May 10, 2018 3:09 PM
خاص

صناديق الاقتراع تستحضر صائب سلام:
أهلا بكم في مجلس "لا غالب ولا مغلوب"

المركزية- بعد طول انتظار، تجاوز لبنان بنجاح قطوع الاستحقاق النيابي الأول منذ 9 سنوات. هي  أول انتخابات يصوت خلالها الناخبون اللبنانيون على أساس النسبية، وإن كان القيمّون عليها طعمّوها بصوت تفضيلي أكثري، عطل بعضا من مفاعيل النسبية.

غير أن لعنة القانون المعقد حلت بقوة على واضعيه في اليوم الانتخابي الطويل، فانعكست إقبالاً ضعيفاً على صناديق الاقتراع أدى إلى إبقاء القديم على قدمه بالاجمال، وإن كان بعض التحليلات التي يمكن اعتبارها متسرعة انبرى إلى الكلام عن أن انتخابات 2018 قلبت موازين القوى النيابية لصالح حزب الله، وهي نظرية لم يتأخر الاعلام الغربي في تبنيها، ذاهبا إلى التحذير من انعكاسات هذه النتيجة على الواقع السياسي اللبناني.

غير ان مصادر سياسية تبدو حريصة، عبر "المركزية" على ضخ بعض التفاؤل في أجواء لبنان في مرحلة ما بعد الانتخابات، معتبرة أن البرلمان الحديث الولادة متوازن، خصوصا إذا صحت المعلومات المتداولة أخيرا عن اتجاه بعض الشخصيات المناهضة للحزب إلى العمل على تشكيل كتلة نيابية تلم شملهم، بما يعطي وجودهم البرلماني بعدا أكبر وأهم في الاستحقاقات الكبيرة.

وفي السياق، تذكر المصادر بأن حجم كتلة الوفاء للمقاومة التي تضم نواب حزب الله لم يسجل تغييرا كبيرا (بل ارتفع من 12 إلى 14)، تماما كما كتلة التنمية والتحرير التي يلتقي فيها النواب الدائرون في فلك الرئيس نبيه بري التي زاد عدد أعضائها وبلغ 17 نائبا، بعدما كان هذا الرقم يقف عند حدود 13 في البرلمان السابق.

ولا يغيب عن بال المصادر التذكير بأن هذه النتائج حققها الثنائي الشيعي في مناطق نفوذه المعهودة، أي الجنوب (بما فيها جزين التي كسب فيها النائب المنتخب ابراهيم سمير عازار المعركة الشرسة التي خاضها في مواجة النائب أمل أبو زيد الذي حظي بتأييد التيار الوطني الحر)، لافتة إلى أن حزب الله حاول إثبات وجوده في مناطق أخرى، فكان أن مُني بخسائر سياسية وشعبية. وهنا تبقى دائرتا جبيل- كسروان وبعلبك الهرمل مضرب المثل. ذلك أن في قضاء جبيل الذي يضم مقعدين مارونيين وواحدا شيعيا، غافلت الضاحية حليفها البرتقالي التقليدي، بإعلان تأييد ترشيح الشيخ حسين زعيتر، ما انعكس استياء جبيليا عبرت عنه صناديق الاقتراع وأدى إلى فوز المرشح مصطفى الحسيني على حساب زعيتر أولا.

أما في ما يخص بعلبك - الهرمل، فهي قد تكون الدائرة الوحيدة التي فعلت فيها النسبية فعلها. ذلك أن خصوم حزب الله استفادوا  من القانون الجديد، ليواجهوه في واحد من أهم معاقله، وكسبوا الرهان، بدليل نجاح القوات اللبنانية في تحقيق انتصارها الانتخابي الأهم بنقل أنطوان حبشي من رئيس جهاز التنشئة في الحزب إلى ممثل له في ساحة النجمة، ما يشكل ضربة لما اعتبر طويلا "نفوذ الحزب الذي لا يمس في بعلبك الهرمل". علما أن لائحة فتوش التي دعمها الحزب في زحلة لم تتمكن من تأمين حاصل انتخابي، ما يعني أن إرادة الحزب لم تلق سمعا وطاعة في عروس البقاع أيضا.

وفي ما يتعلق بتيار المستقبل، فلا تخفي المصادر أنه خاض معارك شرسة وكبيرة في مواجهة كثير من معارضيه، أولهم الرئيس نجيب ميقاتي واللواء أشرف ريفي، ورجل الأعمال فؤاد مخزومي الذي انتهى به الأمر ممثلا عن بيروت الثانية في الندوة البرلمانية، مشيرة إلى أن منازلات شرسة دارت في هذا الاطار في العاصمة وفي طرابلس، وإن كان اللواء أشرف ريفي فاجأ الجميع بخروجه خاسرا من حلبة الصراع. وفي هذا السياق، تنبه المصادر إلى ضرورة مقاربة النتائج الزرقاء بشيء من التروي. ذلك أن انخفاض عدد أعضاء كتلة المستقبل لا يعني أن الرئيس الحريري خسر شيئا من سيطرته على المشهد السني العام، خصوصا أن نواب ميقاتي هم من الأقليات الطرابلسية، في مقابل فوز المستقبل بعدد من المقاعد السنية، التي فشل ريفي في كسبها لأسباب عدة.

وفي مقابل بعض خسائر الحريري، حقق التيار الوطني الحر هدفه من اعتماد النسبية في قانون الانتخابات، فكان أن تمكن المسيحيون من ايصال نوابهم بأصواتهم التفضيلية في عدد من الدوائر، ما انعكس ارتفاعا في عدد أعضاء تكتل التغيير والاصلاح من 20 في برلمان 2009 إلى 29 في برلمان 2018، علما أن هؤلاء الـ 29 سيشكلون "تكتل لبنان القوي" الذي يضم النواب البرتقاليين الملتزمين، إضافة إلى حلفاء التيار الذين خاضوا إلى جانبه الانتخابات كالوزير طلال إرسلان والنائبين المنتخبين ميشال معوض ونعمة إفرام وحزب الطاشناق، علما أن إرسلان والعونيين نجحوا في تكريس حضورهم في دائرة الشوف- عاليه. وفي هذا السياق، تعتبر المصادر أنهم أصابوا عصفورين بحجر واحد، بمعنى أنهم ربحوا المعركة من جهة، وسببوا خسائر لكتلة النائب وليد جنبلاط، من دون أن يحمل ذلك أي تهديد لزعامته التاريخية، أو لحلفه الدائم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

على أن الانتصار المدوي الأهم في استحقاق 6 أيار هو من دون أدنى شك ذاك الذي حققته القوات اللبنانية، فضاعفت عدد ممثليها في مجلس النواب من 8 إلى 16 على رأسهم النائب المنتخب أنطوان حبشي الذي استشف البعض بين سطور فوزه صفعة قوية من معراب إلى الضاحية. وهنا، تلفت المصادر إلى أن معراب حققت هذه النتائج "المشرفة" بقوة ذاتية، وإن كانت التحالفات التي نسجتها مع الكتائب عادت عليها، وحيدة بالفائدة، على عكس ما كانت الصيفي تأمل فيه، بدليل أن النائب القواتي  المنتخب فادي سعد أخرج النائب الكتائبي سامر سعادة من مجلس النواب، تماما كما لن يكون النائب الكتائبي الزحلي ايلي ماروني من بين أعضاء المجلس النيابي الجديد.

غير أن تقلص عدد أعضاء الكتلة الكتائبية (من 5 إلى 3) ليس النتيجة الوحيدة التي انتهى إليها اليوم الانتخابي بالنسبة إلى رئيس الكتائب النائب سامي الجميل. ذلك أنه تفوق تفضيليا على جميع منافسيه في المتن، في وقت نجحت اللائحة التي يدعمها مع النائب السابق فارس سعيد والنائب المنتخب فريد هيكل الخازن في كسب المنازلة الجبيلية الشرسة مع حزب الله، مطيحا المرشح حسين زعيتر. وإذا كان البعض يعتبر أن النتيجة التي حققها الكتائبيون في الانتخابات النيابية تعد ضربة قاسية للمعارضة التي حرص الجميل مرارا على إبراز فاعليتها، فإن معلومات صحافية تفيد عن اتجاه إلى ضم المستقلين ونواب الكتائب في كتلة واحدة تلعب الدور المعارض الذي نجح رئيس الكتائب في تأديته على مدى عامين، تماما كما تحفل الكواليس السياسية بكلام عن استعدادات لإنشاء كتلة يجتمع فيها الرئيس بري والرئيس ميقاتي والحزب الاشتراكي وتيار المردة (الذي أبقى على 3 نواب) لخوض المعارك  السياسية من موقع "مواجه" للعهد وحلفائه. فأهلا بكم في مجلس "التوازن الدقيق" على طريقة "لا غالب ولا مغلوب"، تختم المصادر.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o