May 26, 2018 4:34 PM
أخبار محلية

البطريرك يوسف العبسي من صيدا: واجبنا ألا نفرط بالعيش معا في بيئتنا ولا ان نفرط بالأرض في بلدنا

اعتبر بطريرك انطاكية وسائرالمشرق للروم الكاثوليك يوسف العبسي، أن زيارته إلى صيدا هي زيارة لكل أبناء المدينة، اذ كل واحد منا هو كل للكل، ورأى أن جمال لبنان النادر هو في التوافق والتفاهم والعيش معاً، لا عن غصب أو خداع بل عن رضى وصدق وقناعة. 

في أول زيارة له منذ انتخابه إلى أبرشية صيدا للروم الكاثوليك، استقبل البطريرك العبسي بحفاوة مميزة، فأقيم له بعد وصوله إلى صيدا، قرابة الساعة الرابعة بعد الظهر حفل استقبال حاشد في باحة القصر البلدي في المدينة، شارك فيه النواب ميشال موسى ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبهية الحريري وسليم الخوري وممثلون عن النائبين علي عسيران وأسامة سعد، ورئيس بلدية صيدا محمد السعودي والمطارنة مارون العمار وإيلي الحداد وشكرالله نبيل الحاج والياس الكفوري وادوار ضاهر، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبده أبو كسم وممثلون عن مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان ومفتي صيدا الجعفري الشيخ محمد عسيران وجمع من رؤساء المجالس البلدية والاختيارية والكهنة والرهبان والراهبات.

وعصرا ترأس بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الكاثوليك يوسف العبسي، قداسا الهيا في كاتدرائية مار نيقولاوس داخل السوق التجاري في مدينة صيدا، في حضور النواب: زياد أسود، ميشال موسى وسليم خوري وفاعليات منطقتي صيدا وجزين وحشد من ابناء الرعية.

العبسي

وبعد الانجيل المقدس ألقى البطريرك العبسي عظة جاء فيها: "تطأ قدماي هذه الكاتدرائية المقدسة للمرة الأولى في حياتي، أشعر بتأثر بالغ لأن أبرشية صيدا لها، بالإضافة إلى كونها من أقدم الأبرشيات ومن الأراضي التي زارها يسوع وسمعت كلامه، دور كبير في نشأة كنيستنا الملكية لا سيما في عهد مطرانها أفتيميوس صيفي الذي أسس الرهبانية الباسيلية المخلصية الكريمة وأطلقها لتثبيت ونشر حركة الكثلكة التي كان من أنصارها حتى قبل الانقسام الذي حصل في عام 1724. منذ تلك الأيام، وبالرغم من الأحوال المتقلقلة الحرجة التي كانت تمر بها كنيستنا، كان لأبنائنا الصيداويين، ومن ثم الجنوبيين، نصيب في صنع تاريخها، وفي صنع تاريخ لبنان، على جميع الأصعدة، إلى هذا اليوم. 
حضور الروم الملكيين الكاثوليك في هذه المنطقة تعود جذوره إلى الجماعات المسيحية الأولى، وقد عرفوا، عبر التاريخ وما مر عليهم فيه من تقلبات ومن حوادث الدهر، أن يعيشوا بسلام ووئام مع الآخرين جميعا، وأن يكونوا مرنين منفتحين رجال حوار ودعاة توفيق، وأن يحافظوا على أرضهم ويبقوا فيها، وأن يبنوا بلدهم مع شركائهم في الوطن. هذا تاريخنا ومن واجبنا أن نسير في خطه فلا نفرط بالعيش معا في بيئتنا ولا نفرط بالأرض في بلدنا". 

وقال: "ولكم أنا سعيد ومرتاح إلى ما يقوم به سيادة الأخ المطران إيلي بشارة راعي الأبرشية من مشاريع عمرانية واجتماعية تندرج في هذا الخط التاريخي الذي لكنيستنا، من بناء مئتي مسكن للعائلات الجديدة، وثلاث مدارس، ومأوى للعجزة، بالإضافة إلى مشاريع زراعية عديدة، خلقت كلها حوالى أربعمئة وظيفة، مما شجع، كما لوحظ، على ارتفاع عدد المسيحيين في منطقة شرقي صيدا.
وسيادة المطران إيلي، إذ يعمل كل هذا، يتابع عمل أساقفة كبار وقديسين سبقوه أذكر منهم في هذه العجالة سلفه المطران جورج كويتر الذي صمد في الأحداث اللبنانية على المبادئ عينها وكد بعدها حتى بذل ذاته لإنهاض الأبرشية، والمعاون البطريركي المطران سليم غزال الذي ذاع صيته ليس في الجنوب وحسب ولا في لبنان بل في العالم العربي، رجل الحوار والتعايش المسيحي الإسلامي الذي أرسى له أسسا وطرائق اعترف الجميع بصدقها وشفافيتها وسلامتها وفاعليتها.
لأجل كل ذلك أنا أشكر جزيل الشكر أخي سيادة المطران إيلي على دعوته لزيارة أبرشيتكم التي يفوح تاريخها بما ذكرنا وما هو إلا القليل القليل. أشكره على أنه أتاح لي أن أفرح بلقائكم ومشاهدة وجوهكم وأن أصلي معكم، أن نحتفل معا بالليترجيا الإلهية التي هي ينبوع وحدتنا في يسوع المسيح إلهنا ومخلصنا".

وأردف: "سمعنا النداء الذي ختم يسوع به تعليمه واختصره به في إنجيل اليوم: "كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل". بهذه العبارة حدد لنا السيد المسيح القاعدة العامة لسلوكنا. حدد سقف سلوكنا، وما أعلاه، إنه الله تعالى عينه، حدد لنا يسوع العلامة التي يجب أن نحصل عليها في أخلاقنا، وما أعلاها، إنها العلامة الكاملة: مئة من مئة.
لذلك ما عاد المسيحي يكتفي بتتميم الوصايا التي يتممها الناس بشكل عام كأن نحب من يحبنا ونسلم على إخواننا، كأن لا نقتل ولا نسرق ولا نزني. هذا سلوك جيد لكنه سلوك مفروغ منه في نظر يسوع. يطلب يسوع منا أن نذهب إلى أبعد من ذلك، إلى ما لا يفعله الآخرون بشكل عام، إلى أن نعطي ونبذل ونضحي أكثر مما تطلب منا الشريعة أو الأعراف الاجتماعية أو الاتفاقات الإنسانية. كل الناس، حتى الوثنيين، يحبون من يحبهم ويسلمون على إخوانهم. من يأمر بكمال الله لا يعد يأمر بما هو دون الكمال، لا يعد يأمر بأن لا تقتل، لا تسرق، لا تزن. لذلك لم يشأ يسوع أن يضع لتلاميذه شريعة أو كتابا على غرار ما فعل موسى وغيره من الأنبياء، فإن الكمال ليس من شريعة أو قواعد تحده، بل ترك وصية، وصية واحدة هي وحدها في نظره قادرة، إذا ما نفذت، على البلوغ بنا إلى الكمال المنشود. إنها المحبة. هذا ما أوضحه الرسول بولس بقوله لأهل رومة: "إن من أحب القريب قد أتم الناموس. فإن [هذه الوصايا]: لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تشته، وكل وصية أخرى، تُلخص في هذه الكلمة: أحبب قريبك كنفسك. إن المحبة لا تصنع بالقريب شرا، فالمحبة إذن هي تمام الناموس" (روم 13: 8-10)".

وتابع: "ما يفسر تفكير يسوع، وتفكير بولس من بعده وتفكير الكنيسة أيضا، هو أن السيد المسيح لم يأت ليؤسس دينا يحدد لنا فيه ما ينبغي علينا أن نعمله، لم يأت ليكرر موسى والأنبياء، بل أتى يكملهم كما قال، جاء يعلن للعالم أجمع بشرى الخلاص، أتى يكشف عن محبة الله لجميع الناس، قدم يخبر البشر أن الله ليس خصما لهم بل هو أب لهم وهم أبناء له، ويعلمنا أن ننظر إلى علاقتنا بالله تعالى نظرة الابن إلى أبيه فلا نناديه بالرب أو بالسيد بل بالأب: "أبانا الذي في السماوات"، كما يخاطبه هو نفسه: "أبا، أيها الآب" (مرقس 14: 36). لذلك نرى يسوع، في حديثه عن الله، لا يخاطب الناس ولا تلاميذه ولا رسله بقوله "إن ربكم"، "إن سيدكم"، "إن إلهكم"، بل كان دوما يخاطبهم بقوله "إن أباكم"، لأنه، كما يقول بولس، "بعد إذ جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب (أي الشريعة والناموس)، لأنكم جميعا أبناء الله" (غلا 3: 25).
رب سائل: أليس عند المسيحيين شريعة ووصايا ومبادىء أخلاقية؟ بلى عندنا، بيد أننا نحن المسيحيين لا نبدأ بالوصية لننتهي إلى الله، لا نرتقي من الشريعة أو بالشريعة إلى الله، بل نبدأ من الله وننزل من الله لننظر، لنحكم في سلوكنا: "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض". ولما كان الله في السماء محبة، كما أخبر الإنجيلي يوحنا، وجب علينا أن نسلك نحن على الأرض بمقتضى المحبة لأنها "رباط الكمال"، كما يقول بولس، أي إنها الشيء الذي يربطنا بالله الكامل بحيث لا نعود نفعل الشر. هذا ما جعل القديس أوغسطينوس يتجرأ على القول: "إذا أنت أحببت فافعل ما تشاء"، لعلمه بأن الذي يحب مرتبط بالله، هو من الله، كما يقول الرسول يوحنا، فلا يفعل الشر (1يو 3:9؛ روم 13: 10)".

وختم العبسي: "أشكركم فردا فردا على استقبالكم، على تجشمكم تعب المجيء للمشاركة في الصلاة. أسأل الله تعالى، بشفاعة القديس نيقولاوس صاحب هذه الكنيسة، وشفاعة النبي إيليا شفيع راعي الأبرشية، أن يكافئكم ببركاته، ويبلغنا إلى كماله بالمحبة. لقد زرعنا في هذه المنطقة مريدا أن نشهد فيها على الخلاص الذي حققه بابنه يسوع المسيح للبشرية جمعاء. ليس المطلوب أن نكون نحن كثيرين. المطلوب أن نكون حاضرين".

حداد 

بدوره رحب راعي ابرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران ايلي حداد بزيارة البطريرك العبسي الى الابرشية وقال: "نرحب بكم في مدينة العيش الاخوي لذا فترحيبي ليس باسمي فحسب بل باسم اهالي المدينة والفاعليات ومؤمنين، مسيحيين ومسلمين معا نشكل عائلة واحدة نسير نحو السلام، سلام النفوس وسلام الوطن، هكذا اسس اسلافنا المطران جورج كويتر وسليم غزال وهكذا اراد سلفكم غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث الذي ساهم بانشاء مركز للدراسات الاسلامية المسيحية بالتعاون مع جامعة القديس يوسف بين حرم المطرانية والجامعة في صيدا، ويعمل هذا المركز سنويا مع فريق من الطلاب من مسيحيين ومسلمين ليكسروا بحوار صريح كل الافكار المسبقة بينهم ويجتهدوا ان يتعرفوا على غنى بعضهم ويبنوا المستقبل معا ونأمل خيرا من هذه المبادرة ان تخلق جيلا متفاهما متناغما".

وتابع: "كذلك هناك مبادرات من جهات عديدة في هذا السياق وفي قمتها لقاء الرؤساء الروحيين للمدينة الدوري حيث نتباحث معا امور الناس ونسهم في اعطاء الحلول ونشر الطمأنينة بين ابنائنا، وباختصار ان صيدا وجوارها في مسيرة واعية لنعود بلبنان حيث كان وطن التلاقي ومنارة المثقفين والمنفتحين".

وقال: "ان مسيرتنا وان تكن مشجعة لكن بعض العثرات تعترضنا كلها تختصر بالحاجة الى فرص عمل لابنائنا ليبقوا هنا لا يرحلوا، اننا كسائر المناطق مهددون بالهجرة الداخلية كانت ام الخارجية وما احوجنا الى مؤسسات علمية وثقافية وطبية وصناعية وزراعية تؤمن لقمة العيش لابنائنا وتوفر سبل العيش بكرامة".

وختم حداد: "لن نترك اليأس يقتلنا لاننا ننظر دوما الى جهة الكأس الملآن فكهنتنا يعملون ليل نهار لبث روح الديناميكية في رعاياهم".


بعد ذلك استقبل البطريرك العبسي والمطران حداد المهنئين بالزيارة في صالون الكاتدرائية.

يشار إلى أن رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، قدم باسم مدينة صيدا للبطريرك العبسي، درعا تكريمية عبارة عن مجسم لقلعة صيدا البحرية، خلال الاستقبال الذي أعد له أمام مبنى البلدية. 

هذا ونظمت أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك، حفل إفطار جامعا، على شرف بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، في "دار العناية" في بلدة الصالحية في قضاء صيدا.
 

حضر الحفل حشد كبير من فاعليات منطقتي صيدا وجزين، تقدمهم النواب: ابراهيم عازار، زياد أسود، سليم خوري، علي عسيران، ميشال موسى وممثل النائبة بهية الحريري الدكتور ناصر حمود، مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، مفتي صيدا الجعفري الشيخ محمد عسيران، راعي أبرشية صيدا للموارنة المطران مارون العمار، مسؤول "الجماعة الإسلامية" في صيدا الشيخ مصطفى الحريري، ممثل الأمين العام لتيار "المستقبل" أحمد الحريري ومستشاره للشؤون الصيداوية رمزي مرجان، مسؤول "حزب الله" في منطقة صيدا الشيخ زيد ضاهر، ممثلو أحزاب لبنانية، رؤساء بلديات منطقتي صيدا وجزين، فاعليات أمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأهلية ومخاتير وحشد من المدعوين.
 

بعد كلمة ترحيبية من الأب جهاد فرنسيس بالحضور، تحدث سوسان، فقال: "سنوات مرت ونحن نعيش في منطقة الشرق الأوسط، حالة من الاقتتال والصراعات، شبيهة بتلك التي عاشتها دول البلقان ووسط أوروبا في البوسنة وكوسوفو وكرواتيا وصربيا. التدخل الدولي زاد من مأساة شعوبنا ومن ألم مواطنينا، بانحيازه لهذا الفريق أو ذاك، بعيدا عن منطق التسوية ومعالجة جذور الأزمات الحقيقية، وليس آخرها في فلسطين وما يحصل فيها".
 

أضاف: "المشهد في مدينة صيدا يختلف عن سواه من سائر المناطق، مشهد التعايش والتآلف والتعاون، مشهد الانسجام والتناغم. إنه مشهد العيش المشترك ومشهد المآذن، التي تعانق أبراج الكنائس".
 

وتابع: "باسمي وباسم اللقاء الروحي في صيدا والجوار، نقول: أهلا وسهلا بك يا صاحب الغبطة في مدينة صيدا، التي قدمت رجالا كبارا لحماية الوطن، ولتأكيد وتثبيت ماضيه في وحدة أرضه وشعبه ومؤسساته وبناء حاضره ومستقبله. أهلا وسهلا بك بين إخوتك وأصدقائك ومحبيك ورعيتك في مدينة صيدا، التي رفضت الاحتلال، كما رفضت الفتنة المذهبية والطائفية والمناطقية، وانتفضت على لغة التخوين، وحافظت على الروح الوطنية الجامعة لكافة أبناء الوطن، بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم. لبنان بلد المحبة والتسامح والتنوع، ومدينة صيدا بتنوعها تؤكد هذا النموذج وهذا الدور".
 

وأردف: "سعى البعض وبعضهم ما يزال لتعكير الحياة النموذجية بين الأشقاء في الوطن والمواطنة، ولكن لم ولن يفلحوا، لإن إرادة الحياة والبناء والتنمية لدينا أكبر من رغبتهم في تهميش المنطقة وزرع الشقاق بين أبنائها. وزيارتكم اليوم، هي رد مباشر على كل من يريد أن يتربص بلبنان ومنطقتنا العزيزة ومدينتنا الحبيبة شرا، أو أن يرسم حدودا بين مكوناتها ومؤسساتها ومرجعياتها بكافة مسمياتها ومواقعها".
 

وختم "وطننا واحد، مستقبلنا واحد، مصيرنا واحد، وعيشنا المشترك وسلمنا الأهلي هو الضمانة والمدماك الأساس والصلب، لتحقيق المزيد لخدمة شعبنا ومواطنينا وأبنائنا. دورنا كان ولا يزال وسوف يبقى أساسيا وفعالا وبناء، في تحصين وطننا ومجتمعنا من كل شر ومن كل خطر وفي حفظ الوطن والكيان".
 

بعد ذلك، تحدث البطريرك العبسي، فقال: "أشكر سيادة الأخ المطران إيلي بشارة الحداد رئيس أساقفة صيدا ودير القمر، الجزيل الاحترام، على الاستقبال الأخوي الكبير الدافئ، الذي خصني به، وأتاح لي أن ألتقي هذه الوجوه النبيلة من أبناء صيدا والجنوب اللبناني، والتي تمثل العائلة اللبنانية الكبيرة الجميلة بكل ألوانها. أشكره على كلمته القلبية، التي تفوه بها. أشكره باسم كنيستنا بنوع خاص على المشاريع الإنمائية والاجتماعية، التي يصنعها لأبنائه ولغير أبنائه من أجل أن يعود الذين غادروا، وأن يبقى الذين بقوا حتى يسهموا مع إخوتهم في الوطن، في بناء هذه المنطقة، ويشهدوا لرسالة لبنان في العيش معا في بيئة متنوعة غنية".
 

أضاف: "ولا يسعنا نحن، إلا أن نؤازر أخانا المطران إيلي في عمله هذا، الذي يشجع أبناءنا على العودة إلى قراهم وبلداتهم.

وتابع: "إن النموذج الذي نشهده الآن في هذا اللقاء، هو النموذج الذي نعتقد به ونتمسك به ونسعى إلى ترسيخه، ليس لأننا وجدنا أنفسنا فيه، وليس لأنه قدر حتم علينا، بل لأنه من صلب الإنجيل الذي يعلمنا أن السيد المسيح، بذل نفسه من أجل كل إنسان، وأن كل إنسان هو قريب، وأن القريب هو ذاك، الذي تذهب أنت إليه وتجعل منه قريبا".

 

وقال: "أشكر سماحة المفتي سليم سوسن على الكلمة الرقيقة، التي ألقاها باسم اللقاء الروحي، وأشكر أعضاء اللقاء جميعا في شخصه الكريم. ما أجمل اللقاء. وما أجمل لقاءنا في هذا اليوم المشهود من شهر رمضان الفضيل. وما أجمل وما أكثر وما أعمق ما نلتقي عليه، نحن المسيحيين والمسلمين من أمور في موضوع إيماننا بالله عز وجل. يكفي أن نتوقف قليلا، في هذه المناسبة السعيدة، على ما يقوم به إخوتنا المسلمون من عبادة في زمن صيامهم، وما نقوم به نحن المسيحيين في زمن صيامنا أيضا، حتى نتيقن ذلك".
 

أضاف: "في رمضان يقوم المسلمون بفرائض الصوم والصلاة والزكاة، التي هي الأركان الأساسية من الأركان الخمسة في الإسلام. ويقوم المسيحيون كذلك بهذه الأركان عينها بنوع خاص أيضا في زمن صيامهم، وقد أوردها يسوع نفسه في الإنجيل مذكرا بأهميتها. يقول في الإنجيل بحسب متى (6: 1-18): "أما أنت فمتى صمت فطيب رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائما". "أما أنت فمتى صليت فادخل حجرتك وأوصد الباب وصل إلى أبيك الذي في الخفية". "أما أنت فإن تصدقت فلا تعلم شمالك ما تصنع يمينك". ثلاثة أركان يلتقي نلتقي عليها جميعا ونعيشها في زمن الصيام. هذا اللقاء الروحي، وغيره الكثير من اللقاءات المماثلة، هو الذي يجدر بنا كلنا أن نسعى إليه وننادي إليه، نحن جميع الذين يعبدون الإله الواحد الصمد، في وجه ما نشهده من تراجع في الدين وغزو للالحاد بشتى مظاهره".


وتابع: "شكري الخالص لحضرة الأب طلال تعلب المخلصي، المسؤول عن دار العناية لاستضافته لنا في هذا المكان، الذي صار منارة للمنطقة وللبنان كله في العمل الاجتماعي والإنساني والإنمائي، يرتاده أولادنا من كل الفئات، وينهلون منه العلوم والمهن والفضائل. لبنان كله يدين لهذه المؤسسة بفضل ما تخرج منها من طلاب أسهموا في نهضته وبنائه في مجالات شتى، وأسهموا خصوصا بتعزيز الفكر التعايشي فيه، ذلك الفكر الذي تنشأوا عليه هنا، وتشربوه على أيدي المؤسسين غبطة السيد البطريرك غريغوريوس لحام والمطرانين سليم غزال وجورج كويتر وعلى أيدي من لحقوهم، ذلك الفكر الذي يجمع بين الانتماء إلى الوطن والانتماء إلى الكنيسة أو المسجد، الذي يحفظ لبنان والذي يمتاز به أهل صيدا والجنوب بنوع خاص".
 

وأردف: "الشكر الموصول للرهبانية الباسيلية المخلصية أم هذه الدار، وكم لها من الأيادي البيضاء في هذه المنطقة على الأخص، وكم لها من الأثر الطيب في نفوس الكثيرين، وكم لها من الشهادة الإنجيلية الخالصة الصافية الناصعة. كافأها الله وأجزل عطاياه عليها. وإن ننس لا ننسى الأصدقاء والمحسنين الكثر. بفضل سخائهم وعطائهم، سواء إلى الأبرشية أو إلى الدار، تمكن الكثير من أبناء هذه المنطقة من أن يبنوا حياة كريمة سعيدة لهم ولغيرهم. إن تضامنهم مع القريب المحتاج أو الضعيف أو المهمل أو المهمش أو المنبوذ، أيا كان، يقوي الروابط الاجتماعية وينقذ الكرامة الإنسانية. عوض الله عليهم أضعاف ما يقدمون".
 

وختم "الموائد الرمضانية في لبنان، ما عادت شأنا إسلاميا، بل أخذت طابعا وطنيا. بالأمس كنا على إفطار في القصر الجمهوري جمع لبنان كله. واليوم نحن على إفطار يجمع الجنوب كله. موائد رمضان موائد الإلفة والمودة. أشكركم جميعا على تلبية دعوتنا إلى هذا الإفطار. أشكركم على محبتكم واستقبالكم وحضوركم. تحيتي الصادقة لكم وتهاني وأدعيتي بهذا الشهر الصيامي الكريم. والشكر في الفاتحة وفي الخاتمة لله تعالى، الذي يجمع إليه عياله. له المجد والعزة والإكرام إلى دهر الداهرين. كل عام وأنتم بخير".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o