Feb 01, 2023 2:47 PM
خاص

هل المستشفيات أمام خطر ظهور الطوابير؟

خاص - المركزية

برزت أزمة القطاع الاستشفائي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، ومنذ حينه تزداد معاناة المستشفيات يومياً، لا سيما بعد ارتفاع الكلفة التشغيلية لديها، مقابل انخفاض المداخيل بسبب تراجع قدرة المواطنين على دفع الفواتير بالدولار.

وسط هذا الواقع، ما الذي ينتظر القطاع الاستشفائي في سنة ٢٠٢٣، خصوصاً إذا بقي البلد يراوح في دوامة الأزمة الاقتصادية نفسها من دون حلول؟

المديرة العامّة لـ "مستشفى جبل لبنان" وعضو مجلس إدارة تجمّع رجال وسيّدات الأعمال اللبنانيين RDCL رولا غاريوس زهار، تشرح لـ "المركزية" أن "الفاتورة الاستشفائية ترتفع لأسباب عديدة، أبرزها: غلاء أسعار المحروقات عشرة أضعاف، احتساب أسعار المستلزمات الطبية بالدولار، ارتفاع أسعار الأدوية بعد رفع الدعم التدريجي، رفع أجور الموظفين لمواكبة التضخم. بالتالي، وسط الصعوبة وعدم اليقين، أو حتى تعذّر احتساب كلفتها التشغيليّة الحقيقية، ستجد المستشفيات نفسها مجبرة على تخفيض عدد الأسرّة لديها أو إقفال أبوابها كلياً، مع تجنب أي استثمار جديد في المعدات أو الأصول، ما يجعل الرعاية الصحية غير متاحة للبنانيين بسهولة وبالشكل اللازم. وبذلك، سيتراجع العرض مما يؤدّي إلى ارتفاع الكلفة، بالتزامن مع تراجع نوعية الخدمات. وفي نهاية المطاف، سنعاني من طوابير الانتظار أمام المراكز الصحيّة، مرفقة بمشاكل عجز خطيرة بالإضافة إلى المشاكل الخطيرة المتعلّقة بالجودة. هذا الواقع يهدّد جدّياً صحة المجتمع المحلي، وسيلحق الضرر بالدرجة الأولى بالفئات الهشّة والأكثر فقرا. إلا أنّه على المدى الطويل، ستطال تداعياته كل فئات المجتمع لأن الرعاية الصحية لن تعود متاحة لأي لبناني".

وتشير إلى أنّ "المستوى العالي من الاستثمار الخاص في القطاع الصحي، خلال العقدين الماضيين، سمح بتقديم خدمات ذات جودة عالية وساهم في جذب أطباء واختصاصيين كفوئين إلى لبنان. كذلك، لم يكن لدى المستشفيات من أوقات انتظار وكانت إمكانية الحصول على الخدمات الصحية مرتفعة. هذا الواقع شكل أرضيّة جيّدة لمحاربة جائحة كورونا، والتي تمت إدارتها بشكل جيّد نسبياً في لبنان. أما استمرار المشاكل الراهنة، فسيجعل المستشفيات عاجزة عن تسديد تكاليف الصيانة، ناهيك عن تجديد المعدّات. بالتالي، لن يعد بمقدورها الاحتفاظ بالطواقم الطبية الكفوءة لمعالجة المرضى".

وعما إذا كان للقطاع الاستشفائي اللبناني اليوم المقومات الكافية لتنشيط ما يعرف بـ "السياحة العلاجية" وجذب مرضى منطقة الشرق الأوسط، ما يساعد القطاع على ضمان استمراريته وسط الظروف الصعبة التي يمرّ فيها، تشير غاريوس إلى أنّ "السياحة العلاجية تلعب دوراً أساسياً في نموّ الاقتصاد اللّبناني، غير أنّها تبقى محدودة كونها محصورة بالاغتراب وبعدد من دول الشرق الأوسط (مثل العراق) لأن المنافسة الخليجيّة تزداد قوّة، حيث وظفت استثمارات ضخمة، سمحت لدول مجلس التعاون الخليجي بتوفير رعاية طبية عالية الجودة لسكانها، ما يجعلهم بغنى عن السفر لتلقي العلاج"، لافتةً إلى أنه "يمكن الاتجاه إلى الغرب وإبرام اتفاقيات مع الدول الأوروبيّة التي تعاني من شح في العرض. لكن، هكذا خطوة تتطلّب دعماً حكومياً وممارسة الضغط اللازم، إضافةً إلى الاستقرار السياسي لتصبح المبادرة أكثر جاذبية".

أما بالنسبة إلى مساعي التّجمع الذي يعمل على إعداد ملخّص وورقة سياسة كاملة تتضمن توصيات على المديين القصير والطويل فيما يتعلق بنظام الرّعاية الصّحيّة وشبكة الأمان الاجتماعي، فتكشف غاريوس أن "أحد أكبر تهديدات الأزمة الراهنة هي تداعياتها على النظام الصحي. إذ إن ذلك يؤثّر مباشرةً على صحّة المواطنين وقدرتهم على العمل والإنتاجيّة والتّطور، هذا إضافة إلى تأثير الأزمة الهائل على المناخ الاجتماعي. في السياق، عمل التجمّع على إعداد دراسة معمّقة، وأصدر ورقة تختصر أبرز التّحدّيات وتقترح حلولاً مبتكرة لدعم القطاع الصحي، الذي يعتبر بمثابة العامود الفقري لإنتاجية الأعمال والوئام الاجتماعي".

وتتابع: "في ظلّ التحديات التي تعترض نشاط القطاع، يجد المريض نفسه أمام العراقيل الآتية: ارتفاع تكاليف الاستشفاء، بما فيها كلفة الوقود والغذاء والإمدادات وغيرها؛ انعدام التغطية الصحية الكافية من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغياب المشاركة الحكومية لتغطية الكلفة؛ دفع المريض من جيبه مباشرةً ثمن الخدمات الاستشفائيّة والفحوصات الطّبيّة والأدوية؛ الشّح في الأدوية؛ خطر العلاج المتقطّع للأمراض المزمنة؛ كما ونقص الطواقم الطبية الكفوءة. ما سبق وعددناه من مشاكل، جاء نتيجة انهيار قيمة العملة الوطنيّة والوتيرة البطيئة لتغيير أسعار خدمات الرعاية الصحية، إضافةً إلى أقساط التأمين المتدنية والتي فشلت في التكيّف مع الوضع الحالي، بحيث أنّ تسعيرتها أقل بنسبة ٣٠٪ من قيمتها الفعليّة بالدولار. بالتالي، من البديهي أن الاستمرارية غير مضمونة، لأن المستشفيات تواجه ارتفاعاً في كلفة المحروقات، الأدوية، الإمدادات، الصيانة ورواتب الموظفين".

وتضيف: "بهدف التخفيف من هذا التأثير، سعت لجنة الصحة في التّجمّع إلى إشراك أعضاء قطاع التأمين في تحضير خطّة تغطية صحية واسعة Coverage Scheme، من أجل تأمين موظفي القطاع الخاص. إطار العمل هذا سيخلق خطة تمويل مستدامة، تتلاءم والحالة اللبنانيّة. واعتماد هذه الخطة، جنباً إلى جنب مع الرقمنة وجمع البيانات، سيساعد على تحسين فعاليّة النظام في حال تم تنفيذها مع الحوكمة السليمة. هذا التحسين الشامل للنظام، سيساعد على الاحتفاظ بالمواهب وتعزيز معايير الجودة العالية للاستشفاء".

أما أهداف المشروع فتعددها على الشكل الآتي: "ضمان حصول أكبر عدد ممكن من المواطنين على الرعاية الصحية الأساسيّة، بالطريقة الأفضل والعادلة، من دون أن يعانوا من مصاعب مادية؛ ضمان توافر الأدوية والحصول عليها في مختلف المناطق؛ طرح استراتيجية للاحتفاظ بالقوى العاملة وتفادي المزيد من الخسائر في الموارد البشريّة؛ دعم وتحديث البنية التحتيّة لنظام الرعاية الصحيّة بهدف ضمان استمرارية الجودة العالية".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o