Jan 22, 2019 4:24 PM
خاص

مي منسى... عندما تتأنسن العذوبة والرقة و.. الأحساس المرهف

المركزية- إذا كان لا بد من تجسيد الرقة والمعرفة والعذوبة والأناقة في إنسان، فهو بما لا يرقى إليه شك مي منسى. الأديبة.. الشاعرة.. الصحافية، الناقدة الفنية..... الاعلامية... المرأة... الأم... تعددت الصفات ومي منسى واحدة لا تتغير: لم تبدّل الشهرة والنتاج والصحافي والأدبي الغزير والمتعدد اللغات في هذه السيدة الاستثنائية وعذوبتها شيئا. بقيت على تواضعها وقربها من الناس وزملاء المهنة ورفاق الدرب. غير أن الأهم يكمن بالتأكيد في تمسكها بشغف مهنة آمنت بها حتى الرمق الأخير، في زمن باتت فيه الصحافة الورقية فريسة الهجمة الالكترونية، فيما المساحات الثقافية تضيق. غير أن رقي مي منسى بقلمها الساحر وأسلوبها الأخاذ عرفت كيف تملأ الفضاء الثقافي والفني والأدبي بكثير من المقالات والكتب، التي كبر عليها جيل، وستشكل إرثا نادرا تركته "الفراشة" كما يلقبها أصدقاؤها ومحبوها لجيل جديد قد لا يكون قد تسنى له الغوص في عالم مي منسى وأدبها. لكنه لم يغب عن بالها يوما، بدليل أنها نقلت إليه خبرتها وتجاربها، بحلوها ومرها، في كتاب باللغة الفرنسية وجهته إلى حفيدتها سارة، تحت عنوان Dans le jardin de Sarah  الصادر عن "دار النهار" للنشر عام 2006 .

مي منسى التي صارت في الذاكرة اللبنانية مرادفا حيا للأدب والشعر والفن، أبت أن تمر في هذا العالم من دون أن تترك بصمات لا يمحوها القدر الغادر على غفلة رحيل مباغت. فكانت الأديبة والشاعرة والصحافية والاعلامية المميزة. كيف لا وهي الوجه النسائي الأول الذي أطل على مشاهدي تلفزيون لبنان عام 1959، حيث أعدت وقدمت برنامجي "نساء اليوم" و"حرف في  طريق الزوال". وكما على المستوى المهني، ابتسم القدر في أروقة تلفزيون لبنان، لمي عبد الساتر، فاقترنت بالزميل كميل منسى، في تجربة لم تتكلل بالنجاح، لكنها أثمرت صبيا أسمته وليد، وأعطت مي عبد الساتر الاسم الذي سيبقى محفورا أبدا في حنايا الذاكرة الجماعية اللبنانية. اسم لم تبخل به الصحافية الرقيقة والأديبة ذات الإحساس المرهف على صحيفة "النهار" التي انضمت إليها منذ العام 1969، واستمرت  تزين أعمدة صفحتها الثقافية بأناملها ومقالاتها المميزة حتى أيامها الأخيرة، رافضة الخضوع لمتطلبات جسد أنهكته مصائب الحياة ورزاياها، من فرط تصميم صاحبته على المواجهة والتشبث بالحياة واقتناص فرصها والاستمتاع بها. فبدلا من أخذ قسط من الراحة المستحقة، فضلت مي الانكباب على ملء مكتباتنا بالروايات والقصص، فولدت "أوراق من دفتر شجرة رمان"، و"أوراق من دفاتر سجين"،  وقد تناثرت عند "تماثيل مصدعة"، قبل أن تنتعل مي منسى "الغبار وتمشي" في رحلة قادتها إلى الرواية الأخيرة "قتلتُ أمي لأحيا". ذلك أن غيبوبة مباغتة حرمتها إكمال رواية "غربة" التي كانت لا تزال في طور الكتابة.

لا شك في أن الراحة الأبدية التي تنعم بها اليوم مي منسى مستحقة بعد عمر طويل أبدى القدر إلا أن يطبعه ببعض المحطات القاسية، وإن كان قد فشل في محو ابتسامة مي عن ثغرها. لكن الأكيد أيضا أن لبنان الذي لم يكرم هذه الصحافية القديرة والأديبة الكبيرة في حياتها، شأنها في ذلك شأن معظم المبدعين في بلد الأرز، بات اليوم محظوظا بملاك حارس... كان فراشة مرت كالنسيم العليل في هذا العالم الفاني...

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o