Nov 21, 2018 6:58 AM
مقالات

باسيل ينسحب!

يسود الانطباع لدى الوسط السياسي بأن إخراج الحكومة الجديدة من عنق الزجاجة سيطول كثيراً، في ظل بقاء "حزب الله"على موقفه الرافض تسليم الرئيس المكلف تأليفها سعد الحريري، اسماء وزرائه الشيعة الثلاثة، إذا لم تتضمن مراسيمها وزيراً من النواب السنّة الستة الحلفاء له.

وبالإضافة إلى ان رئيس البرلمان نبيه بري لم يسلّم بدوره اسماء وزرائه الشيعة الثلاثة، ما يحول دون اكتمال عقد الحصة الشيعية من التشكيلة الوزارية، وبالتالي يحول دون إصدار مراسيم ولادتها، فإن الجهود التي قام بها رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل خلال الأسبوع الماضي واول من امس بتكليف من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، انتهت إلى انسحاب الأخير من مساعي التوصل إلى مخارج عبر اقتراح يرمي المشكلة عند الحريري عبر سحب فكرة مبادلة وزير سنّي بآخر مسيحي بينه وبين الحريري، بحيث يعود تمثيل الأخير بستة وزراء سنّة بدل 5 سنّة وواحد مسيحي. وجاء "انسحاب" باسيل من فكرة ان يسمي عون وزيراً سنّياً وسطيا من حصته بحكم المبادلة بينه وبين الحريري، كمخرج من الأزمة، بعد ان اصر النواب السنّة الستة ومعهم "حزب الله" على ان يتمثلوا بواحد منهم وليس بشخصية اخرى مستقلة.

ومع ان اوساط نواب "المستقبل" لم تكن مرتاحة إلى ما اعتبرته "رمي المشكلة" على الرئيس المكلف، فإن بعض هذه الأوساط كان يتوقع انسحاب باسيل من مهمة إيجاد مخرج وسطي بين تمثيل النواب السنّة الستة بناء لإصرار "حزب الله"، وبين رفض الحريري ذلك لمعارضته اختراق ساحته من الحزب، في وقت ينتمي معظم هؤلاء النواب الى كتل نيابية حليفة للحزب، ستتمثل في الحكومة. وافادت "الحياة" ان مداولات اجتماع كتلة "المستقبل" اول من امس تناولت توجه باسيل إلى الانسحاب من مسؤولية رئيس الجمهورية عن إيجاد مخرج ما وترك الحريري يتحمّلها وحده في مواجهة النواب السنّة المعارضين له.

تباين مع "حزب الله" ام مسايرة؟

ومع ان بعض الأوساط المقربة من "المستقبل" يعتقد ان انسحاب باسيل من مساعي الحلول بهذا الشكل هو تعبير عن التباين الذي ظهر اخيراً بين الرئيس عون وبين "حزب الله" بعد انتقاده موقف الحزب من تمثيل السنّة الستة، خصوصا ان باسيل كان اقترح تسمية وزير وسطي من قبل عون، لكن "حزب الله" اصرّ على تسميته من بين النواب الستة الحلفاء، فإن اوساطا اخرى لم تستبعد ان يكون موقف باسيل مسايرة للحزب عبر تحويل الأزمة من مشكلة سياسية مع الحزب بسبب تعطيله تأليف الحكومة، إلى مشكلة سنّية- سنّية. وهو الأمر الذي يريده الحزب ويرفضه الحريري وفريقه، خصوصا ان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان كان واضحا في قوله اول من امس لمناسبة رسالته في عيد المولد النبوي الشريف ان العقدة ليست سنّية بل هي عقدة سياسية. وتسأل المصادر المقربة من "المستقبل" "إذا ارادوا تكريس معادلة ان المشكلة سنّية، فلماذا اقحم "حزب الله" نفسه فيها"؟

وذكرت مصادر في كتلة "المستقبل" ان ما خلصت إليه حركة باسيل لا تُغيّر شيئا في موقف الحريري الذي يركّز على ان المشكلة مع "حزب الله" وان "حكومته جاهزة وينتظر ان يسلّمه الحزب اسماء وزرائه لإصدارها. وعكس بيان كتلة "المستقبل" اول من امس هذا الموقف حين اكد "ان الرئيس المكلف استنفد كل المساعي والجهود لوضع التأليف موضع التطبيق، وان المواقف التي عبّر عنها في مؤتمره الصحافي وفي لقاءاته الاقتصادية والسياسية الأخيرة، كافية لوضع الامور في نطاقها الصحيح، والرد على كل المقولات والحملات التي ترمي الى تحميله مسؤولية تأخير الحكومة".

ولفتت الكتلة الى "ان التشكيلة الحكومية جاهزة بإرادة ومشاركة معظم القوى السياسية، باستثناء الجهة التي ما زالت تتخلف عن الانضمام الى ركب المشاركة، وتصرّ على فرض شروطها بتمثيل مجموعة النواب الستّة".

ورأت مصادر مواكبة لجهود ولادة الحكومة "ان ما يطرحه باسيل مشروع مشكلة وليس مشروع حل وليست هذه معايير تشكيل الحكومة". وقالت لـ"الحياة" "صحيح ان اقتراح باسيل الانسحاب من المبادلة يضع الرئيس عون في موقع محايد، او يخرجه من التزاماته، لكن هذا لا يحل المشكلة التي هي عند "حزب الله". ويجب التنبه إلى مسألة مهمة ان حصر تمثيل الحريري بستة وزراء سنّة يعني إعادته إلى المربع السنّي في وقت هذا امر سيئ يخالف الدستور والأعراف في تأليف الحكومات منذ عقود. والهدف من حصر رئيسي الجمهورية والحكومة بالمسيحيين وبالسنّة تبرير حصر تمثيل الطوائف الأخرى بجهة واحدة لتحويل الطوائف إلى إقطاعيات، وإلا لماذا الاستشارات النيابية التي يجريها الرئيس المكلف لتسمية وزراء من سائر الطوائف؟ فكل رؤساء الجمهورية والحكومات السابقين كانوا يدلون برأيهم في التمثيل الوزاري في كل الطوائف ولهم وزراء من غير طائفهم. ولا سابقة تحصر دورهم بطوائفهم على الإطلاق وهذا عودة إلى الوراء في تركيب السلطة، فهما معنيان بالتمثيل المسيحي والسنّي والشيعي وكل الطوائف".

باسيل ابلغ الحريري سحب المبادلة

وتنتهي المصادر إياها المطلعة على موقف الحريري إلى القول "انه ليس محرجا في شأن ما قاله باسيل، تعليقا على قول احد النواب السنّة الستة لـ"الحياة" ان باسيل ابلغهم عند لقائه بهم اول من امس انه اطلع الحريري على اقتراحه التراجع عن صيغة المقايضة بينه وبين الرئيس عون بحيث يصبح التمثيل السنّي كاملا من مسؤوليته. واشارت المصادر المطلعة على موقف الرئيس المكلف إلى انه "سواء كان اقترح باسيل ذلك على الحريري ام لا، فإن النتيجة انه يرفض هذا الاقتراح، خصوصا ان الحزب كان رفض تمثيل السنّة المستقلين عن "المستقبل" بشخصية مستقلة من خارج النواب الستة، ومن حصة الرئيس عون، واوصل الأمور إلى جدار مسدود".

لكن احد النواب الستة (اللقاء التشاوري) قال لـ"الحياة" "ان باسيل لم يعرض رسميا عليهم تمثيلهم عبر سنّي وسطي من خارج تكتلهم". واوضح النائب نفسه "ان باسيل حين ابلغنا سحب مبدأ المبادلة بين سنّي من حصة عون ومسيحي من حصة الحريري قال لنا في لقائه معنا ان علينا إيجاد حل لمسألة تمثيلهم مع الحريري، فرفع المسؤولية عن الرئاسة ورماها عند الرئيس المكلف، في وقت هما معنيان بتأليف الحكومة في نهاية المطاف".

واوضح النائب نفسه "ان النواب الستة يتّجهون إلى طلب موعد للقاء الحريري في اليومين المقبلين، وسط غموض حول ما إذا كان الحريري سيلتقيهم، خصوصا ان هناك توجها لديه لرفض مناورة "حزب الله" تحويل المشكلة إلى سنّية-سنّية، لاعتقاده انها سياسية ابعد من تمثيل النواب الستة كما قال في مؤتمره الصحافي الثلثاء الماضي.

وفي انتظار ما يمكن ان يصدر عن الرئيس عون في كلمته مساءً إلى اللبنانيين عشية الذكرى الـ75 للاستقلال حول الشأن الحكومي، فإن الأوساط المتابعة لجهود الحريري تعتقد ان تشكيل حكومة بشروط "حزب الله" يعني القبول بسياسته الهادفة إلى تكريس مبدأ "الأمر لي" وهذا لن يقبل به الحريري، لأن البلد سيدفع ثمن ذلك في النهاية بفعل الارتدادات الخارجية لقيام تركيبة يُهيمن عليها الحزب. وختمت المصادر قائلة "اغلب الظن ان الحزب لا يريد قيام حكومة في هذا الخضم الإقليمي من العقوبات عليه وعلى إيران وإزاء احتمالات تصاعد الضغوط عليه، في وقت اي حكومة بشروطه لن تكون مريحة لا لعون ولا للحريري".

وليد شقير-الحياة

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o