May 18, 2021 11:45 AM
مقالات

لبنان وغزة ... ما أشبه اليوم بالبارحة

كتب أديب ابي عقل

المركزية- من يتابع مجريات الاعمال العسكرية في غزة، لا يحتاج الى كثير عناء لإدراك ماهية الأهداف الإسرائيلية، في صورة مستعادة ونسخة جديدة عن عدوان العام ١٩٨٢، وعنوانها الأساسي تدمير البنى التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك عدوان العام ٢٠٠٦، ضد لبنان أيضاً، بما يؤدي سياسياً، إلى رسم مسار المنطقة لعقود مقبلة.

إلا أن الثابتة الوحيدة في هذه الاعتداءات، هي الثمن الذي يدفعه المدنيون العزّل الأبرياء، من دماء أبنائهم وأطفالهم، على طاولة التفاوض المباشر وغير المباشر، الذي بدأ على أكثر من محور، وهو في كل مندرجاته، تحت العنوان العريض، المتعلّق بالاتفاق النووي ومحادثات فيينا بين الأميركيين وحلفائهم الدوليين وإيران.

وهذا الاتفاق، الذي تُجرى في موازاته مفاوضات سعودية-إيرانية- سورية، يكشف مدى التفاهم على توسيع دائرة المعنيين به، خصوصاً وأن وجود قوى على الارض تمثل هؤلاء، بات يفرض حكماً، إدخال دورهم الإقليمي بنداً رئيسا في هذه المحادثات.

فإيران تواصل المفاوضات مع المجتمع الدولي، وفي يدها أوراق "الحوثيين" و"حماس" و"حزب الله"، وبدأت مفاوضاتها مع السعودية "على البارد"، ومع الولايات المتحدة عبر اسرائيل "على الحامي"، فيما لبنان الرسمي، مستسلم بالكامل للمشيئة الإيرانية، ولم يكلف المسؤولون فيه أنفسهم، عناء الطلب الى طهران، الإفراج عن الوضع الداخلي المأزوم، سياسياً واقتصادياً، والمتفلت أمنياً، والتهريب قائم على قدم وساق عبر حدوده السائبة.

ما أشبه اليوم بالبارحة...

لا شك في أن الجميع دخلوا مرحلة انتظار نتائج العدوان الاسرائيلي وآفاقه وأبعاده. واذا كان نتنياهو، الذي فشل في تأليف الحكومة الجديدة في اسرائيل، يرمي إلى استجلاب اليمين المتطرف إلى جانبه من خلال العدوان -الذي لم يحقق غير التدمير- فإن الفلسطينيين مصمّمون على المواجهة، ومجرّد صمودهم، على رغم المجازر الإسرائيلية، يشكل انتصاراً لهم، إلا أنه قد لا يتم صرفه في سوق السياسة والمفاوضات، على الأقل راهناً.

وما يعزّز الاقتناع بأن التوجه بات واضحاً نحو رسم واقع جيوسياسي جديد في المنطقة، هو الموقف العربي الذي يدين العدوان في المواقف والتصريحات، من دون أي تحرك عملي كالدعوة إلى قمة طارئة من اجل غزة، كما حصل في العام ٢٠٠٩.

 وتلك القمة لم يكتمل نصاب الحضور فيها، ما حدا بالرئيس اللبناني آنذاك العماد ميشال سليمان إلى طلب تغيير تسميتها من "القمة العربية لأجل غزة" الى "القمة من أجل غزة،" وعارض وحده آنذاك التوجه الى تعليق المبادرة العربية للسلام، داعياً الى إبقائها قائمة لفترة معينة -وهذا ما حصل-، يتم في خلالها تحرك عربي ديبلوماسي، في اتجاه الدول الكبرى، لمطالبتها بالضغط على اسرائيل لتنفيذها، على اعتبارها الفرصة الاخيرة الوحيدة للسلام الحقيقي العادل والشامل، محذراً من أن عدم التحرك في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى تكرار العدوان. والمشهد اليوم يؤكّد صحة موقفه.

ما أشبه اليوم بالبارحة...

ولا يخرج الموقف الأميركي، الأساسي والوازن في رسم الخريطة السياسية والجغرافية للمنطقة لعقود مقبلة، عن سياق سياسة واشنطن الشرق أوسطية، القائمة على قاعدة "اسرائيل أولاً" في موازاة ضغوط على الدول العربية، لإقامة السلام معها. وقد أطلقت هذا المسار على عهد الرئيس جيمي كارتر، واتبعته ببدء إسقاط دول "جبهة الصمود والتصدي"، الواحدة تلو الاخرى، من العراق الى ليبيا الى سوريا، بحيث يتم حصر القوى الإقليمية التي ستدير شؤون المنطقة بثلاث: الاولى اسرائيل، الثانية تركيا، والثالثة ايران، التي أثبتت مقدرتها على الامساك بأوراق سياسية وأمنية، لا "تزعج" أميركا عبر حلفائها في المنطقة، والدليل هدوء الجبهة الجنوبية اللبنانية منذ العام ٢٠٠٦ لغاية اليوم، وتحوّل اهتمام "حزب الله" الى الداخل اللبناني السياسي والحكومي والاداري بعد العام ٢٠٠٥.

وإذا كانت الدول العربية المعنية بأوضاع المنطقة للمرحلة المقبلة، بدأت تنظيم نفسها لملاقاة الواقع الجديد والسيناريوهات المرتقبة، فإن لبنان الممزق والمتدهور سياسياً واقتصادياً، يبدو البلد الوحيد الذي ينتظر، لا ليقرر أو ينظم نفسه، بل لينفّذ ما يقرره التفاهم الخارجي في شأنه، وما لذلك من انعكاسات تحدّدها بنود ما يتفق عليه الكبار.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o