Nov 29, 2022 6:23 AM
صحف

استحقاق حمى الأسعار يسابق تداعيات الفراغ

فيما لم تسجل أي تطورات او تحركات داخلية بارزة ذات صلة بمسار الازمة الرئاسية التي تتسع الانطباعات - المخاوف حيال تمددها الى امد طويل غير منظور، يطل لبنان في قابل الأيام والاسابيع على عودة السباق الساخن، ولو في عز موسم أعياد آخر السنة وفصل الشتاء، بين مساره السياسي المأزوم ومساره المالي - الاقتصادي الأشد تأزما، بحسب "النهار".

بل انه وسط الجمود والرتابة المتحكمين بقوة بمسار الجلسات العقيمة التي يعقدها مجلس النواب أسبوعيا لانتخاب رئيس الجمهورية بلا أي تبديل حقيقي جوهري من شأنه ان يدفع بالازمة الى نهاية وشيكة بانتخاب رئيس ينهي ازمة الفراغ، بدأت نذر استحقاق داهم من نوع اخر تطغى على اهتمامات الناس والاوساط الاقتصادية وهو استحقاق اعتماد الإجراءات المتصلة بالسعر الجديد للدولار الجمركي ( 15 الف ليرة لبنانية ) في بداية كانون الأول المقبل، والذي يليه استحقاق اخر لا يقل أهمية ووطأة ويتصل باعتماد سعر الصرف الجديد الرسمي للدولار بإزاء الليرة بـ 15 الف ليرة لبنانية أيضا ابتداء من الأول من شباط 2023. الاستحقاق الداهم الأول المتصل باعتماد السعر الجديد للدولار الجمركي اتخذ مفاعيله العملية قبل حلول موعد سريان القرار في شأنه سلفا، اذ تبدو الأسواق وفق المعطيات الواقعية السائدة قبل أيام قليلة من بداية كانون الأول كأنها على أهبة موجة حارة من شأنها رفع أسعار معظم السلع عشرات الاضعاف وربما مئات الاضعاف في بعض السلع. واذا كان قرار رفع سعر الدولار الجمركي لن يشمل كل السلع المستوردة او المنافسة للإنتاج المحلي، فان محاذير كبيرة ارتسمت من اللحظة حيال ما يمكن ان تشهده البلاد من تفلت وعجز او حتى تواطؤ في مواجهة هذا الاستحقاق بما يرجح ان يرتب تداعيات واضطرابات واسعة في حمى أسعار لاهبة جديدة يتحمل تبعاتها المواطنون من ذوي الدخل المتوسط والمتدني فيما ترزح البلاد تحت وطأة تضخم مخيف وموجات هائلة من التفلت.

وتساءلت أوساط تتخوف من حمى تتفلت فيها الضوابط في الأسواق عما اذا كانت الحكومة ووزارتا المال والاقتصاد تحديدا قد اعدت جيدا لانطلاق تنفيذ هذا الاجراء الشديد الحساسية ماليا واقتصاديا واجتماعيا، واي إجراءات اتخذت وستتخذ في الأيام القليلة المقبلة للحؤول دون تداعيات غير محسوبة لهذا "الاعصار" علما ان التفلت بدأ سلفا وقبل أيام من موعد بدء سريان القرار .

اذن دخل لبنان مرحلة توحيد أسعار الصرف مرحليا وصولا الى التحرير التام للأسعار وتصبح بعدها "صيرفة" هي من يحدد السعر، مرورا بإعتماد سعر صرف للدولار الجمركي عند 15 الف ليرة للدولار الذي يدخل حيز التنفيذ في الاول من كانون الاول المقبل اي يوم الخميس المقبل. وقد ارسل وزير المال في حكومة تصريف الاعمال يوسف الخليل كتاباً الى مصرف لبنان ليتم اعتماد سعر صرف العملات الاجنبية على اساس 15 ألف ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد بالنسبة للرسوم والضرائب التي ستستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة اعتباراً من 1-12-2022. كما يستمر مصرف لبنان بالعمل بالتعاميم السارية المفعول إلا في حال أقر مجلس النواب قانون قانون الكابيتال كونترول عندها يلغي المركزي كل هذه التعاميم ويصبح القانون الجديد هو المنظم للعلاقة بين المودعين والمصارف. ويسعى مصرف لبنان حاليا لسحب الكمية الاكبر من الليرة اللبنانية من السوق بعد ان وصل حجمها الى ما يقرب 70 تريليون ليرة لبنانية فيما تؤكد معلومات ان المركزي يسعى من خلال مجموعة من الاجراءات التي ستدخل حيز التنفيذ في الاسابيع المقبلة الى شفط ما يقارب 30 تريليون ليرة لبنانية من السوق مع توجيه ضربات مفاجئة للمضاربين من خلال التدخل السريع في السوق بالتوازي مع إصدار تعاميم للحد من إرتفاع الدولار، أقله في المرحلة المقبلة .

الى ذلك، لفت مصدر حكومي في اتصال مع جريدة الأنباء الالكترونية الى أن حكومة تصريف الأعمال مستنفرة لدراسة حاجات الناس وتأمينها بالتي هي أحسن وسط ظروف جداً قاسية، مضيفاً "الوزراء يعملون بظروف قاسية جداً ويتولون تصريف الأعمال بالنطاق الضيق جداً كل في نطاق وزارته خشية تفلّت الأمور مع التشديد على الدور الذي تقوم به وزارة الاقتصاد ومصلحة حماية المستهلك".

وعن تأثير بدء العمل بالدولار الجمركي على سعر الـ١٥٠٠٠ ليرة ابتداء من ١ كانون الأول على اسعار المواد الغذائية، لفت المصدر الى وجود كمية كبيرة من السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية ستكون معفاة من الرسوم وأن أجهزة الرقابة في وزارة الاقتصاد وحماية المستهلك ستتولّى مراقبة الأسعار والأدوية ستكون من ضمنها.

أيام قليلة ويدخل هذا القرار حيّز التنفيذ، وستبقى دائماً العبرة في التنفيذ لجهة الاجراءات الرقابية التي يُفترض أن تكون حاسمة كي لا تصل البلاد الى انفجار اجتماعي قد يخرج عن السيطرة.

ظلم مزدوج: أما "الجمهورية" فأشارت الى ان اقتصاديا وماليا، فقد سبق للبنك الدولي ان اصدر في تشرين الاول الماضي تقريرا حول نسب تضخم اسعار المواد الغذائية في دول العالم. وتبين ان لبنان احتل المرتبة الثانية عالمياً بعد زيمبابوي، في حين حلّت فنزويلا في المرتبة الثالثة. وبالأمس، أعاد البنك الدولي نشر مقتطفات من تقريره على حسابه على "تويتر" وكأنه أراد التذكير بفداحة هذه المشكلة. وصودف ان هذا التذكير يأتي قبيل ثلاثة ايام فقط من بدء تنفيذ ما يُعرف بالتسعيرة الجديدة للدولار الجمركي في لبنان، على 15 الف ليرة بدلا من 1500 ليرة.
 
ومع انطلاق العمل بالدولار الجمركي الجديد، تشير التوقعات الى ان اسعار السلة الاستهلاكية للمواطن سوف ترتفع بسرعة، خصوصا اذا شملت الى المواد الغذائية، المواد الضرورية الاخرى، مثل المعدات الكهربائية وسواها من السلع التي لا يمكن تصنيفها في خانة الكماليات، بل هي في صلب الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها.
 
وضمن هذه السلة الاستهلاكية تشير التقديرات الاولية الى ان معدل الاسعار سوف يرتفع في غضون فترة قصيرة بما لا يقل عن 30 في المئة. واذا أضفنا الى عامل الدولار الجمركي، عامل استمرار انهيار الليرة امام الدولار، فقد تصل النسبة حتى نهاية العام الحالي الى حوالي 50%. بما يعني عملياً ان القدرة الشرائية للمواطنين سوف تنخفض الى النصف في غضون شهر من الآن. وبذلك، ستكون الكارثة الاجتماعية اشد تعقيداً، فيما المؤشرات لا توحي باقتراب موعد الخروج من هذه الأزمة العميقة.
 
ولا تتوقف مفاعيل الكارثة عند هذا الحد، بل ان الجهل والاهمال سيؤديان الى رفع الاسعار، من دون ان تتمكن الخزينة من الاستفادة من الاموال الاضافية نتيجة رفع الدولار الجمركي، ذلك ان التجار الذين كانوا يتوقعون تغيير سعر الدولار الجمركي منذ مطلع العام، قاموا بمضاعفة كميات الاستيراد، بهدف تخزين البضائع على تسعيرة الـ1500 ليرة، وبيعها لاحقاً على تسعيرة الـ15 الف ليرة. وهكذا تكون الحكومة، قد ظلمت الناس مرتين، مرة من خلال التسبّب برفع الاسعار رغم الضائقة المالية التي يعاني منها الجميع، ومرة ثانية من خلال التسبّب بخسارة مداخيل اضافية ستؤدي الى زيادة العجز في الموازنة، وهذا العجز سيدفعه المواطن لاحقا بسبب ارتفاع حجم الدين العام، او الانهيار السريع في سعر الليرة.
 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o