Dec 07, 2022 7:01 AM
صحف

إستنفار كلامي بلا تموضعات

أصابت شظايا جلسة مجلس الوزراء العلاقة بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» بأضرار سياسية كبيرة، عَكستها الرسائل الحادة التي وجهها رئيس التيار النائب جبران باسيل الى الحزب عبر مواقفه أمس، والتي بلغت حدود التحذير من «ان وجودنا الحر أهم من اي تفاهم». الا أن المشكلة، في رأي العالمين بخفايا المواقف، ليست مشكلة جلسة وزارية دستورية او ميثاقية وغير ذلك من التوصيفات، وإنما هي مشكلة اكبر من ذلك بكثير وتكمن تحديداً في استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي لم يدخل بعد مدار التوافق الذي يُنتج رئيسا جديدا للجمهورية.

على مسافة ايام من دخول البلاد في عطلة اعياد الميلاد ورأس السنة، وبدل ان تتحول الاجواء السياسية التي تواكبها الى مستقرة، اشتدّ الكباش الذي ضرب الصف السياسي الواحد ولم تعد اطرافه الاضداد… لكن وبحسب ما اكد مصدر سياسي رفيع لـ»الجمهورية» انّ هذا الصراخ الذي يسببه بشكل اساسي الاستحقاق الرئاسي هو صراخ من دون تموضعات جديدة ولن يصل اليها، فالاستنفار الكلامي تفرضه حسابات تعزيز مواقع في التفاوض على الاستحقاقات المقبلة المحلية والخارجية وسيستمر الحال على ما هو عليه مع ترجيح التصعيد واشتداد الخلاف، الى حين اتضاح الصورة».

ويضيف المصدر: «في السابق كنّا صندوق بريد للخارج ولا نزال، لكن تحولنا صناديق بريد بعضنا لبعض، اي اصبحت الرسائل ترسل عبر الـ DHL و Libanpost في آن معاً». وكشف المصدر «انّ ميقاتي ليس في صدد الدعوة سريعاً الى جلسة ثانية لمجلس الوزراء ولن يقوم بهجمة جديدة قبل شهر او اكثر لئلّا تتحوّل ضربة مرتدة وسيستمر بسياسة الاحتواء بعد الـbox الذي وجّهه الى خصمه. واكد المصدر ان «لا خلاف بين النائب اغوب بقرادونيان والوزير جورج بوشيكيان الحزبي بخلاف ما أعلن، وهامش المواقف من الاساس موجود خصوصا عندما أبلغ بوشكيان الى حزب الطاشناق منذ البداية نيّته الوقوف الى جانب ميقاتي في العمل الحكومي، واذا كان باسيل يشهر سيف الطعون في المجلس الدستوري على رقبة بقرادونيان فإنّ الاخير لن يسمح لأي شرخ داخل حزبه وطريقة تعاطيه مع وزرائه ونوابه تختلف عن «التيار الحر».

لكنّ المفاجىء ليلاً كان اعلان اللجنة المركزية لحزب الطاشناق انها عقدت اجتماعًا مساء أمس «في ضوء التطورات الأخيرة والمتعلقة بجلسة مجلس الوزراء التي عُقدت الإثنين وشاركَ فيه وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشيكيان». وقالت في بيان لها انه «ونظرًا لعدم التزام النائب جورج بوشيكيان بقرار الحزب بالإمتناع عن حضور الجلسة، قرّرت اللجنة المركزية فصله عن كتلة نواب الأرمن. وتعلن إن أي موقف صادر عنه لا يمثّل إلاّ نفسه».

وقالت مصادر قريبة من بوشيكيان لـ»الجمهورية» انه «غير مرتاح الى ما خلصت اليه الكتلة والحزب، وهو متمسك بهما وببيئته لكنه مقتنع في الوقت نفسه بصوابية الموقف الذي اتخذه بالمشاركة في جلسة مجلس الوزراء تحقيقاً للمصلحة العامة».

على ان المصدر السياسي الرفيع نفسه كشف لـ»الجمهورية» ان «سبب المشكلة الكبيرة الذي افتعله جبران باسيل في مجلس الوزراء وما بعده هو تبلّغه ان «حزب الله» يفكر جدياً في الانتقال من الورقة البيضاء في انتخابات رئاسة الجمهورية الى اسم سليمان فرنجية، فجاء الرد في مجلس الوزراء عبر الطرد المفخّخ الذي كاد ان يحول الجلسة شرارة فتنة طائفية من خلال الكباش القوي بين الوزير هيكتور الحجار والرئيس ميقاتي، ليقول باسيل للجميع: انا هنا… ولا يمكن إمرار تسوية من فوقي، فصَبّ كل غضبه على ميقاتي بالمباشر وعلى الحزب مواربة باستخدام بعض الصفات للدلالة عليهما من دون تسميتهما «سَمّى الجيرة وسَمّى الحي ولولا شوي سَمّاني». واشار المصدر الى ان «حزب الله» اعطى توجيهاته لكل اعضائه، وزراء ونواباً: لا تصعيد ولا «رد»، لكن سياسة التمايز في العمل الحكومي والاستحقاق الرئاسي مستمر

الى ذلك، وبينما ارتفعت اصوات في اوساط «التيار» تتساءل عن جدوى استمرار «تفاهم مار مخايل» بعد مشاركة الحزب في جلسة حكومة تصريف الأعمال التي اعتبرها باسيل «إعداماً للدستور وسَطواً على موقع رئاسة الجمهورية»، استبعدت اوساط خبيرة في طبيعة العلاقة بين الجانبين ان تؤدي الازمة المستجدة الى انهيار كامل للتحالف وإن كانت قد وَضعته أمام محك صعب وربما علّقت مفاعيله الى حين.

وقالت هذه الاوساط لـ»الجمهورية» انّ الحزب كان يدرك في الأساس انّ موقفه بالمشاركة في اجتماع مجلس الوزراء سيترك أصداء سلبية في ميرنا الشالوحي، والأرجح انه لن ينزلق الى سجال علني مع «التيار» وسينتظر ان تهدأ فورة الغضب البرتقالي لاستئناف الحوار ومحاولة إعادة تفعيل التحالف الذي يعرف الحزب قيمته الاستراتيجية والوطنية.

ولفتت الاوساط الى انّ الحزب سيحاول تفادي التفريط بوثيقة تفاهم مار مخايل، خصوصاً انه يعرف ان خصوماً داخليين وخارجيين كانوا ولا يزالون منزعجين منها، «أما التيار فسيسعى الى اخضاع التفاهم لـ»نفضة» تحت طائلة «الانتفاضة» عليه».

وفيما لم يصدر عن «حزب الله» اي تعليق على باسيل، إلّا انّ مصادر مطلعة على موقفه اكدت لـ»الجمهورية» انه يتفهّم تصعيد باسيل الناتج من انزعاجه مما حصل، وقالت «ان الحزب لن يرد او يعلّق على ما قاله بل على العكس إن ارادته هي العمل على التهدئة لأنّ مصلحة الطرفين تقضي باستمرار التحالف بينهما».

ولفتت هذه المصادر الى انّ «أنصار «التيار الوطني الحر» هاجموا الحزب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان ردّه ان طلب من جمهوره عدم الرد بالمِثل عبر هذه الوسائل».

واعتبرت «انّ ما حصل هو «وَجع رأس»، لكنّ «حزب الله» ملتزم بالتحالف مع التيار، وهو كان قد ابلغ الى باسيل قبل جلسة مجلس الوزراء انّ وزيريه سيحضرانها وان ليس في هذا الحضور اي استهداف له، ولكن الحزب استغرب الحملة التي شنّت عليه مع العلم انّ موقفه من الجلسة يُماثِل الموقف الذي اعلنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذى غَطّى فيه هذه الجلسة».

وسألت المصادر نفسها: «لماذا يحمّل باسيل «حزب الله» المسؤولية عما حصل ولا يحمّلها لميقاتي الذي دعا الى الجلسة؟ كذلك لماذا يحمّل المسؤولية لحليفه الارمني الذي بحضوره هذه الجلسة أمّنَ النصاب لانعقادها؟». كذلك استغربت «عودة باسيل الى العام 2005 وحديثه عن القتل والنفي والسجن»، واعتبرت «ان هذا الكلام لا معنى له ولا داعٍ».

والى ذلك سألت مصادر مطلعة عبر «الجمهورية» الى اين يريد باسيل الوصول من هذا التصعيد؟ وأوردت في هذ الصدد ثلاثة احتمالات اسئلة هي:

اولاً - هل هو منزعج من تبنّي حلفائه ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الى هذا الحد في ضوء مطالبتهم الملحاحَة له بالسير في هذا الترشيح الذي يكرر الاعلان عن رفضه له؟

ثانياً - هل يريد باسيل الوصول الى تبنّي ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون او الذهاب الى طرح مرشح آخر لرئاسة الجمهورية من التوافق مع حلفائه

ثالثاً - هل يمكن ان يرتّب باسيل لصفقة ما في ضوء توسيطه قطر لدى الاميركيين لرفع العقوبات عنه يمكن ان تؤدي به الى الخروج من تحالفه مع حزب الله؟

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o