Jun 18, 2021 11:48 AM
مقالات

الدولة العاجزة ... نحو وصاية خارجية؟

كتب أديب ابي عقل

المركزية- من المعروف أن الحروب او التوترات والخلافات الداخلية في دول كلبنان، تنعكس أوضاعاً صعبة على ابنائها بفعل الانهيار الذي تؤدي اليه ممارسات أهل السلطة في كل المجالات، ولا سيّما المعيشية منها التي تمسّ الحياة اليومية، في حين ان السلام والسلم الداخليين، والتفاهم الوطني في حده الأدنى، بغض النظر عن الاختلاف السياسي المطلوب في الأنظمة الديموقراطية، يستجلب ازدهاراً اقتصادياً يؤمّن نمط عيش مستقر يطمئن الى الغد والمستقبل.

مناسبة هذا الكلام، هي تأمُّل في الواقع اللبناني الذي يزداد انحداره، وكأن المسؤولين على عجلة من أمرهم في تنفيذ قرار الاجهاز على ما تبقى من عناوين الدولة ومقوماتها، وإسقاط مؤسساتها الواحدة تلو الاخرى، على رغم صرخات التحذير التي أطلقها رؤساء هذه المؤسسات، منذ ما قبل ١٧ تشرين وحتى اليوم، من أن عدم تنفيذ إصلاحات، وصولاً الى أهمية وضرورة تأليف حكومة، سيؤدي الى الوضع البائس الذي نعيشه اليوم.

ذلك ان دعوات الدول المهتمة بلبنان -أكثر ممّا هو مهتم بنفسه- والهيئات والمنظمات الدولية، إلى وجوب تأليف حكومة اختصاصيين، كي تتمكن من تقديم المساعدات عبرها الى الدولة، لم تلقَ آذاناً صاغية، بل زادت في تشنج المواقف، وافشال المبادرات الخارجية من فرنسا عبر رئيسها إيمانويل ماكرون، والداخلية عبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ما جعل الخارج يعلِّق تعاطيه مع المسؤولين اللبنانيين، ويقرر تقديم المساعدات إلى الشعب اللبناني مباشرة.

في الموازاة، يتّجه الاتحاد الأوروبي، بعد فرنسا، في الأيام المقبلة إلى حزمة عقوبات تستهدف شخصيات ومسؤولين لبنانيين، تبدأ بتجميد الحسابات المصرفية للأصول والفروع، وتنتهي بمنع الدخول إلى دول الاتحاد.

والاستثناء الوحيد في موضوع المساعدات، هو الجيش، المؤسسة الوطنية الجامعة الأم، التي لحقت بها قساوة الوضع، حيث استضافت باريس مؤتمراً دولياً افتراضياً لدعم الجيش في الغذاء والدواء، قبل السلاح والعتاد، لأنه صمّام الأمان للبنان كوطن وكيان، وحامي الأمن والاستقرار.

ولا يخجل المسؤولون بإزاء الأوضاع المزرية، من الاستمرار في المواقف الاستعراضية والعراضات الإعلامية بالإصرار على مكافحة الفساد، فيما المطلوب بات أقلّ من ذلك بكثير، لو أرادوا، وهو منع تهريب المحروقات والمواد الغذائية المدعومة من أموال اللبنانيين، بما يوفّر مليارات الدولارات، التي تمكّن مصرف لبنان من الاستمرار في دعمها، بدلاً من أن "يبشّر" بعض الوزراء المعنيين بهذه المواد، بالارتفاع الجنوني في أسعارها لأنّ الدعم سيتوقف، قائلين بوقاحة وبلا خجل، إن المقتدرين يدفعون ، أما غير المقتدرين فليتدبروا وسائل أخرى...

أية دولة هذه تحترم نفسها وتحترم شعبها، يتشدّق بعض المسؤولين فيها بالإصلاح ومحاربة الفساد، وهم عاجزون عن ضبط التهريب والقائمين به ومن خلفهم، خصوصاً انهم معروفو الهوية والحماية؟

أية دولة هذه، لا يتنازل المسؤولون فيها عن عنادهم ومكابرتهم وحساباتهم الشخصية، ويسعون الى تأليف حكومة مهما كان شكلها، وتوزيع القوى فيها، لتعمل على الأقل على وقف الانهيار ومعاناة الشعب اللبناني، الذي يقف في طوابير الذلّ والمهانة، للحصول على المحروقات أو الرغيف أو الدواء؟

أية دولة هذه، كل المخالفات والأعمال غير القانونية فيها باتت "مشرّعة" وسائدة بفعل الامر الواقع، فيما القانون الذي يجب ان يسود مغيَّب، والشرعية الحامية لهذا القانون غائبة؟

أية دولة هذه، كل منطقة فيها "دولة على حسابها"، وبعض قادتها وزعاماتها يتحدث عن ضرورة القيام بإصلاحات ومحاربة الفساد، وهو غارق فيه، والبعض الآخر يستبيحها بلغة التهديد والوعيد؟

أية دولة هذه، وبعض المسؤولين فيها، لا همّ له سوى الاستحقاقات المقبلة وأهمها الرئاسي، والبعض الآخر لا يرى سوى ما يريده الخارج شرقاً وغرباً على الارض اللبنانية ويعمل على تنفيذه؟

أية دولة هذه، لا يستطيع المسؤولون فيها، استكمال تشكيل السلطة القضائية، التي تضبط العدالة وتعطي كل صاحب حق حقه، ولا تعزز الجيش الذي واجه ويواجه الاٍرهاب ويحفظ الأمن في الداخل وعلى الحدود؟

لائحة الأسئلة والتساؤل طويلة وطويلة...في دولة صنّفها العالم فاشلة وفي حاجة الى وصاية...ولم يعد امام اللبنانيين سوى خيار من اثنين : إما الانتفاض بعيداً من اي انتماء والوقوف صفاً وطنياً واحداً موحداً لمواجهة هذا الواقع والمسؤولين عنه، وإما البقاء في القهر والبؤس والذل، وعدّ الأسابيع والايام، في انتظار "حلول" من الخارج لن يكون أمامهم خيار سوى تطبيقها وهذه المرة بحذافيرها.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o