Aug 18, 2022 11:43 AM
خاص

فريد مكاري.. وسقط" الفارس الآدمي" عن صهوة الجواد...

المركزية-... وهوى فريد مكاري... ثقيل هو الغياب وهو يمضي في حرمان لبنان الهامات والقامات الكبيرة، التي تغادر دنيا الفناء هذه على حين غرة، تاركة وطن الأرز يتحسر على أحواله وأوضاع ناسه الذين باتوا يتقنون فنون الوداع والقيامة بعد معارك طويلة مع أقدار سود.  

لكن الأهم يكمن بالتأكيد في أن الله لا يترك أوطانه وأبناءه من دون عزاء يبلسم جراح غياب الكبار من طينة مكاري. ذلك أن الذاكرة السياسية والتشريعية اللبنانية ستحفظ بالتأكيد مكانا لرجل الأعمال "الآدمي" الذي حلّق بعيدا في دنيا الاغتراب، قبل أن يعود إلى وطنه لبنان ويخدمه إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري... ثم الرئيس سعد الحريري.

وفي وقت تغنى كثير من النواب والوزراء والرؤساء والوجوه السياسية على مدى عقود بالقيمة المضافة التي كانها نائب رئيس مجلس النواب السابق في المشهد السياسي اللبناني، العابق بروائح الصفقات والفساد وانعدام المسؤولية، يتوقف كثيرون عند صفة لا يختلف إثنان على أنها ميزت مكاري: الوفاء.ويروي المقربون من رجل الأعمال الراحل أمس عن عمر 75 عاما أنه التقى بالرئيس الحريري في شركة سعودي أوجيه. وفي خضم نقاش طويل، عارض المهندس فريد مكاري خيارا كان الحريري يريد الركون إليه. فأيقن أن الرجل محق في ما يقوله بالنظر إلى الخبرة والمعرفة اللتين يتمتع بهما. فكان أن ضمه إلى فريقه ثم قاده إلى المجلس النيابي في مرحلة لاحقة. ولا شك في أن بين سطور هذه الخطوة رسالة حريرية شديدة  اللهجة إلى جميع حاملي لواء المعرك الطائفية البغيضة: "المسيحي المعتدل أقرب إلي من المسلم المتطرف". عبارة شهيرة قالها الحريري الأب وسار بهديها إلى جانب مكاري، المعروف يتواضعه وقربه من الناس، والذي بقي حاضرا بقوة إلى جانب الرئيس سعد الحريري على مدى 11 عاما عقب زلزال 14 شباط 2005.

غير أن التسوية الرئاسية الشهيرة التي قادت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا قلبت كل المعادلات والموازين. فالرجل المعارض لوصول العسكريين إلى المواقع السياسية استطاع أن يكسر هذه القاعدة قبيل انتخاب الرئيس ميشال سليمان بفعل اتفاق الدوحة، معتبرا أن سليمان "رئيس متميز". غير أن هذا السيناريو لم يتكرر عام 2016. لأن فريد مكاري عارض انتخاب عون الذي خاض معارك سياسية طاحنة في مواجهة النهج الحريري... على أن الرياح لم تجر بما اشتهت سفن ابن الكورة الذي سيغمره ترابها إلى أبد الآبدين.

ولأن من شيم الكبار اختيار اللحظات المناسبة لمغادرة المسرح السياسي وأضوائه الحارقة، انسحب فريد مكاري بهدوء ورصانة من الحياة السياسية، مفضلا العزوف عن خوض الانتخابات النيابية في دورة 2018. وهو ما يفسر انتقال نيابة رئاسة المجلس إلى ايلي الفرزلي، صاحب الخط السياسي المناقض تماما لمكاري، الذي يذكر كثيرون أنه كان وزيرا للإعلام في إحدى الحكومات الحريرية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.

كان أغلب ظن فريد مكاري أن التقاعد السياسي الاختياري سيتيح له بعضا من الراحة المستحقة. لكن القدر كمن له على كوع صفعة قاسية جدا، بحيث دفعه إلى حلبة المواجهة المباشرة مع سرطان الرئة. معركة خسرها مكاري... رحل الرجل تاركا أثرا طيبا لن يبتلعه مرور الزمن وتمزيق الرزنامات والسنوات..  

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o