Oct 28, 2021 12:58 PM
مقالات

"دوحة مصرية" لإخراج لبنان من عنق مأزق "حزب الله؟

كتب أحمد عياش في "النهار":

ما هو ظاهر من جبل جليد الازمة الراهنة ، على رغم انه فعليا، بركان يقذف حممه في غير إتجاه، هو مأزق التحقيق القضائي في إنفجار مرفأ بيروت، معطوفا على مأزق التحقيق العسكري في احداث الخميس الدامي في الطيونة. لكن ، ووفق معطيات أوساط ديبلوماسية عربية، هناك ما هو أخطر بكثير في باطن هذا الجبل أو البركان. فما هو يا ترى؟

في معلومات ل"النهار" من هذه الأوساط ذات الخبرة العميقة في أحوال لبنان، ان هناك قضية خاصة بين "حزب الله" وبين رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ترتقي الى مستوى عال من التوتر الذي يكنّه الحزب ضد جعجع، ليس لإسباب داخلية فحسب، بل لإسباب إيرانية أيضا والتي لا تبدو مرئية في لبنان، إنما هي كامنة في سلوك الحزب والذي يعمل بهديّ منها. وجوهر هذه الأسباب، وفق هذه الأوساط الديبلوماسية، هو التحدي الذي فرضه رئيس "القوات اللبنانية" في وجه أهم ذراع خارجي للنفوذ الإيراني في المنطقة والمتمثل ب"حزب الله". وتضيف ان جعجع يكاد يكون فعليا، الصوت الوحيد تقريبا الذي يقف معارضا لنفوذ الحزب الذي بلغ ذروته في ملف التحقيق القضائي في إنفجار المرفأ، الى ان تطوّر الى احداث دامية في 14 الجاري. وبدا المشهد عشية هذه الاحداث ان لا طرف داخليا غير "القوات اللبنانية" يقف في وجه "حزب الله". ومن المرجح ان الأخير، كان يريد من التحرك في الطيونة ان ينتهي الى "تلقين" المنطقة التي تستظل ب"القوات اللبنانية" درسا ينطوي على اعمال شغب، ومن ثم يمضي الحزب وحلفاؤه الى إقامة مخيم شبيه بذلك الذي أقامه قبالة السراي الحكومي أبان رئاسة فؤاد السنيورة الحكومة، وانتهى الامر الى احداث 7 أيار 2008 الشهيرة. إلا ان هذه الحسابات في حقل الطيونة لم تطابق الحسابات السابقة في ساحة رياض الصلح حيث كان المخيم الأول. وفي تقدير الأوساط نفسها، ان "الخسائر"(الكلمة بين المزدوجيّن هي بطلب من صاحبة هذه المعلومات)، ليست مرتبطة بالضحايا الذين سقطوا، والذين جرى القول بأنهم ينتمون الى فريق الحزب وحلفائه فحسب، بل هي مرتبطة فعليا بهزّ صورة "حزب الله" في أوساط السلطات في طهران وعلى أعلى المستويات هناك. ومن مراجعة المواد الإعلامية الإيرانية لتغطية احداث الطيونة ، تفيد بكل وضوح، ان "حزب الله" تلقى ضربة قاسية، وهو الطرف الذي كان في نظر المرشد الإيراني، هو الذي يوجه الضربات في المنطقة متحديا إسرائيل التي فرضت نفسها الطرف الأقوى في الشرق الأوسط. الى ان جاءت احداث الطيونة لتقلب هذه الصورة رأسا على عقب. وبدءا من هذه الاحداث صار لزاما على الحزب، ان يعيد هذه الصورة الى سابق وضعها.

كيف السبيل الى إستعادة "حزب الله" هيبته المفقودة في 14 تشرين الأول الحالي؟ في راي الأوساط الديبلوماسية، لا تبدو مذكرة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي بحق رئيس حزب "القوات اللبنانية" ، بعيدة عن الجواب على هذا السؤال. إلا ان المذكرة تنطوي على جانب من الجواب الذي يسعى الحزب للوصول اليه . ومن اخطر ما يبيّته الحزب وفق مؤشرات عدة، هو كيفية النيل من جعجع وذلك لن يكون عبر القضاء الذي جرى حتى الان  إستخدام جزء منه .

ما قام به البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بالأمس يمثل خطوة مهمة في إتجاه نزع فتيل التوتر الذي هو الان في اقصى مداه. لكن ذلك، يفضي في حال نجاح مسعى البطريرك ، الى تبريد الأجواء ليس إلا. وتخشى الأوساط الديبلوماسية ان يكون "حزب الله" نفسه ، يسعى الى هذا التبريد كي يهيء الظروف لتحقيق غايته ب"الثأر" من جعجع ، عملا بالقول السائر ان "الانتقام طبق يؤكل باردا." وكان لافتا في هذه الأجواء، الحديث عن معاودة مجلس الوزراء قريبا جلساته المتوقفة منذ احداث الطيونة . كذلك يمضي رئيس الجمهورية ميشال عون بإشاعة أجواء الطمأنينة، ربما لمعطيات لديه من "حزب الله" الذي يهمه ان يمنح قصر بعبدا الفرصة "قطف ثمار" إستعادة البلاد احوالها الطبيعية. وفي هذا السياق تندرج العبارات الواردة في مقدمة النشرة الإخبارية لقناة "المنار" التابعة للحزب مساء اليوم الذي تحرّك في البطريرك الراعي. وهذه العبارات هي :""الايامُ المقبلة ستؤكدُ أنَ تداعياتِ الاحداثِ الأمنيةِ الأخيرةِ قد طُويت بحسَبِ رئيسِ الجمهوريةِ العماد ميشال عون الذي قطعَ بانْ لا عودةَ إلى الحربِ الأهليةِ في لبنان، برغمِ وجودِ تعكيرٍ دائمٍ للجوِّ العامِّ في البلاد."

كيف يمكن وضع لبنان على سكة آمنة تشبه تلك حصلت في الدوحة عام 2008 ؟ هذا السؤال طرحته الأوساط الديبلوماسية، وهي قامت بمقاربته على النحو الاتي:لا احد يرواده اليوم الاعتقاد بأن قطر عام 2008 وبرعاية من أميرها وقتذاك حمد بن خليفة آل ثاني هي ذاتها اليوم سنة 2021. لكن هناك نافذة جديدة ، هي القاهرة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي تملك نفوذا مهما يمكن الإشارة الى احد مجالاته ألا وهو قطاع غزة الذي تحكمه حركة "حماس" التي تمثل "حزب الله" الفلسطيني ، وهذه الحركة في فلسطين هي مثل "حزب الله" في لبنان على علاقة وثيقة جدا بإيران. وقد نجحت القاهرة ولا تزال في أن تكون حاضرة في الملمات لإخراج القطاع من براثن الانتقام الإسرائيلي. ولذلك لا شيء يمنع من إخراج لبنان من نوايا إنتقام إيران عبر "حزب الله" مستهدفا زعيم "القوات اللبنانية." علما ان النيل من جعجع سيكون فعليا النيل من آخر معالم الاعتراض اللبناني الجدي على النفوذ الإيراني.

وتخلص الأوساط الديبلوماسية الى القول: " لا شيء يمنع من مشاهدة مسؤول مصري قريبا يتحرك بين القاهرة وبيروت. انه الخط الوحيد الظاهر حاليا من جبل الرجاء في مساعدة لبنان على تجاوز جلجلته الأشد قسوة في تاريخه المعاصر."  

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o