Sep 21, 2021 7:03 AM
مقالات

حكومة لبنان في الزمن الفرنسي الرديء

كتب العميد الركن خالد حماده في "اللواء":

من حق اللبنانيين أن يكون لديهم حكومة قادرة على وضع السياسات العامة وصياغة الخطط، حكومة تتحلى بالشجاعة لتسميّة الأشياء بأسمائها وإعادة الإعتبار للمؤسسات وتأمين الأمن الإجتماعي وتفعيل أجهزة الرقابة، وليس حكومة لكسر تقليد تصريف الأعمال الذي أضحى عُرفاً يضاف إلى عرف الشغور الرئاسي، الذي بدأ مع العماد عون عام 1988 ولا زال يتكرر بصور مختلفة تمديداً وشغوراً خلافاً للدستور. في مطلق الأحوال ومهما اختلفت الظروف فالتعثّر في إنتاج السلطة في نظام برلماني ديمقراطي، سواء على مستوى رئاسة الجمهورية أو في تشكيل الحكومات تتحمّل مسؤوليته السلطة التشريعية التي أعطاها الدستور دون سواها حق الرقابة والمحاسبة، ولكن ماذا يرجو اللبنانيون من مجلس نيابي ينتجه تحالف أصحاب المصالح في الإنتخابات ويتحوّل في ما بعد إلى شراكات قسرية محكومة بالتناحر على المال العام والفشل المؤكّد.

عكس البيان الوزاري الذي تقدّمت به الحكومة ميزان القوى الذي أدّى لتشكيلها، وعكست العموميات التي حكمت فقراته كافة غياب الموضوعية والدروس المستفادة من الإخفاقات السابقة. ودون التوقف عند دعم الجيش والقوى الأمنية في «ضبط الأمن على الحدود وحق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال بدلاً من «دعم الجيش في الدفاع عن الحدود وحق اللبنانيين في مقاومة الإحتلال إلى جانب جيشهم»، غاب عن الفقرة المتعلّقة بالطاقة كلّ ما يتعلّق باستجرار الكهرباء من الأردن ونقل الغاز المصري إلى لبنان للتخفيف من العبء المالي الملقى على المال العام وودائع اللبنانيين. وعلى العكس من ذلك، أكّد البيان الوزاري على منصات تخزين وإعادة تغويز الغاز السائل (FSRU) التي تؤكّد دراسات الجدوى كلفتها العالية والتي كانت السبب الأساس في انهيار المحادثات مع البنك الدولي. هذا بالإضافة أنّ البيان الوزاري لم يتطرق إلى تعيين الهيئة الناظمة للطاقة - التي رفض الوزير باسيل تعيينها والتي كانت في صلب مطالب البنك الدولي لدعم قطاع الطاقة - مما يؤكّد أنّ هذا القطاع هو أحد المحرمات التي يُحظر على الرئيس ميقاتي وحكومته مقاربتها من خارج رغبات ونزوات الوزير جبران باسيل. 

 

لم يكن أحد من النواب أو من اللبنانيين بحاجة لسرديّة البيان الوزاري للتعرّف إلى المشاكل والأزمات التي يعانيها لبنان على الصعد كافة. تكلم النواب كشهود زور عن التهريب عبر الحدود والإحتكار وأزمة الدواء والتعيينات ليس بتجهيل المسؤولين عن كل ذلك، بل بمحاولات التبرؤ مما وصلت إليه البلاد، والتذكير ببطولات ومواقف سابقة وإلقاء اللوم على من لم يأخذ بها. لم يفوّت النائب حسن فضل الله من كتلة الوفاء للمقاومة الفرصة للتذكير بأقراصه المدمجة الدائمة الحضور في كلّ المناسبات، والتي تتضمّن معلومات قيّمة عن الإرتكابات والتقصير والهدر والفساد والتي أُودعت القضاء المختص دون جدوى، كذلك بمشاريع القوانين التي أعدّتها كتلته وأهملها المجلس النيابي، مما يدفع للتساؤل الدائم عمن يمتلك القدرة لمنع فريقه السياسي القادر على تحقيق ما يريد عنوّة أو بالوسائل الدستورية؟

 

المداخلة الأكثر صفاقة بالشكل والمضمون كانت مع  الوزير السابق جبران باسيل الذي بدا عازماً على إحراج الرئيس ميقاتي أمام وزرائه وأمام المجلس النيابي بأنّ هذه الحكومة صنعت وفقاً لمقاييسه، وعكست عباراته إستخفافاً واضحاً برئيس الحكومة من خلال إستعراض إلتزام الرئيس ميقاتي بكلّ الإملاءات التي أُلقيت عليه بدءاً من إلتزام تعليمات رئيس الجمهورية وتوزيع الحقائب وتسميّة الوزراء وإدراج كلّ ما أراده باسيل في البيان الوزاري وصولاً إلى القول صراحة بأنّ الرئيس ميقاتي بذلك إحترم نفسه، منهياً هذه السردية المهينة بالتوجّه إلى الرئيس ميقاتي « عم نحكي عنك بالمنيح دولة الرئيس». وأمام ما أبداه الرئيس ميقاتي من إمتثال سيمنح التيار الوطني الحر الثقة للحكومة.

 

تنطلق الحكومة مكبّلة ومحدودة القدرة على الإصلاح بسبب أثقال الإلتزامات السياسية التي تحملها، وقد لا تكون أوفر حظاً على مستوى حرية العمل مع الخارج. صهاريج النفط الإيراني كانت النموذج لما يمكن أن يتعرّض له رئيس الحكومة الذي لم يملك أمامه سوى التعبير عن الإحراج والحزن في الإختبار الذي أجرته له شبكة CNN. وليس من قبيل الصدفة تزامن ذلك مع الإعلان عن تلزيم التنقيب عن النفط والغاز لشركة « هاليبرتون» الأميركية في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. هذا بالإضافة أنّ الشروط التي فرّضت على ميقاتي في تشكيل الحكومة لم تحظَ على ما يبدو بموافقة أميركية بل أتت تجاوباً مع رغبة فرنسية نقلها مدير المخابرات الخارجية الفرنسية « برنارد ايمييه» للرئيس ميقاتي بإتصال هاتفي، وهذا ما سيجعل مناورة الحكومة الخارجية عربياً ودولياً محدودة، وربما معدومة في الوقت الذي تعيش فيه العلاقات الفرنسية الأميركية والعلاقات الفرنسية الأوروبية ولاسيما البريطانية والسويسرية زمنها الرديء.

لا توحي الظروف التي رافقت تشكيل الحكومة بإمكانية استعادة التواصل السهل مع الدول العربية أو مع المجتمع الدولي، وقد تتحمّل الحكومة ويتحمّل معها لبنان تبعات السقطات الكبيرة لسياسة الرئيس ماكرون الذي لم يخرج بعد من عقدة الدولة الكبرى ذات التاريخ الإستعماري ولم يستفد كثيراً من الدروس المستقاة من التجارب السابقة مع الولايات المتّحدة. وقد تتحوّل الحكومة في ظلّ التعقيدات المرتقبة إلى حكومة لترميم وتعويض خسائر المنظومة السياسية ومحاولة التجديد لنفسها في الإنتخابات النيابية المقبلة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o