Nov 17, 2018 7:51 AM
مقالات

الاقتصاد المنهار والعقوبات: لبنان يدفن رأسه في الرمل

كتبت هيام القصيفي في الاخبار:

(...) مع تفاعل العقوبات، والكلام الأميركي عن مسار طويل فيها، كما قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين بوضوح عن إضافة أسماء تدريجاً إلى اللائحة الأصلية في المستقبل، من دون أي سقف زمني، فإن لبنان، وعلى رغم إجراءات وزارة المال والمصارف، لن يكون بمنأى عن ضغوط متشعبة. وهو أيضاً لن يكون على موعد ثابت مع رزمة قرارات واضحة معروفة الشكل والأهداف، بل على تدرج في إصدار تحذيرات حول احتمالات ربط مصارفه بإيران وحزب الله ومؤسساته وشخصيات فيه، كذلك الأمر عن خطوات تصعيدية تتلاءم مع متطلبات المرحلة أميركياً واتجاهات الإدارة فيها. وقد بات الكلام يتوسع تارة عن خفض مساعدات الجيش وتارة عن تقييد حركة المصارف ومراقبة أعمال شركات قد تكون طرفاً ثالثاً تتعامل مع لبنان وإيران على السواء. لذا بات السؤال الأكثر تداولاً في الوسط السياسي ما الأفضل للبنان أن يواجه عاصفة العقوبات الأميركية في ظل حكومة أو من دونها. والجواب الأكثر تداولاً أيضاً، أن أي حكومة مهما كانت بنيتها قوية وعناصر الاشتباك الداخلي معدومة فيها، لا يمكن أن تتحمل هزات وضغوطاً أميركية عليها، نتيجة هذه العقوبات. فكيف بحكومة تضم كافة التناقضات السياسية والخصوم والحلفاء على طاولة واحدة. لذا فإن أهون الشرور يكون بمعالجة الملفات بالمفرق، فيترك لكل جهة معنية بأي من التفاصيل التي يتطلبها تنفيذ القرارات الأميركية، أن تجد الحلول لترتيب أوضاعها، من دون غطاء جهة رسمية عليا تظلل هذه المعالجة أو تعترض عليها.

وفي حين توجهت الأنظار في الأيام الأخيرة نحو العراق، كإحدى الدول الأكثر تضرراً بفعل العقوبات، وتفاقم الاهتمام الدولي به عبر تحذيرات أممية بضرورة تحييده وعدم زيادة مشكلاته بفعل العقوبات، فإن العراق سبق أن خرج من أزمته وتمكن من تشكيل حكومته لمواكبة أزمات المنطقة وترتيب أوضاعه الداخلية بأفضل تسويات ممكنة. وهو بدأ يستثمر في خطوات تساهم في استثنائه من العقوبات من أجل تخفيف الضغط عليه وحجم الخسائر التي سيعانيها بفعلها. إلا أن لبنان ذهب في الاتجاه المعاكس، وهو يدفن رأسه في الرمل خشية العاصفة الدولية والداخلية: لم ينجح في تشكيل حكومة، بل فاقم مشكلاتها التي تعترض تشكيلها، ويتغاضى مسؤولوه يومياً عن معالجة حقيقية للوضع الاقتصادي بعيداً من مهاترات الكهرباء، وتقاسم الحصص كما حصل في مجلس النواب، فيما حكومة تصريف الأعمال تتصرف وكأنها حكومة أصيلة، في توزيع المغانم واستقبالات الموفدين الدوليين وتنظيم الاحتفالات. أما مشكلته الأكبر فهي تراجع الاهتمام الدولي بما يتعرض له حالياً، قياساً إلى العراق مثلاً. فالمجتمع الدولي لم يعد يتعامل مع لبنان كأولوية، وجل ما يحصل لا يتعدى رسائل الدعم الأوروبي أو التحذير الأميركي من مغبة السماح لحزب الله بالتوسع داخل السلطة التنفيذية. ما عدا ذلك، متروك للبنانيين تقرير مصيرهم، فإما أن يفهموا الرسائل التي توجه إليهم أو يدبروا شؤونهم بأنفسهم.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o