Dec 08, 2022 1:51 PM
خاص

الترسيم التاريخي بين لبنان وإسرائيل دونه "إصلاحات".. وهنا بيت القصيد
بارودي: المصالح اللبنانية تفرض الحذر الشديد مع هذه الصناعة الجديدة

 

ميريام بلعة

المركزية- في تشرين الثاني الفائت سلّم الخبير الدولي في شؤون الطاقة رودي بارودي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي الدراسة الأولى من نوعها التي أعدّها حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والتي كان بارودي عرضها في ندوته الأخيرة في جامعة "سيدة اللويزة"  مستنداً فيها إلى خرائط حصرية للمنطقة البحرية المعنية ونقاط البداية والنهاية الدقيقة للحدود المتفَق عليها في البحر.

هذه الدراسة الغنيّة والفريدة في مضمونها وتوقيتها معطوفَين على الخرائط الحصريّة والمميّزة التي عزّز بها بارودي معلوماته، دخلت في كُنه حيثيات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل في أوجهها العديدة، جغرافياً وأمنياً واستراتيجياً واقتصادياً... حتى باتت الدراسة "المرجَع" دولياً وإقليمياً ومحلياً لكل دراسة مستقبلية في هذا الموضوع ولكل باحث عن تفاصيل دقيقة وذات صدقيّة عن الترسيم التاريخي بين بلدين عدوَّين.

بارودي المُلمّ في كيفية سَبر غَور شؤون الطاقة الدولية والإقليمية وإصابة الهدف في قراءاته وتحاليله الطاقويّة، يشرح لـ"المركزية" باقتضاب، مضمون دراسته الغني بالمعلومات والتحاليل والخرائط، ويقول: يمثل اتفاق الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل إنجازاً كبيراً ورائداً لجميع الأطراف المعنية وذلك لأسباب متعددة. صحيح ان كلا الطرفين قد تنازلا قليلاً ولكنهما كسبا الكثير، ليس فقط لأن كلاً منهما سيكون له الحرية في تطوير مورد طبيعي مهم له، بل لأن من خلال الاتفاق على ترسيم مقبول للطرفين للمناطق الاقتصادية الخالصة، سيقلل الجانبان من احتمال حدوث احتكاكات حربية جديدة بينهما قد تقوّض أمنهما.

ويلفت إلى أن "مكافآت إسرائيل من جراء هذا الاتفاق واضحة... إذ لديها حالياً صناعة غاز في البحر، من هنا فإن الحدود المستقرة تقلل من التهديدات للبنية التحتية البحرية الحالية، وتفتح الطريق أمام زيادة الإنتاج، وتعد بالصادرات المُربحة إلى أوروبا الغربية المتعطشة للطاقة.

أما فوائد الترسيم بالنسبة إلى لبنان، بحسب بارودي، "فهي ذات قيمة خاصة، فلبنان الذي يعاني منذ ما يقارب ثلاث سنوات من انهيار اقتصادي ومالي كبير يُشبه الانهيار المالي والاقتصادي الشامل الذي عرفته ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، يحتاج الى استقرار على حدوده. والاتفاق لا يقلل من خطر نشوب صراع لا يستطيع لبنان تحمّله فحسب، بل يعزز أيضًا آفاق صادرات الطاقة التي توفر تدفقًا جديدًا للإيرادات المالية يمكن أن تكون مفيدة في إنقاذ المالية العامة والعملة الوطنية، وإعادة الثقة الحيوية للقطاع الخاص".

ويُشير في السياق، إلى ان "لبنان حصل على كل هذه المكاسب من دون الاضطرار إلى الاعتراف بإسرائيل الذي يُعتبر خطاً أحمر لدى غالبية اللبنانيين ما لم يتوصل الإسرائيليون إلى اتفاق سلام عادل وشامل مع الفلسطينيين. وحتى يتوصلوا إليها وبما أن الاتفاقية تقدّم منافع جمّة لإسرائيل أيضًا، فمن المرجَّح أن تفكر الأخيرة مرتين قبل انتهاكها أو إلغائها".

ويُضيف: لعل الأهم من كل ذلك، أن استخراج احتياطات الغاز البحرية سيعزز بشكل كبير أمن الطاقة في لبنان، وهو اعتبار مهم لا بل حيوي في الوضع الحالي، إذ أدى انهيار العملة الوطنية الى عدم إمكانية استيراد الوقود الأحفوري الذي يدخل في عملية توليد الطاقة ما أدى إلى تضرّر خدمات الاتصالات كما القطاع الاستشفائي والافران وغيرهم من القطاعات الحيوية.

وإذ يرى أن "الاتفاق ليس مفاجأة بل هو حتمي للطرفين كونه يوفّر العديد من المزايا لكل منهما كي لا ينسحبا منه"، يقول بارودي: نظرًا إلى أن العلاقات الدولية لا تحكمها العقلانية دائمًا، فإن الفضل الكامل لإقناع الفريقين يعود إلى الولايات المتحدة الأميركية لأنها تحلت بالصبر والعزم من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق التاريخي. علماً بأن الاتفاق مفيد أيضًا لمصالح الولايات المتحدة لأنه يعطي أوراق اعتماد لواشنطن كقوة للاستقرار ما يمكنها من تحقيق إنجازات في منطقة الشرق الأوسط - في وقت يبدو أن بعض القوى الإقليمية تبحث فيه عن شركاء استراتيجيين جدد.

التحوّط للسيناريو المقبل..

وينبّه بارودي في سياق عرضه إلى أنه "على الرغم من جميع الإيجابيات المذكورة، فإن المصالح اللبنانية تفرض توخي الحذر الشديد مع هذه الصناعة الجديدة. من المؤكد أن ظهور البلد كمنتج ومصدّر للطاقة سيعزز إمكاناته الاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر، لكن الجدير ذكره انه حتى في أفضل السيناريوهات وبمجرّد تأكيد وجود النفط و/أو الغاز بكميات تجارية عن طريق الاستكشاف، سيستغرق الأمر بين عامين وثلاثة أعوام قبل أن يبدأ استخراجه. في غضون ذلك، سيتعيّن علينا تطوير مرافق الدعم اللازمة لاستلام المنتج (المنتجات) الجديدة وصقلها ومعالجتها وتوزيعها وربما تصديرها". ويعتبر أن "من المهم اتخاذ هذه الخطوات التقنية بشكل صحيح بناءً على أحدث أشكال الحماية البيئية، لما لذلك من تأثير على موازنة الدولة، لأن القيام بذلك لن يولد فقط فرص عمل وتوظيف كبيرة، ولكن أيضًا يزيد من الآثار الإيجابية لتعزيز أمن الطاقة و/أو عائدات التصدير. وكما هو معروف فإن الشعب اللبناني لديه معاناة طويلة مع الحرمان، وإذا كان لقطاعه الهيدروكربوني أن يخفف من آلامه، فلا بد من إنشائه على أسس سليمة".

ويخلص بارودي إلى اعتبار أن "هذه التحديات ستكون سهلة... الهندسة والبناء والمشتريات واضحة نسبيًا في هذه المرحلة، إذ تستخدم معظم مشاريع النفط والغاز البحرية الأساليب والآليات نفسها التي جُرِّبت واختُبِرت. بالنسبة إلى لبنان تحديداً، سيكون الجزء الأصعب هو تصميم وتأسيس وتنفيذ الإصلاحات القضائية والمالية والاقتصادية المطلوبة لحماية الثروة المتولدة عن الهيدروكربونات البحرية... الآفاق هنا ليست مشجعة، لأن سِجِل لبنان في تنفيذ وعوده الإصلاحية ليس جيدًا. فقد فشلت الحكومات المتعاقبة في إجراء إصلاحات بسيطة نسبيًا، حتى عندما كانت الحاجة إليها مُلحة...!

* * *

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o