Oct 14, 2021 6:32 AM
صحف

الحكومة تفشل في الاتفاق على موقف موحّد.. والجلسة أرجئت إلى أجل غير مسمّى

كما كان متوقعاً، فشلت الحكومة في الاتفاق على موقف موحّد حيال الاشتباك السياسي - القضائي، وأرجئت جلسة مجلس الوزراء إلى أجل غير مسمّى، ما أبقى ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت جمراً ملتهباً تحت الرماد السياسي. فيما خرجت الحكومة من هذه التجربة مُصابة بشظايا مباشرة ومهددة في تماسكها وربما في بقائها تبعاً لقرار ثلاثي حركة "امل" و"حزب الله" و"تيار المردة" تعليق المشاركة فيها. وأولى نتائج هذا التعليق كانت تطيير جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة امس لاستكمال البحث في المستجد القضائي، ومطالبة الثلاثي بإزاحة المحقق العدلي طارق البيطار عن التحقيق في انفجار المرفأ.

تكفي نظرة الى الوقائع المتدحرجة في المشهد الداخلي للتأكّد من أن لبنان يتجه مسرعاً نحو جهنّم التي وُعِد بها يوماً، وأن الطريق إليها باتت معبّدة بمفخّخات وفتائل انفجار رهيب. فلبنان في هذه الأيام عالق بين فكّي كماشة يضغطان على مصيره، فمن جهة الاهتراء الاقتصادي والمالي الذي استأنف مساره الانحداري، وعادت معه السوق السوداء الى دفع الدولار صعوداً وإلى مستويات فاقت العشرين الف ليرة للدولار الواحد وتبدو بلا سقف هذه المرّة، ومعها يستحيل على المواطن اللبناني المنهَك أن يلحق بلقمة عيشه وارتفاع اسعار أساسيّات حياته.

ومن جهة ثانية، مؤشرات السقوط الجهنّمي الاخطر التي تَتبدّى في الانقسام الافقي والعمودي حول تحقيقات المرفأ، والتي تجاوزت بُعدها القضائي الى استنفار سياسي واصطفاف طائفي يُنذر تفاعله بشرّ مستطير لا يبقي من البلد شيئاً ويُجهِز على كامل الهيكل. فيما اللبنانيون في حالة هلع غير مسبوقة من سيناريوهات مخيفة تلوح في الافق، يمهّد لها الحديث المتزايد عن انّ احتمالات التصعيد السياسي والاقتصادي والقضائي مفتوحة على كل شيء. وانّ التوقعات باتت تتجاوز كلّ ما هو أسود الى ما هو أكثر سواداً، حتى صار الانهيار واقعا مُعاشا في كل لحظة، والجريمة الكبرى تكمن في دفع البلد الى حافة المواجهة، ولكن مواجهة مَن، وبين مَن ومَن، ولمصالحة مَن، وعلى حساب مَن؟

كأنّ البلد يُساق هذه المرّة الى خشبة الإعدام، والمواطن اللبناني يبدو كأنه يخوض آخر معاركه؛ معركة البقاء على قيد الحياة. فما يحصل في البلد هذه الايام، يؤكد بما لا يقبل أدنى شكّ ان العقل الذي يفترض ان يتدبّر امر البلد بحكمة ومسؤولية قد استقال من وظيفته وترك البلد يتخبط بسوس الحساسيات والحسابات والمكايدات التي تستدعي الحريق على حساب وطن وشعب.

الواضح من الوقائع المحيطة بالاشتباك السياسي - القضائي حول تحقيقات المرفأ انّ البلد سقط في غضون ساعات قليلة في فرزٍ سياسي وقضائي وطائفي، بين فريق جَنّد نفسه في معركة مفتوحة يمكن وصفها بمعركة "كسر عظم" لإطاحة المحقق العدلي، وفريق تجنّد لتحصينه. وعلى ما توحي الوقائع المحيطة بهذا الفرز، فإنّ البلد مقبل على معركة حامية الوطيس يصعب من الآن تحديد نطاقها وتقدير تداعياتها والمدى الذي قد تبلغه تداعياتها في الأيّام المقبلة.

واذا كان ثلاثي أمل والحزب والمردة قد خسر معركة إزاحة المحقق العدلي طارق البيطار في مجلس الوزراء، فإنّ أجواء أمل و"حزب الله" تحديداً تَشي بمضيّهما في معركة مفتوحة في هذا الاتجاه، رفضا ًلما يُسميانه الاستهداف السياسي الذي يتعرّض له فريق بعينه، والتجمّع الذي دُعي اليه اليوم امام قصر العدل هو رسالة أولى تليها رسائل أخرى تندرج في سياق مسار تصاعدي بات مفروضا عليهما حتى إزاحة المحقق العدلي الذي يتهمانه بحَرف التحقيق عن مسار كشف الحقيقة والعدالة.

وقالت مصادر عين التينة لـ"الجمهورية" انّ "تحرّك اليوم أردناه صرخة مدوّية في وجه التسييس، وللتأكيد على تحقيق نزيه يظهر الحقيقة لا سواها، لأن البعض يعمل على حرفها الى مسارات وحسابات اخرى".

وذكرت مصادر الثنائي لـ"الجمهورية" ان لا عودة الى مجلس الوزراء قبل ان يتحمل مسؤوليته في مراعاة مصلحة البلد، والمسالة ليست مسألة عناد، فتعيين القاضي البيطار جاء بقرار من وزير العدل، وهو باستطاعته كما عَيّنه ان يبدله، وهذا يدخل ضمن صلاحياته، واي كلام خارج هذا الاطار هو تهرب من المسؤولية.

واشارت المصادر الى ان على مجلس الوزراء ان يتصدى لهذه الكارثة التي تطبخ ضمن اجندة خارجية ويجب وضع حد لها. ووزير العدل كما مجلس الوزراء يدرك تماما ان هناك نصا في القانون اسمه موازاة الصيَغ، يتيح لوزير العدل تغيير قراراته عند اقتضاء الحاجة، فالآلية القانونية تقول انه يتخذ القرار ويعرضه على مجلس القضاء الاعلى ليوافق عليه، وهذا من ضمن صلاحياته. ويقول النص القانوني انه عندما يقرر مجلس الوزراء احالة اي قضية على المجلس العدلي، يعيَُّن محقق عدلي بقرار من وزير العدل بموافقة مجلس القضاء الاعلى، وهو يقرر ولا يقترح. فليَقم بدوره الآن ويتحمل مسؤولياته ضمن النصوص القانونية. اما تنفيذ قراره فيعلق على موافقة مجلس القضاء الاعلى فليتخذ قراره كخطوة اولى. فليتخذ وزير العدل قراره لتكشف كل الاوراق بعده.

وعن دور مجلس الوزراء واحترام مبدأ فصل السلطات، قالت المصادر: لا احد يزايد علينا في القانون ولا في الدستور، مشكلتنا الان هي في اداء القاضي البيطار ولن نقبل ان يستمر في مهمته، ومجلس الوزراء عليه مسؤولية لمعالجة هذا الخلل، ونحن منفتحون على اي مخرج قانوني يؤدي الى استبدال البيطار وكفى الله المؤمنين شر الختام. ولا نريد تفجير الحكومة ولا انقسامها، فنحن نحذّر من امور اخطر من ذلك بكثير وعليهم ان يكونوا مقتنعين معنا. ولا كنّا ولا عشنا لكي نشارك في حكومة لا تتصدى لهذا المخطط الخطير.

وتقابَلَ ذلك حصانة يحظى بها المحقق العدلي من جهات سياسية ومدنيّة وروحيّة ومن ذوي شهداء المرفأ الذين يعتبرونه أميناً على كشف حقيقة من تسبب بالانفجار الكارثي في المرفأ، ويرفضون ايّ محاولة لإعاقة التحقيق والاستهداف السياسي لمهمة المحقق العدلي لمنعه من كشف المتورطين في جريمة تفجير المرفأ.

وفي هذا السياق تؤكّد مصادر على صلة بالتحقيق العدلي لـ"الجمهورية" ان "ما جرى في الايام الأخيرة يؤكد ان ثمة جهات ترفض الوصول الى الحقيقة وهي بذلك تثير الشبهة حولها، وانّ سياسة التهويل التي اعتمدت ضد القاضي البيطار لن تخضعه لهذا المنطق، بل ستزيده اصراراً على المضي في مسار كشف الحقيقة، وعدم الرضوخ أمام أيّ ضغوط".

وردا على سؤال قالت المصادر: ان ما حصل قدّم جرعة دعم اضافية وتحفيزية للمحقق العدلي للمضي في مسار التحقيق الذي انتهَجه، فيما لو قررت محكمة التمييز رد طلبات كف يده عن الملف المقدمة من النواب المدعى عليهم علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق والوزير السابق المدعى عليه يوسف فنيانوس.

وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإن الساعات التي تَلت رفع جلسة مجلس الوزراء امس الاول الثلاثاء شهدت محاولات مكثفة لبلورة مخرج للعقدة التي استجدت في وجه الحكومة، مع مطالبة ثلاثي "أمل" و"حزب الله" و"المردة" اتخاذ مجلس الوزراء قرارا حاسما ضد المحقق العدلي وإزاحته عن التحقيق في انفجار المرفأ. وتوزعت هذه الاتصالات بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري و"حزب الله" والوزير السابق سليمان فرنجية. وكذلك شملت مراجع قضائية. وتوازَت مع تواصلٍ جرى بين الرئيس بري ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان عبر فيه المفتي عن استياء بالغ من مسار التحقيق والتسييس الحاصل فيه

وتشير المعلومات الى ان تلك المحاولات باءت بالفشل، فثمة طرح قُدِّم بأن يصدر مجلس الوزراء توصية - غير ملزمة - يتمنّى فيها مراعاة التحقيق العدلي للاصول القانونية والدستورية، كما قُدِّم طرح آخر يقول ان يتوجّه مجلس الوزراء الى مجلس القضاء الأعلى بالتمنّي لاتخاذ ما يراه حيال ملف التحقيق. وثمة من تحدث عن صيغة مخرج قدّمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لوزير العدل، تقوم في جوهرها على مراعاة الاصول القانونية والدستورية. ولكن من دون ان يسجّل حولها اي تطور ايجابي. فيما نقل عن الوزير ان لديه اقتراحا يتكتم عليه يأمل ان يؤدي الى نتيجة ايجابية. وعلم في هذا السياق ان وزير العدل قدم مقترحا بمعالجة كل الملاحظات القانونية الموجهة من "امل" و"حزب الله" حول مسار التحقيق ضمن مجلس القضاء الاعلى عملا بمبدا فصل السلطات ومراعاة الاختصاص الا ان هذا الاقتراح فشل. كما اقترح مخرجا آخر يقول بالاحتكام الى هيئة تحكيمية تبت بالامر.

واللافت في هذا السياق موقف رئيس الجمهورية الذي يؤكد على الفصل بين السلطات وعدم التدخل في التحقيق القضائي، وبالتالي أي قرار في هذا الشأن من صلاحية المرجع المختص وليس مجلس الوزراء.

وفي موازاة تلك الطروحات، وكما تشير المعلومات، فإن موقف "أمل" و"حزب الله" و"المردة" كان متصلباً، في طرحه بضرورة ان يبادر مجلس الوزراء، ان كان هناك حرص جدي على التحقيق والوصول الى الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت، الى اتخاذ الموقف الذي يصوّب من خلاله المسار الذي يؤدي الى كشف هذه الحقيقة ومحاسبة المتورّطين الحقيقيّين في هذه الجريمة، ويحمي من خلاله الإستقرار الداخلي الذي يتهدّده تسييس التّحقيق. وثمّة خشية لدى "حزب الله" من أن يقود هذا التسييس إلى فَبركة اتّهام للحزب في هذه الجريمة التي لا علاقة له بها".

وبناء على ذلك، تقول المعلومات، اتخذ "الثلاثي" قرارا موحدا أبلغه الى رئيس الحكومة، ويقضي كخطوة اولى بعدم المشاركة في جلسة مجلس الوزراء التي كانت محددة بعد ظهر امس. ورابطا مشاركته في الجلسات التالية للحكومة، او البقاء في الحكومة، بإيجاد حل جذري لهذه المسألة.

وفي موازاة عدم التمكّن من الوصول الى مخرج تم الاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على تأجيل جلسة مجلس الوزراء من دون أن يتحدّد موعد لجلسة ثانية.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o