May 14, 2018 2:00 PM
اقتصاد

دراسـة حديثة لفرنسَبنك عن نتائج مؤتمر "سـادر":
زيادة الاستثمارات شرط لزيادة النمو وضبط المديونية

المركزية- أنجز مركز الدراسات الاقتصادية التابع لفرنسَبنك دراسة حديثة تحمل عنوان "لبنان بين إصلاحات  "سادر" واختلالات الاقتصاد"، والتي تتضمّن قراءة في نتائج مؤتمر "سادر"، والإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة، والاختلالات القائمة في الاقتصاد اللبناني، وتوصيات للسياسة العامة.

وترى الدراسة أن انعقاد مؤتمر "سادر" ونتائجه لا سيما لناحية إقرار مساعدات مالية كبيرة بقيمة 11.6 مليار دولار، شكّل صدمة معنوية كبيرة للبنان، إذ عكست ثقة المجتمع الدولي بالبلد وبقدرته على تجاوز الصعاب والتحدّيات الماثلة والمستقبلية التي يواجهها وسيواجهها خلال المرحلة المقبلة.

وأوضحت أن "الدولة اللبنانية هي اليوم أمام تحدٍّ حقيقي لإثبات قدرتها على الوفاء بالتزامات مؤتمر "سادر"، وتحديداً تطبيق الإصلاحات المالية والهيكلية والقطاعية المطلوبة من قبل الدولة والمنظمات الإقليمية والعالمية المانحة التي شاركت في المؤتمر.

وأكدت الدراسة أن السلطات اللبنانية يجب أن تركّز على تكبير قاعدة الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تنشيط حركة القطاعات الاقتصادية الأساسية وتحديداً السياحة، والعقارات، والبناء، والصناعة، والقطاع المصرفي. فالاقتصاد الوطني بحاجة إلى معدلات نمو عالية تلامس 7 - 8% سنوياً في السنوات المقبلة كما حصل في بعض السنوات السابقة، وليس معدلات نمو ضعيفة في حدود 1- 2% وهي المعدلات السائدة في السنوات الأخيرة. وإن معدلات النمو الاقتصادي العالية المطلوب تحقيقها هي ضرورية من أجل تقليل معدل البطالة المرتفع حالياً في حدود 20% بشكل عام بحسب تقديرات البنك الدولي وفي حدود 30% بين الشباب وفق اليونيسف. وزيادة فرص العمل في الاقتصاد الوطني بشكل متواصل خلال السنوات المقبلة يشكّل صمّام الأمان للاستقرار الاجتماعي في لبنان.

وأشارت الدراسة إلى أن لبنان بحاجة إلى ترشيد الإنفاق الاستهلاكي، وإلى تحسين الإمكانات التصديرية وضبط نمو الاستيراد الوطني، وفي الوقت ذاته ترشيق حجم القطاع العام، وزيادة الاستثمارات الخاصة والعامة. إذ أن الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد استهلاكي، ويعتمد بشكل كبير على الإنفاق الاستهلاكي للقطاع الخاص الذي يشكّل نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما حجم القطاع العام يكبر إذ أن مساهمته الاقتصادية باتت تقارب 26% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا في الوقت الذي يساهم الإنفاق الاستثماري الخاص بنحو 42%، فيما صافي التصدير أو العجز التجاري يساهم سلباً بنحو 38% من الناتج ذاته.

وتحدّثت الدراسة عن ضرورة تركيز السلطات اللبنانية على السيطرة على عجزين أساسيين يواجهان لبنان، الأول هو العجز الخارجي المتمثل في كبر حجم العجز التجاري نظراً إلى تفوّق قيمة الاستيراد الوطني (23 مليار دولار لعام 2017) على قيمة التصدير الوطني (3 مليارات دولار فقط للعام ذاته). أما العجز الثاني فهو العجز الداخلي المتمثل في عجز المالية العامة للدولة الذي بلغ 3.8 مليارات دولار لعام 2017 بسبب تفوّق قيمة النفقات العامة (15.4 مليار دولار) على قيمة الإيرادات العامة (11.6 مليار دولار). علماً أن الجزء الأعظم من هذه النفقات وتحديداً نحو 92% هي نفقات جارية غير منتجة لأنها تتوزّع بين رواتب وأجور القطاع العام، وتحويلات مالية إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وفوائد على الدين العام. وهذه العجوزات المالية تغذي نمو الدين العام الذي قارب 80 مليار دولار في نهاية العام 2017 والذي ينمو سنوياً بأكثر من 5 - 6%. وتعتبر نسبة هذا الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مرتفعة وهي تقارب 150%، كما أن نسبة العجز المالي إلى هذا الناتج تعتبر هي الأخرى مرتفعة وهي بحدود 8% كما في نهاية العام 2017.

وشددت الدراسة على أهمية زيادة الاستثمارات العامة والخاصة في قطاعات البنية التحتية مثل الكهرباء والاتصالات والطرقات والمياه وغيرها، من أجل تحديثها وتطويرها كي تلعب دوراً مساعداً في تحريك معدلات النمو الاقتصادي صعوداً. علماً أن قطاع الكهرباء يحتاج إلى إصلاح حقيقي، حيث صرف عليه أكثر من 13 مليار دولار منذ العام 1991 وما زال يستنزف مالية الدولة العامة، حيث أن تحويلات الدولة إلى مؤسسة كهرباء لبنان بلغت نحو 1.3 مليار دولار لعام 2017 أي نحو 34% من أصل قيمة العجز المالي ونحو 8.4% من قيمة النفقات العامة، وهو بالتالي يغذّي نمو الدين العام. ومن الضروري زيادة الاستثمارات العامة والخاصة في قطاع الكهرباء، وتحديداً في إنشاء وحدات إنتاجية جديدة من أجل زيادة عرض الطاقة الكهربائية لتلبّي احتياجات الطلب المتزايد عليها. كذلك إن قطاع الاتصالات، المفترض أن يوفّر للخزينة العامة إيرادات كبيرة، لا يؤمّن أكثر من 1.3 مليار دولار أي نحو 11.2% من الإيرادات العامة. وإن إصلاح قطاع الاتصالات يتطلب تحريراً له بحيث تزداد المنافسة بين شركات القطاع الخاص التي ستدخل إليه، وتساهم في تحديث وعصرنة وتطوير هذا القطاع الحيوي ومساهمته الاقتصادية.

وشددت الدراسة على ضرورة قيام السلطات اللبنانية بإجراءات وتدابير حازمة وجدّية وفعّالة من أجل ضبط وتقليل الفساد، والتهرّب الضريبي (المقدّر بنحو 4 مليارات دولار أو أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي)، والتهرّب الجمركي، وأيضاً معدل الجباية المتدني للأموال العامة وخصوصاً في قطاعات المياه والكهرباء (المقدّر بنحو 40% فقط للكهرباء). ومما لا شك فيه أن هذه المصادر تفوّت على الاقتصاد اللبناني موارد مالية يمكن أن تدعم المالية العامة للدولة والناتج المحلي الإجمالي ونموّه.

وشددت الدراسة على أهمية تنبّه السلطات اللبنانية إلى مفاعيل إمكانية زيادة معدلات التضخم في السنوات المقبلة، عند ضخّ أموال "سادر" (في حال تطبيق الإصلاحات المطلوبة) في الاقتصاد الوطني، وفي حال تم رفع معدلات بعض الضرائب الحالية مثل الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على المحروقات وتطبيق تعرفات جديدة في قطاعيّ الكهرباء والمياه. أضف إلى ذلك تكاليف سلسلة الرتب الرواتب، المقدّرة بنحو 1.8 مليار دولار بدلاً من 800 مليون دولار كما كان متوقعاً في البداية. وكذلك لمفاعيل إمكانية زيادة معدلات الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث أن نحو 93% من مساعدات "سادر" هي في شكل قروض و7% فقط في شكل هبات. فمعدلات التضخم العالية تصيب مفاعيلها القطاعات الاقتصادية والنمو الاقتصادي ومستوى المعيشة.

وأكدت الدراسة أهمية تركيز الدولة على إطلاق المشروعات الاستثمارية الخاصة في قطاع النفط والغاز في أسرع وقت ممكن، لأن من شأن ذلك تنويع البنية الاقتصادية، وزيادة مصادر الدخل الوطني وأيضاً الدخل الفردي، وبالتالي تمتين ركائز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان مستقبلاً".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o