Dec 13, 2019 6:44 AM
صحف

الحريري يُكلَّف ولا يؤلِّف: الحكومة إلى أزمة مفتوحة!

حسم جبران باسيل أمره. التيار الوطني الحر لن يشارك في الحكومة، التي يتوقع أن يُكلف سعد الحريري بتأليفها يوم الاثنين. أبلغ موقفه هذا لحزب الله وللرئيس نبيه بري قبل أن يعلنه على الملأ في مؤتمر صحافي أعقب اجتماع تكتل لبنان القوي. قال إنه طالما أن الحريري أصر على "أنا أو لا أحد" وأصر حزب الله وأمل على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري، فإن التيار الوطني الحر وتكتل لبنان القوي لن يشاركا في هكذا حكومة لأن مصيرها الفشل حتماً. وعليه، فإن التيار سينتقل إلى الصفوف المعارضة، في ظاهرة فريدة من نوعها تتمثل بوجود عون في الرئاسة والعونيين في المعارضة. لكن باسيل كان حاسماً "لا نُشارك ولا نُحرّض، لكن نقوم بمعارضة قوية وبنّاءة للسياسات المالية والاقتصادية والنقدية ونقوم بمقاومة لمنظومة الفساد القائمة منذ 30 سنة والتي يريد البعض الاستمرار فيها من خلال الحكومة نفسها".
بالنسبة إلى التيار، بحسب "الاخبار" فإن باب الحل ليس بحكومة تكنوسياسية، بل بحكومة إنقاذ من الاختصاصيين يكون رئيسُها وأعضاؤها من أصحاب الكفّ النظيف وفي الوقت نفسه مدعومين من الكتل السياسية على قاعدة احترام التوازنات الوطنية.
بحسب كل المعطيات التي سبقت قرار التيار، فإن باسيل لم يكن ليتخذ قراره لو تم الاتفاق على حكومة من ثلاثة: حكومة تكنوسياسية يرأسها الحريري وتضم وجوهاً سياسية تختارها الأحزاب من دون أي فيتو على الأسماء، حكومة اختصاصيين لا يترأسها الحريري وحكومة أحادية يترأسها فؤاد مخزومي أو جواد عدرا.
كان الاحتمال الأخير مرفوضاً من قبل حزب الله، فيما الاحتمال الأول رُفض من الحريري، الذي يضع فيتو على عودة باسيل إلى الحكومة. تبقى حكومة الاختصاصيين، وتلك كادت تمر الأسبوع الماضي، لولا تطييرها من قبل الحريري وباسيل معاً، كل لأسبابه.
لم يبق أمام باسيل في تلك الحالة سوى إعلان عدم المشاركة في الحكومة. فهل يؤدي هذا القرار إلى تسهيل ولادتها؟ الانطباع الأول لأكثر من طرف أن الحكومة بعيدة. ما هو مرجح حتى اليوم، هو أن الحريري سيُكلّف تأليف الحكومة. أما التأليف نفسه، فيحتاج إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة: على أي حكومة يوقّع رئيس الجمهورية؟ ومن يمثّل المسيحيين في غياب أكبر كتلة مسيحية؟ ومن يختار هؤلاء الوزراء، هل هو الحريري أم عون أم من؟ وهل إعلان باسيل عدم مشاركة التيار في الحكومة يعني أن الحريري لن يكون مضطراً إلى التفاوض مع باسيل؟ وإذا كان باسيل قد ركّز في حديثه على الميثاقية، مؤكداً عدم تخطي الموقع الميثاقي للحريري، فهل سيكون بمقدور الأخير تخطي الموقع الميثاقي للتيار الوطني الحر؟
الأسئلة الكثيرة تقود إلى عدم توقع حكومة في القريب، وخاصة أنه لم يعد معروفاً إن كان الاتفاق الذي عقد مع سمير الخطيب لا يزال صالحاً. فهل الحريري يوافق على حكومة تكنوسياسية يتمثل فيها حزب الله وأمل صراحة؟ وإذا كان يريد العودة إلى شرطه السابق، أي ترؤس حكومة اختصاصيين، فهل يريدها غير حزبية؟ وهل يوافق حزب الله وأمل على التراجع عن مطلبهما التمثّل بسياسيين أم يوافقان على الاكتفاء بتسمية اختصاصيين؟ ماذا لو رفض الحريري؟
الأزمة عميقة. والحريري سيواجه تكليفاً بلا قدرة على التأليف (تلك حالة لطالما خبرها في السنوات السابقة). يفتقر إلى الغطاء المسيحي، وخاصة إذا استمرت "القوات" في إصرارها على حكومة من الاختصاصيين، مع توقعات بأن لا يسميه المردة أيضاً، وخاصة إذا رفض حزب الله تسميته. سيكون الحزب أمام معادلة جديدة. حماسته لعودة الحريري ليست مطلقة. يفضّل ترؤسه للحكومة، لكن لا يمكنه أن يقبل بأن يقود الحكومة مطلق اليدين في تسمية الوزراء وتنفيذ السياسة التي يجدها ملائمة للخروج من الوضع الحالي. وحتى إذا كان الحريري يرى أن هكذا حكومة هي الفرصة الوحيدة لكي يحصل على الدعم الأميركي والسعودي، فقد وجهت الرياض له رسالة عدم اهتمام بغيابها عن مؤتمر باريس (أول من أمس)، فيما يأتي الموفد الأميركي ديفيد هيل الأسبوع المقبل، معلناً الدخول المباشر للولايات المتحدة على خط التأليف.

طريق التأليف سالكة: في المقابل، وكما تقاطعت الأفرقاء حول التسليم بفشل محاولة "شقلبة" عملية تكوين السلطة التنفيذية عبر فرض التأليف قبل التكليف، تؤكد مصادر مواكبة للمشاورات الحكومية التمهيدية أنّ وضع العثرات والعراقيل أمام طريق التأليف سرعان ما ستتم إزالتها لتكون "سالكة باتجاه تسريع ولادة التشكيلة الحكومية الإنقاذية"، معربةً لـ"نداء الوطن" عن اعتقادها بأنّ "استشارات الاثنين ستفضي إلى تكليف الحريري بأكثرية نيابية بسيطة بموجب لعبة توزيع الأصوات النيابية، بين مؤيد للحريري وداعم لنواف سلام باعتباره اختصاصياً، مقابل لجوء كتلة "الوفاء للمقاومة" إلى خيار عدم التسمية وإيداع أصوات أعضائها في جعبة رئيس الجمهورية للوقوف على خاطر "التيار الوطني الحر"، في حين تلتزم كتلة "التنمية والتحرير" بالتصويت للحريري، بينما سيعمد تكتل "لبنان القوي" بحسب معطيات غير مؤكدة إلى ترك حرية التسمية لأعضاء التكتل بغية ضمان عدم إيصال رئيس "تيار المستقبل" بأكثرية وازنة في ميزان التكليف".

اسئلة مشروعة: استشارات الاثنين، إذا بقيت في موعدها، وانتهت إلى تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، الى جانب كونه رئيس حكومة تصريف الاعمال، لا تعني انّ مشوار التأليف الذي سينطلق فيه اعتباراً من الثلاثاء المقبل، مفروش بالورود ومزروع بالمسهّلات التي يريدها، بل على العكس، فإنّ الحكومة التي ينوي تشكيلها تبدو مؤجلة الولادة الى أمد طويل، وفق ما يؤكد شركاؤه المفترضون في تلك الحكومة، خصوصاً انّ محطات شديدة الصعوبة تنتظر الحريري، توجب دقّتها ان تتم مقاربتها بطريقة استثنائية توجِب بدورها توافر المقدار الأعلى من الحنكة السياسية:
ـ الأولى، شكل الحكومة، المحكوم حالياً بمنطقين متباعدين، بل ومتصادمين الى أقصى الحدود حتى الآن، وهذا معناه انّ المفاوضات التي ستدور حول هذه المسألة ستستنزف فترة طويلة من المد والجزر السياسيَّين، قبل الوصول الى بَت شكل الحكومة عبر ابتداع صيغة وسطية بين الطرحين تُطعِّم الحكومة بسياسيين.
ـ الثاني، طريقة اختيار التشكيلة الوزارية، في حال قررت جهات سياسية كبرى الامتناع عن المشاركة فيها والانتقال الى المعارضة، كـ"التيار الوطني الحر". وايضاً في حال بقيت "القوات اللبنانية" على موقفها المعلن من أنها لن توافق الّا على حكومة اختصاصيين. فأيّ حكومة ستقلّع في غياب المكون المسيحي عنها؟ وأي مجلس نيابي سيعمل في هذا الجو؟
ـ الثالث، تمثيل الحراك، وهو، وإن كان محل إجماع حوله، الّا انه يبدو الاصعب، وخصوصاً لناحية طريقة اختيار ممثل الحراك، وما هي مواصفاته، ومن هو الحراك المحظوظ من بين الحراكات المتعددة الذي سيرسو عليه اختيار ممثّل منه، وماذا عن سائر الحراكات إذا كانت ستقبل به أم لا؟
هذه الاسئلة مشروعة بعدما تبيّن بحسب "الجمهورية" ان هذه الحراكات ليست مُجمعة على موقف واحد، فلكلّ منها لونه، ولكلّ منها توجهاته وعناوينه التي تفترق مع عناوين الآخرين وتوجهاتهم، والجامع الوحيد في ما بين هذه الحراكات هو النزول الى الشارع فقط.
 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o