Jul 01, 2019 7:31 AM
صحف

من يريد للجبل ان يعود الى ‏أتون الفتنة بعد كل المصالحات؟

عاش لبنان في الساعات الماضية، واحدة من أبشع صور الأزمة الداخلية، المتداخلة فيها المصالح والعصبيات ‏والحسابات الخاصة لهذا الفريق وذاك. كأن هناك من بعث صورة قدّمت دليلاً موجعاً على حجم التفسّخ الذي يعانيه ‏الطاقم السياسي الحاكم، والذي يزرع فتائل التوتير والتفجير، في هذه المنطقة او تلك بطريقة تبدو متعمّدة، تطرح ‏علامات استفهام واتهام لكل المشاركين في جريمة العبث بلبنان وأمنه، ودفعه الى السقوط في الهاوية التي يرقص على ‏حافتها سياسياً واقتصادياً. صورة، أعادت الى الأذهان ذكريات الماضي الكريه، باستنفار المذهبيات والعصبيات، لم تكن ‏تحتاج سوى الى عود ثقاب يُشعلها. ولعلّ السؤال الذي يُلقى في أحضان كل المشاركين في هذا الحريق: ماذا تريدون، ‏والى أين تأخذون البلد؟.. كلكم متهمون، وليس منكم بريء من الدم الذي أُهرق، والقلق الذي ساد.. كلكم شركاء في ‏محاولة اغتيال الجبل وأهل الجبل، والمصالحة في الجبل، ومن خلاله كل لبنان. كلكم في الخطيئة سواء، ومن منكم بلا ‏خطيئة، فليرجم الآخر بحجر.

إهتزّ جبل لبنان، بل لبنان كله، امس، بحادثة أمنية خطيرة سقط فيها قتيلان وجريحان، وأعادت الى الاذهان صور ‏الحرب المشؤومة التي كان شهدها الجبل وسقط فيها عشرات الآلاف من القتلى وخلّفت دماراً هائلاً ما زال العمل جارياً ‏حتى الآن لمحو آثاره.

وطرحت هذه الحادثة، التي وقعت في قبرشمون، لمناسبة زيارة رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل ‏لمنطقة عاليه، اسئلة كثيرة وكبيرة منها: من يريد للبنان العودة الى الحرب من بوابة السقوط السياسي الأمني ‏والاقتصادي والمالي، حيث يمرّ الآن في مرحلة حساسة جداً على هذا المستوى؟ ومن يريد لجبل لبنان أن يعود الى ‏أتون الفتنة بعد كل المصالحات التي جرت وبعد عودة عشرات الآلاف من المهجرين الى مدنه وقراه؟ وماذا تريد ‏القوى السياسية أو بعضها من جولات على هذه المنطقة او تلك في وقت لا تزال الاستحقاقات الدستورية الانتخابية ‏النيابية والرئاسية بعيدة سنوات؟ ومَن يريد تحجيم مَن حتى يُطلق البعض كلاماً عن التحجيم، ويذهب الى مواجهة من ‏يريد تحجيمه بالدم؟ ولمصلحة من يأخذ البعض البلد الى أجواء خوف ورعب، مع بداية الموسم السياحي الذي يأمل ‏الجميع ان يكون واعداً وبلسماً يداوي في الحدّ الادنى مشكلات لبنان الاقتصادية والمالية؟ ولماذا يتعمّد البعض افتعال ‏او ارتكاب مثل هذه الحوادث مع بداية كل صيف، خصوصاً هذه السنة بالذات، بعد القرار الخليجي العربي بعودة ‏السياح الى لبنان؟

اكثر من ذلك، هناك من يسأل: ماذا يريد جبران باسيل من جولاته وفي كل جولة يكون له فيها "قُرص"؟ ولماذا أراد ‏وليد جنبلاط أن يمنعه من زيارة الجبل حتى تصدّى له محازبوه وكان ما حصل من إشكال هنا وآخر هناك، ولم تسلم ‏الجرّة هذه المرة فسقط قتلى وجرحى؟ ولماذا يسكت المسؤولون الكبار عن هذا التمادي في الاشتباكات السياسية ‏والمشاحنات، وهم يعرفون مسبقاً مدى خطورتها على البلد وسلمه الاهلي واستقراره؟ وهل يريد البعض إسقاط البلد من ‏الداخل ليلاقي من يعمل على إسقاطه من الخارج؟

وفي موازاة هذه الاسئلة، فإن ألسنة الناس ترجم مفتعلي الحريق، ومن خلالهم السياسيين، قائلة: دمّروا الاقتصاد، ‏ضربوا الاستثمارات، هجّروا السياحة، أسقطوا هيبة الدولة، وها هم يجرّون البلد الى الفتنة وتهديد السلم الاهلي ‏والمصالحة بحساباتهم وانانياتهم وقُصر نظرهم، وفقدانهم أي شعور بالمسؤولية، ووضعهم البلد على كف عفريت، في ‏الوقت الذي تحذّر المؤسسات المالية الدولية لبنان من الانحدار الى الهاوية اقتصادياً ومالياً.‎‎

الجبل حزين: وكان الجبل نام حزيناً أمس على قتلى سقطوا ضحايا مصالح سياسيين بعضهم يستعجل الفوز في استحقاق لم يحن أوانه ‏وليس هو من يقرّر فيه. والبعض الآخر يشعر بأنّه يتعرّض لمحاولات تحجيم وينتابه الخوف على مستقبله في زمن ‏تغيير الدول. وثالث يريد ان يُقاسم الآخر نفوذاً او يجلس مكانه، فيما لا يملك المقومات اللازمة لذلك، وقد تدخّلت الدولة ‏بقواها العسكرية والامنية لفك الاشتباك بين هؤلاء، فكان لها نصيبها من الاعتداء قبل ان تتمكن من السيطرة على ‏الوضع الذي ظل قلقاً ومتوتراً.‎‎

ولم تمرّ جولة باسيل على منطقة عاليه أمس هادئة، إذ إستُقبلت بإشعال الإطارات وقطع الطرق احتجاجاً، وأدّت الى ‏مقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب وإصابة ثالث منهم، فيما اصيب رابع ينتمي الى ‏‏"الحزب التقدمي الاشتراكي"، وذلك لدى مرور موكب الغريب بين بلدتي قبرشمون والبساتين، أثناء الاحتجاجات على ‏زيارة باسيل. ودخلت قوة كبيرة من الجيش إلى بلدة كفرمتّى محاولة فتح الطرق وحصلت احتكاكات بينها وبين ‏المحتجين واوقفت عدداً منهم.

اجتماع "الاعلى للدفاع": ونُقل عن مصادر مطلعة قولها "ان ونتيجة ما تلمّسه رئيس الجمهورية من مخاطر تهدّد أمن الدولة، دعا مساء ‏امس المجلس الاعلى للدفاع الى اجتماع طارئ عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في بعبدا، للبحث في ما ستكون قد ‏آلت اليه الإتصالات والتحقيقات التي بوشرت على مختلف المستويات الأمنية والقضائية والسياسية والحزبية، وعلى ‏وقع سلسلة التدابير الإستثنائية التي نفذتها وحدات الجيش وقوى الأمن الداخلي في منطقة الشحار وبقية المناطق التي ‏انعكست عليها احداث كفرمتى وبعض قرى عاليه والشحار الغربي، وصولاً الى خلدة، حيث قطع اهالي قتلى كفرمتى ‏الطريق الساحلية امام اللبنانيين في الاتجاهين لساعات عدة، فيما شهدت محلة عين المريسة في بيروت تحرّكات شعبية ‏لمناصري الحزب "الإشتراكي".

"ليحلّ باسيل عن ضهرنا": وقال الوزير السابق مروان حمادة "ان وزير الخارجية يتنقل من منطقة الى اخرى عوض ان ‏يقوم بدوره كوزير خارجية، وينقل معه الفتنة من بشري الى عكار وعاليه وزغرتا والكحالة، الى أن فلتت الامور في ‏آخر المطاف". وأضاف: "ركب باسيل عَ ضهرنا وعَ ضهر لبنان وخلّيه يحلّ عن ضهرنا وأنا احمّله المسؤولية الكاملة ‏لسقوط كل نقطة دم هدرت في أرض الجبل ونشكر الله ان بعلبك وبشري وزغرتا "زمطت" من سقوط الدماء ‏والضحايا".

وحذّر حمادة قائلاً "اذا استمر باسيل على هذا النهج والمنوال من تحدّي الناس في كل منطقة يزورها استفزازاً من ‏غير ان يأتي أحد "صوبه"، خصوصاً أنه لم يترك احداً لم يستفزه من مواطنين وانصار ومذاهب ورجال دين ‏وسياسيين، ومتنقلاً من منطقة الى أخرى، من الطبيعي أن تكون "آخرتها" أحداث مماثلة". وأضاف: "وبصفته وزير ‏خارجية المطلوب منه أن يكتفي بالزيارات الخارجية وليس الزيارات الفتنوية الداخلية…والأولى له "يحلّ عن ضهرنا ‏‏" ويقوم بدوره كوزير خارجية".

عاليه والشوف ليسا مغلقين: وقال وزير شؤون المهجرين غسان عطالله "ان ما حصل "شديد الخطورة"، لافتاً الى انّه "كان يوجد ‏في الجبل أربعة وزراء وعدد من النواب، وكل واحد منا كان في استطاعته ان يفتح الطريق بقوة القانون والشرعية، ‏لكننا تجنبنا استدراجنا الى كمين الفتنة". واعتبر "أن اطلاق النار على موكب الوزير صالح الغريب كان متعمداً ‏ومفتعلاً من عناصر ميليشياوية بتحريض مكشوف"، مشيراً إلى انّه "لا يجوز ان تمرّ محاولة اغتيال وزير في ‏الحكومة مرور الكرام". ودعا الى محاسبة الوزير اكرم شهيب، منتقداً بشدة قول الأخير "إنّ للجبل ابواباً بجب الدخول ‏منها إليه". وقال: "عاليه والشوف ليسا مغلقين امام أحد ولا نقبل أن نأخذ اذناً من احد للدخول اليهما". وشدّد على "ان ‏الاقطاعيات المناطقية والسياسية سقطت، ولم يعد لها من مكان في مرحلة بناء الدولة والمؤسسات".

واعلن عطالله مساء، انه "لن يكون هناك دفن للشهيدين اللذين سقطا في حادثة قبرشمون قبل محاسبة المعتدين"، مؤكّداً ‏أنّ "من ارتكب الجريمة ليس شخصاً واحداً بل هو طرف يريد إبقاء الجبل "كانتوناً" خاصاً به".

اتصالات لتهدئة الاجواء: وقال المفوض الاعلامي في "الحزب التقدمي الاشتراكي" رامي الريس "ان الخطاب الاستفزازي هو ‏الذي أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم، فيما حرص رئيس الحزب وليد جنبلاط في الفترة الماضية على رأب الصدع ‏وتهدئة الاجواء، وحاول منع وصول الامور الى الفتنة". وأضاف "أن ليس هناك من صدام للحزب الاشتراكي مع ‏الجيش اللبناني، ودعمنا معروف للمؤسسة العسكرية ودورها، وإننا نجري كافة الاتصالات اللازمة لتهدئة الاجواء".

لقاءات: والى معالجة ذيول ما حصل في الجبل، يُنتظر ان تُعالج هذا الاسبوع التوترات السائدة بين بعض القيادات والقوى ‏السياسية. وفي هذا الاطار، يُنتظر ان يطلب رئيس حزب "القوات اللبنانية سمير جعجع موعداً لزيارة رئيس ‏الجمهورية، فيما يُتوقع حصول لقاء مصالحة بين الحريري وجنبلاط بمسعى من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ‏ورعايته.‎‎

وعلى رغم المناخ الايجابي الذي سيسود كنتيجة لهذين اللقاءين، الّا انّ عمق الامور لا يشي بهذا التفاؤل. فالتلاقي ‏هنا لن يعني تفاهماً حول كامل سلة التعيينات، أقله كما تبدو الصورة حتى الساعة. فثمة مشاكل كبرى، لا تتعلق فقط ‏بالتنازع الحاصل حول بعض المواقع الاساسية، بل انها تصل الى أبعد من ذلك، الى رسم توازنات داخلية جديدة ‏تحاكي ولو من بعيد استحقاقات منتظرة وفي طليعتها استحقاق رئاسة الجمهورية.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o