره وفي معهده وفي مكتبه وفي معمله وبين جيرانه.

أيّها اللبنانيون، لا تقلقوا من هجرة الشباب طلباً للعلم سيعودون نُخباً إلى لبنان. ولا تقلقوا على هجرة بعضهم طلباً لظروف عيش أفضل، عندما نستعيد لبنان سنستعيدهم، ولا تقلقوا لهجرة المؤسسات الكبرى فصاحب المال جبان وعندما يعود الأمان سيعود. لكن اقلقوا فقط وفقط من هجرة "الإنسانية" لأنّ "الإنسانية" عندما تهاجر قوماً لا تعود ابداً. قيل وصدق من قال: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا...".فلا تخسروا أخلاقكم. لا تخسروا إنسانيتكم عندها لا ينفع مالٌ ولا بنون. هناك على جدار مزار السيدة العذراء في حريصا كُتب "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه". فلا تخسروا انفسكم.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o