Jul 20, 2018 9:10 AM
اقتصاد

الراعي في "الاقتصادي الاجتماعي": الحكومة ليست مجلساً مصغّرا
عربيــد: لتحويل الطوائـف إلــى محركـــات للإصــلاح ‏

المركزية- اسف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي  لـ"لممارسات السياسية عندنا التي تتوقف عند المصالح الخاصة ويكفي ان نرى المماطلة الحاصلة في تأليف الحكومة"، معتبراً "ان تأليف الحكومة من ممثلي الكتل النيابية لا يعني تكوين سلطة اجرائية بل يعني تكوين مجلس نيابي مصغّر ما يناقض فصل السلطات"، وسائلاً "اين المجتمع المدني ولماذا لا يتم اشراكه في الحكومة اهكذا تستعد حكومتنا لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة للحصول على مساعدات "سيدر"؟

حلّ الراعي ضيفاً على الهيئة العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، يرافقه راعي ابرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر، النائب البطريركي العام المطران رفيق الورشا، واستقبله رئيس المجلس شارل عربيد ونائب الرئيس سعد الدين حميدي صقر، المدير العام محمد سيف الدين اضافة الى محافظ بيروت القاضي زياد شبيب.

وبعد ان سجّل الراعي كلمة في سجل الشرف لكبار الشخصيات التي تزور المجلس، القى كلمة امام الهيئة العامة، قال فيها "يسعدني ان اقوم بزيارة المجلس الإقتصادي والإجتماعي، شاكرا رئيسه شارل عربيد على الدعوة الكريمة وعلى كلمته الترحيبية اللطيفة. فأحييكم جميعا تحية محبة وتقدير، وأنتم تلتقون في هذا المجلس للتفكير والحوار من أجل تكوين رؤية واضحة ووضع سياسة إقتصادية بناءة، وتعملون بهدف إبداء الرأي والمشورة في شأن الملفات الإقتصادية والإجتماعية. هذه هي الغاية من إنشاء هذا المجلس. فينبغي والحالة هذه أن تتعاون الحكومة معه بإرسال الطلبات لإبداء الرأي والإستشارة والإستماع إليه في المواضيع ذات الطابع الإقتصادي والإجتماعي. ومعلوم أن الشأن البيئي مرتبط إلى حد بعيد بالقطاعين الإقتصادي والإجتماعي. فلا بد من إدراجه في نشاط هذا المجلس".

اضاف "نعرف، من تجارب الدول، أن الدولة القوية هي القوية بإقتصادها وبعملتها المستقرة، ونموها وتنميتها، وبفرص العمل والتقدم التكنولوجي وتنوع الإنتاج والقدرة على المنافسة، ونعرف أيضا أن لغة السياسة في عالم اليوم هي لغة الإقتصاد والمنافسة والتبادل التجاري والمشاركة في الرساميل وفي الإنتاج وفي البيع. فكلما يجتمع رؤساء الدول، يمثل الإقتصاد أولوية في محادثاتهم ومن ثم التسلح وفض النزاعات في العالم، ونعرف أن الإقتصاد القوي، يساهم في بنيانه القطاعان الرسمي والخاص: فبينما يضع الرسمي القوانين والأنظمة الحاضنة والراعية والمحفزة للعمل والإنتاج والتصدير، ينكب الخاص على بناء المزارع والمصانع والفنادق والخدمات على أنواعها، فيزدهر الإقتصاد وينعم الناس بالرخاء وبراحة البال، ويثقون بغدهم ويتمسكون بأرضهم".

وتابع "كم يؤسفنا أن تكون ممارسة السياسة عندنا بعيدة كل البعد عن هذه المفاهيم وهذه المساعي، ولا يهم اقطابها والنافذون سوى تأمين حصصهم ومصالحهم على حساب المصلحة العامة. يكفي أن نرى، بكل أسف، كيف يماطلون ويماطلون في تأليف الحكومة الجديدة، ولا تعنيهم معاناة الشعب إقتصاديا وإجتماعيا ومعيشيا. إن تأليف الحكومة من ممثلي الكتل النيابية فقط لا يعني تكوين سلطة إجرائية، بل تكوين مجلس نيابي مصغر، الأمر الذي يناقض فصل السلطات. ذلك أن لبنان فيديرالية شخصية لا جغرافية، وبالتالي لا يوجد فيه إدارات محلية، كاللامركزية الإدارية الموسعة، كما ينبه أنطوان مسرة عضو المجلس الدستوري - راجع "النهار" الخميس 12 تموز 2018. أين هو المجتمع المدني الذي يشكل أكثر من نصف الشعب اللبناني، ويحرم مشاركته في الحكومة؟ أهكذا تستعد الدولة لإجراء الإصلاحات التي طلبها مؤتمر باريس "CEDRE" المنعقد في 6 نيسان الماضي أي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، شرطا للحصول على المساعدات المالية الموعودة بمبلغ 11 مليار ونصف مليار دولار أميركي"؟

وقال "نسمع يوميا، ومن حولنا، ومن زائرينا عن حال إقتصادية ومالية صعبة يمر بها القطاعان الرسمي والخاص في لبنان. فالرسمي يعاني عجزا وتعثرا ماليين؛ والخاص يعاني أزمة سيولة وتصريفا لنتاجه بعد إقفال العديد من الشركات. نحن ندرك تماما مصاعب المنطقة وتأثيراتها، حروبها ونزاعاتها ونزوح شعبها وتداعياتها علينا، ولكن لبنان ذو الخمسة ملايين نسمة يمتلك موارد أساسية مهمة للغاية هي: المورد الطبيعي من أجمل وأغنى الموارد في محيطنا، والمورد البشري من أغنى الموارد في المنطقة، والمورد المالي من أعلى الموارد بالنسبة الى عدد السكان بين دول العالم. لكن كيف يمكن أن نرضى عن سوء إدارة مواردنا الوطنية هذه؟ فلا يمكن أن نرضى بعدم المحافظة على جمال طبيعتنا ونقاوة بيئتنا، وبالتالي بإهمال ما يعزز السياحة، ويحمي الصحة العامة! ولا نرضى بإهمال مواردنا الشابة المتعلمة والمتخصصة من أجل بناء دولتنا. وهل استفدنا بما فيه الكفاية من موردنا المالي الضخم والمتمثل بودائع المصارف في لبنان وهي ثمرة جهود اللبنانيين في الداخل والخارج عبر سنين طويلة. فإنا أسوة بدول العالم التي تسعى بكل زخم واندفاع الى الإفادة القصوى من مواردها الوطنية المتاحة من أجل بناء إقتصاداتها ومجتمعاتها، وتأمين مستقبل أفضل لأجيالها، نطالب بالسعي مع القطاع الرسمي إلى عدم التفريط بهذه الموارد وتوظيفها في سبيل تقدم لبنان وازدهاره".

اضاف "بإهمال تثمير كل هذه الموارد من السلطة السياسية، انتفت الطبقة المتوسطة عندنا، وأصبح ثلث الشعب اللبناني تحت مستوى الفقر، و 30% من قوانا الحية عاطلة عن العمل، ولا ننسى أن السبب الأكبر لهذا الجمود ولهذه الحالة هو تفشي الفساد في الوزارات والإدارات العامة، وهدر المال العام، وحشر الموظفين من دون حاجة وكفاية، بغية الافادة فقط من مال الدولة. ونعرف أن الإصلاحات الإقتصادية التي تقودها دول العالم من أجل عدالة إجتماعية وفاعلية أفضل، هي ضريبية واجتماعية وصحية وتربوية وإنتاجية وبيئية. وتشدد تلك الدول على البحث العلمي وبخاصة التطبيقي، من أجل تطوير إنتاجها وإعطائه قدرة أعلى على المنافسة في الأسواق العالمية. ومن بين تلك الإصلاحات، إشراك القطاع الخاص في مسألة تحديث إدارة الخدمات العامة والبنى التحتية لحساب الدولة، مع احتفاظ هذه بالملكية وبحق المراقبة. فتكثر عندئذ الإستثمارات وفرص العمل وينشط الإقتصاد ويخف العجز المالي في الموازنات العامة وتتقوى الدولة. كما أن اللامركزية الإدارية والمالية قد اعتمدت في الكثير من الدول من أجل الإنماء المتوازن ومحاولة التهرب الضريبي. ولسنا ندري لماذا لا تطبق عندنا!"

وختم الراعي "إن مجلسكم الكريم هو المكان الأنسب لمناقشة كل هذه المسائل وغيرها، ولتقديم النصح للعاملين في القطاعين الرسمي والخاص في بعديه: البعد الإقتصادي الذي يحتاج الى تحفيز قطاعاته الإنتاجية، ولا سيما منها تطوير الصناعة ورعايتها ودعم الزراعة، مع الإهتمام بتأمين الأسواق لتصريف الإنتاج، والبعد الإجتماعي الذي يحتاج الى وضع ميثاق إجتماعي جديد، يقوم على تحديث القوانين في ما يختص بالتقاعد والحماية الإجتماعية، والعمل، وبشؤون السكن والإسكان والتربية والطبابة. أنتم تعرفون كل هذه الأمور ومصاعبها وتحدياتها وأخطارها. فلا بد من العمل على مواجهتها وتذليلها.رهاننا عليكم كبير وأملنا أن تساهموا بقوة في نهوض البلاد ماليا واقتصاديا واجتماعيا. وفقكم الله وقاد خطاكم نحو دروب الخير والصواب والإنجاز والنجاح".

عربيد: كذلك القى رئيس المجلس كلمة قال فيها "انه لصباح منير بين صباحاتنا، حين نستقبلكم اليوم بيننا في بيروت، قلب لبنان سيدة البحار، ومنارة المبحرين نحو آفاق المستقبل المبشر. ولبنان، هذه النجمة الأصيلة في قلب الشرق، التي صقلت ضوءها افكار غنية استمدها اللبنانيون من كل حضارة عرفوها، زارتهم ام زاروها، لا فرق طالما ان الفرادة تراكمٌ لمزايا التنوع الذي اتقنه لبنان منذ ان كان".

اضاف "لقد قام هذا الوطن على تضحيات ابنائه، كلهم، منتزعاً وجوده من فم التاريخ وغِيلانه التي ابتعلت دولاً وحضارات، ولم تتمكن يوماً من ابتلاعه، فالماس يا صاحب الغبطة جارحٌ لا يهضَم. وكم كان صعباً على اللبنانيين ان ينتزعوا من التاريخ وجودهم. فقد صنع لبنان فرادتَه، بل معجزتَه، مستلهماً من تاريخه، يوم حوّل السيد المسيح الماء إلى خمرٍ، فغيّر الأقدار، ومنها قدر ارضنا، حتى صارت ارضاً لكنوز التناغمِ الروحي، تلك التي صَنعت سِحرها مستخلصة عسل الحكمة من ازهار الأديان المتنوعة وحوّلته إلى واحة حوار وطمأنينة لمعتنقي الحرية في الاعتقاد، والباحثين عن نور الله في برية هذا العالم. حتى جاز ان يُقال عن الأحرار انهم "معتنقو لبنان". فهنا افضل نسخةٍ من الأديان التي تنسجم وتعيش.

وهذه البيئة السحرية التي تختبيء كسرٍّ خلف صور الزمن وهو يمر على سماء المنطقة، تتضمن في عمقها القيمة المميزة للبنان، وسر مناعته ضد موجات التطرف والتوحش، بل سر قيامته الدائمة".

وتابع "لقد سارت البطريركية جنب ساقية التاريخ، تنثر فيها عند كل منعطفٍ شيئاً من قِيَمِها، حتى تكاملت مع عُصارات القيم من الأديانِ الأخرى، فأنتجت واحةَ الطيب التي صارت لبنان. اما البطريركية اليوم، فهي ترعى لبنان، وتُرعى من سيدنا الراعي، هذا الرائي خلف الاختلافات، افق التسامح واللقاء مع الآخر، كما مع الذات. وكمصداقٍ لهذا الغنى الذي يختزنه لبنان، استنجد بدليلٍ حي على سماحة الرؤية الموحدة. حيث يقول الإمام المغيب السيد موسى الصدر"ان بقاء الأوطان وخلودهاليس انشودةً ولا حلماً ولا التزامات وطنية او دولية، بل هو الوحدة الحقيقية في الاتجاه، في المبدأ المتكون من الآلام والمنافع، وفي المنتهى المتجسد بالآمال والطموح".

ولفت عربيد الى "ان مجلسنا يسعى منذ اليوم الأول إلى خلق المساحة المناسبة لتلاقي الأفكار، حول الاقتصاد والمجتمع، مستعيناً على ذلك بخيرة الممثلين عن كل اطراف الإنتاج، يلتقون فيتحاورون، يختلفون ويتفقون، لكنهم دائماً يتعاونون من اجل مصلحة لبنان، وان أهم ما يقدمونه هنا لا يقتصر على الرأي الذي يبدونه، بل يتجاوز ذلك إلى تنضيج مناخ مناسب للتفكير الجماعي، المحكوم بمصلحة الدولة واقتصادها وشعبها"، مشيراً الى "ان مجلسنا الحالي يطلق اليوم حواراً اجتماعياً واقتصادياً، ضمن نسقٍ واحدٍ يمتد من شرعة العمل التي يفترض ان تنصف العامل وصاحب العمل، وتفتح الأفق لاستعادة شبابنا من اصقاع الأرض، بل لاستعادة ثقتهم. وهؤلاء اليوم يعانون من ازمةٍ تطال مستقبلهم وشعورهم بالأمان، وقدرتهم على امتلاك سقف يعيشون تحته، والمتمثلة بأزمة توقف قروض الإسكان، التي نعمل على المشاركة في إيجاد حلولٍ لها من منطلق ضرورات الأمن الاجتماعي. كما ان الواقع البيئي الذي يُكلّف اقتصادنا كثيراً من طاقته، مسألةٌ نشارك في العمل على دراسة وقعها، وانعكاساتها، وسبل معالجتها".

وقال "بموازاة ذلك، فإننا نسعى كل يوم إلى تحفيز دور المرأة وتمكينها من المشاركة والتأثير في الحياة العامة، وبدأنا بذلك من مجلسنا الذي يحتوي على تمثيل نسائيٍ نوعيٍ ومميز. لكن هذه الأزمات، تجتمع كلها ضمن ازمات مركّبة اكثر شمولاً، مثل انتشار الفقر والعوز، وتقلّص نوعية حياة المواطنين. وهي مسألةٌ تقودُنا إلى الحديث عن العدالة الاجتماعية القائمة على تكافؤ الفرص".

واوضح "ان التزامنا الحالي في المجلس، وفي ظل هذا العهد الذي يقف على رأسه الرئيس ميشال عون، يسرّع الخطى نحو ربط المبادئ الاقتصادية والاجتماعية بنوعية حياة الناس، والسعي إلى رفع معايير معيشتهم، وتحقيق النمو المستدام الذي يساعد في إنتاج العدالة الاجتماعية المنشودة. ونحن نسعى بصورةٍ حثيثةٍ إلى تظهير المحتوى الاجتماعي للنمو، ضمن رؤيةٍ تحافظ على قواعد اقتصادنا، لذلك لا بد من إعادة بناء الطبقة الوسطى التي تمثّل الوقود الدافع لأي تغيير، ومنها تنشأ التيارات الدافعة في اتجاه التقدم".

وشدد عربيد على "اننا نقف اليوم في ظل هذه الأوضاع الدقيقة، امام مجموعةٍ من الأزمات التي نؤمن انها قابلة للحل، لكننا امام تحدٍ يتمثل في تحويل الطوائف إلى محركات للإصلاح، تعمل بأقصى طاقتها لتدعم تأسيس دولةٍ حديثة، حتى لا تتحول الطوائف التي نرى فيها نعمة التنوع والغنى، إلى حصونٍ يحاول المرتكب التلطّي خلفها".

وختم "فلنعمل معاً على توجيه الرأي العام، وحثّه على رفض الفساد، والدفع باتجاه بناء الدولة، ورفد الإدارة بالكفاءات والنخب. هو حُلمٌ ممكنٌ يا صاحب الغبطة وسيتحقق.

وفي الختام، قدم عربيد درعاً تقديرية للراعي، قبل ان تختم الزيارة بحفل كوكتيل.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o