Oct 16, 2021 7:28 AM
صحف

حذر داخلي وبحث عن مخارج صعبة الحكومة مهددة بالانفجار..التحقيقات بوشرت واتصالات لتوضيح ما جرى بالطيونة

ما حصل في خميس الطيونة الأسود، صاغ أجندة داخلية جديدة، باتت مفروضة على البلد، وحشرت كل الأطراف، او بالأحرى الشركاء المباشرين وغير المباشرين في جريمة الطيونة، في زاوية اختيار واحد من خيارين كلاهما صعب؛ الأول، استكمال ورشة التدمير والنزول الى ساحة الإقتتال. والثاني، البحث عن حلّ مستحيل، وسط الإنشقاق الداخلي والعداء المستحكم بين المكونات السياسية والطائفية. وما يُخشى منه ان يكون الخيار الاول هو الأقرب، بالنظر الى عدم ثقة الناس بقدرة هؤلاء على اجتراح حلول تحاكي مصلحة البلد وحده وتحفظ أمنه واستقراره. وتبعاً لذلك، تبقى أيدي اللبنانيين على قلوبهم.

الواضح من الوقائع المتدحرجة، انّ البلد مفروز سياسياً وقضائياً وطائفياً، وهو الأمر الذي ينثر في الأجواء الداخلية الاسئلة التالية:

اولاً، ما مصير التحقيق في انفجار المرفأ؟ وهل سيتعطّل؟ وهل سيكمل بالوتيرة ذاتها إن ردّت محكمة التمييز تلك الطلبات؟ وماذا عن التغطية الدولية للتحقيق العدلي التي تدعو الى إبعاده عن التدخّلات السياسية؟ وماذا لو كرّت سبحة مذكرات التوقيف وطالت النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق وبعدهما رئيس الحكومة السابق حسان دياب؟

ثانياً، ما مصير الحكومة، التي تعرّضت لأعنف هزّة في بنيتها، جراء العاصفة الأمنية التي هبّت عليها من الطيونة، وقبلها العاصفة السياسية - القضائية التي هبّت عليها من التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت؟ وهل ستستمر هذه الحكومة في ظلّ مقاطعة وزراء «أمل» و»حزب الله»، التي قد تنتقل مع تطوّر الأحداث الى حدّ الخروج منها؟

ثالثاً، ما مصير الانتخابات النيابية؟ وما الذي يضمن إجراؤها، فيما لو ظلّ الوضع في البلد على تدحرجه، وفرض وقائع غير محسوبة او متوقعة؟ وهل ثمّة من يضمن ان تكون الأجواء مؤاتية لإجرائها في موعدها؟

رابعاً، ما مصير الأزمة الاقتصادية إن فرض الاشتباك السياسي - القضائي - الأمني وقائع وتوترات من أي نوع؟ ومن يستطيع ان يلحق بتداعياتها وبمسارها الانحداري الكارثي، إن أفلتت الامور من أيدي الممسكين بالقرار؟

خامساً، ماذا عن الشارع الذي تحوّل بالأمس الى «حلبة للنقاش» بالرصاص والقذائف، وهل ثمة من يستطيع ان يمسك بالشارع إن افلت من أيدي الجميع وصار البلد محكوماً للغة الشوارع المتقابلة؟

بالتزامن، أكدت مصادر عسكرية لصحيفة "الجمهورية"، انّ التحقيقات بوشرت حول ما جرى الخميس، وثمة توقيفات قد حصلت.

وأشارت المصادر، الى انّ عناصر الجيش، ودعماً للتحقيقات الجارية، عملت على سحب كاميرات المراقبة من عدد من المنازل والمحال في المنطقة، حيث بدأ تحليل الداتا لتبيان ما قد تحمله من عناصر تفيد التحقيق وتحديد المتورطين في اطلاق النار وعمليات القنص.

وعلمت "الجمهورية" من مصادر موثوقة، انّ "الاتصالات الجارية تسير على خطين متوازيين، الأول في اتجاه التأكيد على السلم الأهلي ومنع العبث باستقرار لبنان، ودور الأجهزة العسكرية والأمنية في الحفاظ على الأمن وردع أي محاولة من أي جهة كانت للعبث به، وكذلك في اتجاه كشف الفاعلين والمتورطين وتحديد المسؤوليات والأهداف الكامنة وراء هذا التفجير، وبالتالي محاسبتهم، مع التشديد على إحالة هذه الجريمة على المجلس العدلي في أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء، لأنّ ما حدث مسّ أمن البلد في الصميم".

واما الخط الثاني، كما تقول المصادر، فيذهب في اتجاه بلورة مخرج لـ"أزمة التحقيق العدلي" في انفجار مرفأ بيروت، وهو أمر دفعته التطورات الاخيرة الى أن يحتل رأس قائمة الاولويات. وهناك مجموعة طروحات قيد البحث، يفترض ان تظهر النتائج حولها في وقت قريب. ولا تقلّل المصادر من حساسية هذا الأمر، وخصوصاً مع مطالبة حركة أمل وحزب الله ومعهما تيار المردة بإزاحة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار عن ملف التحقيق.

ولفتت المصادر الموثوقة، الى انّ الاتصالات السياسية تحرّكت بشكل مكثف منذ ما بعد ظهر امس الاول الخميس، عكست من جهة هلع المستويات السياسية والرسمية من تطور الوضع الأمني، وانحداره الى ما هو أخطر واشمل. وعكست من جهة ثانية تشديداً على انّ ملف المحقق العدلي يجب ان يُحسم، وثمّة تعهّدات سياسية ورسمية قُطعت في هذا السياق، بالسعي لبلورة مخرج.

ووفقا لمصادر الثنائي الشيعي ل"الديار" فإن ما صدر في البيان المشترك لحركة امل وحزب الله يوم اول امس وما اكده مسؤولو الحركة والحزب خلال تشييع الشهداء امس يعبر بوضوح عن حرصهما على وأد الفتنة وتفويت الفرصة على الجهات المعروفة التي حاولت وتحاول اشعال الفتنة وهذا موقف ثابت ومؤكد لكن في الوقت نفسه فإن على الدولة والجهات المعنية فيها تسريع التحقيق والاقتصاص من المجرمين الذين افتعلوا هذه الجريمة ومن حرضهم ودبّر ورعى هذا الاعتداء على الابرياء.

وجددت «القوات اللبنانية» على لسان عدد من مسؤوليها رفض الاتهامات الموجهة اليها مؤكدة ان ما حصل هو مواجهة بين متظاهرين دخلوا بعض احياء عين الرمانة وفرن الشباك وحاولوا الاعتداء على الاهالي فردوا عليهم معتبرة ان ما جرى هو دفاع عن النفس من قبل ابناء المنطقة.

والأبرز، ما قاله وزير الداخلية بسام مولوي امس في حديث تلفزيوني معتبرا ان هناك احتمالا بأن يكون هناك تقصير من قبل الاجهزة الامنية من دون ان يتوسع في هذا الموضوع. واشار الى ان ما حصل في الطيونة»هو غير طبيعي ولم يكن يجب ان يتم».

في سياق متصل، أشار مصدر سياسي بارز، في حديث لصحيفة "الشرق الاوسط" إلى إن "هدوء العاصفة الدموية التي اجتاحت خطوط التماس على طول الطريق الفاصلة بين منطقتي الشياح وعين الرمانة لا يعني أن هذه العاصفة لا يمكن أن تهبّ مرة أخرى ما لم تتضافر الجهود لتطويق تداعياتها السلبية من خلال العودة إلى الاحتكام للدستور والتقيُّد بالقوانين للنأي بملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت عن التجاذبات الطائفية والمذهبية التي أحدثت انقساماً كاد يأخذ البلد إلى المجهول في ظل انحلال مؤسسات الدولة وإداراتها التي لم يبق منها سوى الجيش والقوى الأمنية التي تمكّنت من وأد الفتنة".

ولفت المصدر إلى أن "درء الفتنة في بلد كلبنان يقف على شفير الهاوية يتطلب أولاً تحييد هذا التحقيق عن الصراعات المذهبية وتصفية الحسابات السياسية التي كانت وراء الانقسام الدموي بين فريق يطالب بتنحّي المحقق القاضي طارق البيطار وبين آخر يرفض تنحّيه، فيما تصاعدت ردود الفعل الدولية المؤيدة لاستمراره في التحقيق لتحديد الجهة المسؤولة عن الانفجار".

ورأى أن تصويب مسار التحقيق وتصحيح بعض الخلل الذي أصابه لن يكون باللجوء إلى العنف أو استخدام القوة وإنما بتأكيد الفصل بين السلطات وعدم التدخُّل في التحقيق سواء بتهديد القاضي البيطار أو بلجوء فريق إلى توظيفه لتسجيل نقاط على الآخر، ورأى أن هذا يستدعي تصحيح بعض الخلل وصولاً للإقرار بمبدأ التوازن في ادعاءات القاضي طارق البيطار على عدد من المسؤولين وملاحقتهم لئلا يتذرّع الفريق المتضرّر من هذه الملاحقات بأنه اعتمد الانتقائية والاستنسابية في إصداره مذكرات التوقيف التي تعامل معها من ادّعى عليهم بأنها تدعوهم للارتياب المشروع.

وأكد المصدر نفسه أن المداولات التي جرت قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء وأدت إلى تعليق جلساته بعد أن دفعت المناقشات بين الوزراء باتجاه انتقال خطوط التماس من الشارع إلى داخل الحكومة، كانت قد طرحت بعض المخارج على قاعدة التقيُّد بمبدأ الفصل بين السلطات وعدم التدخل في القضاء، كما نقل وزراء عن لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وتابع أن الوزراء المحسوبين على حركة أمل وحزب الله أصروا في الجلسة على كفّ يد القاضي البيطار وطالبوا بتنحّيه فوراً، وهذا ما تسبب باندلاع اشتباك سياسي سرعان ما انتقل إلى الشارع وتحوّل إلى عسكري في منطقة حساسة جداً كانت قد انطلقت منها شرارة الحرب الأهلية عام 1975.

وكشف المصدر أن "المداولات التي جرت في الجلسة تمحورت حول تكليف وزير العدل هنري خوري، بالتعاون مع رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبود، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، بالتواصل مع البيطار في محاولة لإعادة تصويب مسار التحقيق وصولاً إلى تصحيح بعض الخلل الذي أصابه"، مشيرا الى أن "تصويب المسار يمكن بتبيان الأسباب التي أمْلت على البيطار الادعاء على الوزير السابق النائب نهاد المشنوق من دون الاستماع إلى أقواله أسوةً بغيره من المدعى عليهم، إضافةً إلى حصره الادعاء بعدد من الوزراء السابقين وبرئيس الحكومة السابق حسان دياب بخلاف اللائحة التي كان قد أعدها سلفه القاضي فادي صوّان وأورد فيها أسماء عدد من المشتبه فيهم".

وأشار إلى مطالبة الوزراء الشيعة بتصويب مسار التحقيق بحيث يشمل وزراء العدل السابقين ووزراء آخرين شغلوا وزارات منذ تفريغ حمولة الباخرة من نيترات الأمونيوم إلى حين انفجارها، إضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية من سابقين وحاليين والقضاة الذين أفتوا بتفريغ حمولتها، وبالتالي سمحوا بتخزينها بدلاً من التخلص منها، ورأى أنه لا بد من مساءلة رئيس الجمهورية ميشال عون للوقوف على ما لديه من معطيات، خصوصاً أنه كان قد أُعلم بوجودها قبل أسابيع من انفجارها.

وتابع أن هناك ضرورة للاستماع إلى أقوال الرئيس عون بعد أن أحجم عن إعلام المجلس الأعلى للدفاع عن وجود هذه المواد في المرفأ بذريعة أن لا صلاحية له بالتدخل لطلب التخلص منها، فيما رأس أخيراً الاجتماع الطارئ للمجلس الذي استمر لدقائق وانتهى بعدم السماح للقاضي البيطار بملاحقة رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا.

وفي هذا السياق، سأل المصدر السياسي :"كيف سمح عون لنفسه بإخضاع اللواء صليبا لإمرة المجلس الأعلى برئاسته مع أنه يتبع إدارياً ومالياً لرئاسة الحكومة ويخضع لإمرة رئيس مجلس الوزراء، خصوصاً أن دور المجلس الأعلى يبقى محصوراً في رفع التوصيات إلى مجلس الوزراء ولا يتمتع بصفة تنفيذية؟ وكيف أن هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل أفتت بإلحاق اللواء صليبا بمجلس الدفاع وأخضعته لسلطة رئيس الجمهورية ونائبه رئيس الحكومة، مع أنه لا صلاحية لعون تسمح له بالتدخل للتخلص من المواد المتفجّرة؟

وكشف المصدر أيضاً أن وزير العدل كان قد تنقل بين المقرات الرئاسية والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحمل اقتراحاً يقضي بأن تتشكل الهيئة الاتهامية العليا من 3 قضاة يتولون التواصل مع البيطار بهدف إعادة تصويب مسار التحقيق وإصلاح ما يعتريه من خلل في حال وجوده، لكن بري لم يأخذ به انطلاقاً من أنه لا يشكّل المخرج المناسب لأسباب عدة من بينها أن الاتفاق على تشكيل الهيئة برئاسة قاضٍ وتعيين عضوين فيها قد يراد منه تقطيع الوقت لتبريد الأجواء لفترة معينة من دون أن يؤدي إلى التجاوب مع ما يطالب به الوزراء الشيعة.

ورأى أن بري وإن كان يتحفّظ على المخارج المطروحة لإخراج الخلاف حول المحقق العدلي من الشارع وإعادته كمادة خلافية توكل إلى المؤسسات المولجة بإيجاد حل للنزاع، فهو في المقابل لن يبدّل موقفه، ما يعني أن الحكومة مهددة بالانفجار من الداخل في حال تعذّر الوصول إلى تسوية، وهذا ينسحب على المجلس الأعلى للدفاع الذي بات يستحيل انعقاده رغم أن عون ألحّ على دعوته للاجتماع فور اندلاع الاشتباكات، ولم يستجب ميقاتي لرغبته تحسُّباً لمقاطعة شيعية له أو تفادياً لحصول صدام سياسي في حال شارك فيه المعنيون من الوزراء الشيعة، واستُعيض عنه بتوجه ميقاتي إلى غرفة عمليات الجيش اللبناني في وزارة الدفاع حيث تابع الوضع بحضور وزير الدفاع العميد موريس سليم، وقائد الجيش العماد جوزف عون.

وحول مصير الحكومة في ظل هذه التطورات، لفت عضو كتلة التنمية والتحرير، النائب محمد نصراللّه، إلى أنّ،  "مجلس الوزراء لم يعيّن موعد جلسته المقبلة بعد، لكننا أمام شبه تعليق للجلسات، إلّا أنّ الحكومة أمام امتحانٍ كبير لجهة كيفية مواجهة هذا الاستحقاق الوطني، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح برعاية المؤسّسات الأمنية والقضائية".

وفي هذا السياق، طالب نصراللّه عبر جريدة "الأنباء" الإلكترونية بـ"حصر الأمور بمسارها، عبر تمكّن القوى الأمنية من إنجاز التحقيقات بسرعة، واعتقال المتسبّبين بالمجزرة التي حصلت، ومنهم القناصة ومَن خلفهم، أي مَن سلّحهم، ومن خطّط، ومَن اتَخذ قرار التنفيذ، خصوصاً وأنّ المسألة واضحة، إذ كل الضحايا ينتمون إلى طرفٍ واحد، وذلك بهدف وضع نهاية لما حدث".

وحول احتمال تطيير المستجدات الأخيرة الحكومة، تمنّى نصراللّه أن، "لا تطير الحكومة"، وقال: "بل نريد منها أن تعالج مختلف الأزمات، خصوصاً وأنّ الحكومة لا زالت جديدة، وفي أشهرها الأولى. وفي الوقت نفسه، نطالبها بتغيير المحقّق العدلي الذي تبيّن أنّ عمله استنسابي. فالقضاء لا يمكن أن يكون استنسابياً، وبإمكان مجلس الوزراء إيجاد الصغية القانونية اللّازمة للوصول إلى مخرج، فالأمر غير ميؤوسٍ منه".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o