Jul 12, 2018 7:12 AM
مقالات

المحاكم تغرق في الظلام والمحامون يلجأون إلى الهواتف

 

تغرق قصور العدل في الظلام منذ اسابيع عدة، ما يضاف إلى ازمة انقطاع المياه عنها، وهو ما يعمّق معاناة القضاة والموظفين والمحامين والمتقاضين، وسط عجزٍ تام من الدولة، وتحديداً وزارة العدل، عن وضع حدّ لهذه المعاناة، التي اضطرت عددا من المحاكم إلى تعليق جلساتها مرّات عدّة، بفعل انعدام التكييف ووسائل التهوية، حتى المراوح بالحد الأدنى، مقابل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، وصعوبة قراءة الملفات وإجراء الاستجوابات.

"العدالة التي باتت تتوق إلى عدالة لإنصافها وإنقاذها"، على حدّ تعبير مصدر قضائي، باتت تهدد حياة الناس في قصور العدل، خصوصا عشرات الموقوفين الذين يقبعون في زنازين قصور العدل الواقعة تحت الأرض، وإصابة بعضهم بحالات اختناق، لانعدام التهوية وانقطاع الماء عن المغاسل ودورات المياه، وانبعاث الروائح الكريهة من اقبيتها، وهذه الحالة كانت ظاهرة جداً في قصر عدل بعبدا، الذي يفتقر اصلا لأدنى مقومات قصور العدل، ما اضطر عناصر الأمن الموكلين بحمايتهم، إلى إسعافهم بالوسائل البدائية.

وتتعالى الصرخات يوميا في اروقة المحاكم، بدءاً بالقضاة الذين يطلق عليهم تسمية "حرّاس العدالة"، والذين ضاقوا ذرعا باستمرار هذه الأزمة، وهو ما عبّر عنه بمرارة مصدر قضائي، حيث سأل "إذا كانت العدالة عاجزة عن إنصاف نفسها، كيف لها ان تنصف الناس"؟

واكد لـ"الشرق الأوسط" "ان الواقع القائم يقول ان العدالة في لبنان باتت تتوق إلى عدالة تنصفها وتمنحها حقها"، لافتا إلى "ان القاضي الذي يعاني الأمرّين في مكتبه وعلى قوس المحكمة وفي مرآب السيارات، كيف له ان يستجوب ويحاكم ويصدر احكامه"؟ ولفت إلى "ان المراحيض والمغاسل تعاني انقطاعا دائما للمياه، وانعداما للنظافة وخطر انتشار الأمراض".

وتكاد صرخة المحامين تكون اعلى، بحكم تحررهم من عبء الوظيفة التي تحكم على القاضي بالتزام الصمت، ولا سيما ان المحامين يشكون من تأخر محاكمات موكليهم، وباتوا يعتمدون على مصابيح هواتفهم الجوالة لتعقب الملفات ومراجعتها في اقلام المحاكم ودوائر التحقيق.

وتعتبر وزارة العدل المسؤولة إداريا وماليا ولوجستيا وتنظيميا عن قصور العدل، لكن مصدرا في الوزارة برّر لـ"الشرق الأوسط"، اسباب الأزمة بـ"إصابة شبكات الكهرباء الداخلية في قصري العدل في بيروت وبعبدا بأعطال كبيرة وحالة اهتراء، لأنها قديمة جداً، ولم تعد قادرة على تحمّل الضغط الهائل على التيار الكهربائي، بسبب زيادة عدد مكاتب القضاة والأقلام"، مشيراً إلى "ان فرق الصيانة التابعة لشركة كهرباء لبنان لم تفلح في إصلاح الأعطال، لأن الشبكة الداخلية تحتاج إلى تغيير كلّي، وهذا يتطلب وقتا طويلا وتكاليف مالية مرتفعة جداً"، واوضحت المصادر "ان الوزارة فتحت الباب امام مناقصات مع شركات متخصصة لتمديد شبكات جديدة وحلّ هذه المعضلة".

ويبدو أن هذا الحلّ لم يقنع القضاة، إذ حمّل المصدر القضائي الدولة، سواء وزارة العدل أو غيرها، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. وشدد على "ان الإدارة المسؤولة يفترض بها تدارك الخطر قبل وقوعه". وسأل "هل ننتظر اشهرا طويلة لاختيار متعهد جديد، ثم انتظار اشهر إضافية لتمديد الشبكة، وتبقى المعاناة قائمة"؟ لكن هذه المعضلة ترتّب على الدولة، خصوصا وزارة العدل، مسؤولية قانونية، بسبب تعريض حياة مواطنين للخطر، حيث ادى انقطاع الكهرباء عن قصر العدل في بيروت قبل يومين، لاحتجاز احد المحامين داخل المصعد وقتا طويلا، وكاد يصاب بالاختناق لولا الجهد الشخصي الذي بذلته عناصر قوى الأمن من مرافقي القضاة، وتمكنوا من إنقاذه. وإذا كان ترهّل قصري العدل في بيروت وبعبدا، سبباً لتبرير المشكلة، فلا مبرر لدى الوزارة لانقطاع الكهرباء في قصر العدل في طرابلس، وهو مبنى حديث أنشئ وفق مواصفات عالية.

والمفارقة أن قصر العدل في بيروت أُخضع على مدى السنوات الخمس الأخيرة، لعملية تدعيم وترميم، بسبب التصدعات التي اصابته، وخطر انهياره في حال وقوع هزّة أرضية كبيرة، لكن كلفة التدعيم التي بلغت 37 مليون دولار دُفعت من موازنة وزارة العدل، واقتصرت على تحصين المبنى بأعمدة إضافية، من دون إدخال تحسينات على هيكل المبنى، لا من الداخل ولا من الخارج، ولم يشمل الترميم شبكة الكهرباء والصرف الصحي والطلاء والبلاط والإنارة والمصاعد وفرش المكاتب وغيرها.

والمفارقة الأكثر غرابة ان خيار الترميم حلّ بسحر ساحر، ونسف قرار مجلس الوزراء، الذي تمكّن وزير العدل الأسبق إبراهيم نجار من انتزاعه، في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2010، والقاضي بإنشاء "المدينة القضائية" في بيروت، بكلفة 55 مليون دولار.

وتشمل "المدينة القضائية" مبنى جديدا لوزارة العدل، وقصر عدل جديدا، ومعهد الدروس القضائية، ومجلس شورى الدولة، والمركز العربي للبحوث القانونية، ونادي القضاة، ما يوفّر على الدولة مبالغ طائلة، بدل الإيجارات التي تدفعها سنويا لمبانٍ خاصة مستأجرة للمعهد القضائي ومجلس الشورى ومركز البحوث القانونية، وهو ما اثار شكوكا عمّا إذا كانت عقلية الصفقة تغلّبت على قرار الحكومة والمؤسسات.

وعزا مصدر وزاري لـ"الشرق الأوسط"، سقوط مشروع المدينة القضائية إلى "الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري في نهاية عام 2010، وتأليف حكومة جديدة الغت مشروع المبنى الحديث، واستبدلته بمشروع الترميم".

يوسف دياب-الشرق الاوسط

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o