May 18, 2021 7:41 AM
مقالات

غزة... لو كنتُ أعلم

كتب العميد الركن خالد حمادة في "اللواء":

طغى الحدث الفلسطيني على كل شيء، وهذه المرة من بوابة مواجهة الإمعان في تهويد القدس الشرقية. أعادت الصدامات بين المقدسيين والشرطة الإسرائيلية والجولات الصاروخية المفتوحة، القضية الفلسطينية الى الواجهة، بعد أن اعتقد كثيرون أنها دفنت مع ما سمّي بـ«صفقة القرن». لم يكن خطاب الرئيس جو بايدن في الرابع من شهر شباط المنصرم الذي عرض من خلاله لأولوياته في السياسة الخارجية دون التطرق إلى القضية الفلسطينية كافياً للنأي بالولايات المتّحدة نحو أولوياتها المنتقاة. أعادت أحداث القدس وغزة، بخطورتها وتقاطعاتها مع كلّ الملفات، واشنطن إلى الشرق الأوسط ليكتشف بايدن أنّ القضية الفلسطينية هي في صلب مسار العودة إلى الاتّفاق النووي وفي صلب حلّ النزاع في اليمن ومنهما نحو حلّ أزماته مع الصين وروسيا.

واهِمٌ كلّ عابر لهذا الشرق أنّه قادر على الإفلات من المدار الفلسطيني. الحدث الشرق أوسطي، أينما كان وأيّاً يكن من يقف خلفه، لا يكتسب سببيته إلا بانتسابه لفلسطين، ولا تقاس مشروعيته الوطنية والإنسانية إلا بقدر التزامه قيّم قضيتها. ألم يتّخذ كلّ فاتح مغامر وكلّ طاغٍ متعجرف وكلّ مهرطق منافق، من مسجدها الأقصى وكنيسة قيامتها أو من عدالة قضيتها، مسّوغاً لإقدامه أو لعدوانه أو غطاءً لتقواه أو نفاقه، ودائماً فوق أشلاء أطفالها ونسائها وشبانها وشيوخها وفوق دمار معالمها.

يسجّل للفلسطينيين دائماً في الضفة وغزة قدرتهم الفائقة على الصمود والمواجهة والتماهي مع المخاطر، فلا يمكن إلا النظر بإجلال ودهشة لهذا السيّل الدائم من التضحيات التي يقدّمها كلّ فلسطيني. كأنما المعاناة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي والخيبات الدائمة من قيادات تمرّست على الفشل والاستزلام قد أضحت قدراً يعايشه الفلسطيني في حياة أضحت عصيّة على الحياة.

ما جرى في فلسطين لم يكن شأناً فلسطينياً تطوّر بسبب عنف قوى الأمن الإسرائيلية أو المستوطنين خلال المواجهات مع المقدسيين، مما حمل حماس على التدخل وتحويل الصدام إلى قصف صاروخي. من حق الفلسطينيين والعرب وحتى الغرب المتعاطف مع القضية الفلسطينية أن يسأل: 

من اتّخذ القرار بتحويل المواجهة في القدس إلى مواجهة صاروخية مفتوحة من غزة نحو القدس ومن ثم نحو الأراضي المحتلة؟ هل كان هناك من يعتقد أنّ اسرائيل لن ترد، وما هو الهدف السياسي الذي سعت إليه حماس من التصعيد العسكري وكيف يمكن للقصف الصاروخي أن يحققه؟ وهل هناك من أوحى لحماس أنّ الجبهات في سوريا ولبنان ستُفتح لإغراق اسرائيل في قتال يهدد بنيّتها العسكرية والنووية ويؤدي لإفشالها وإسقاط صورتها، وبأنّ حلفاءها في العراق سيهاجمون القواعد الأميركية لإرغام واشنطن على دفع إسرائيل لوقف العدوان والإنتقال إلى التفاوض، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تفتح تلك الجبهات؟

من المستفيد من اختطاف قضية مواجهة الإستيطان وتحويل الرأي العام الدولي والإقليمي المؤيد لها وتحويله إلى انقسام حول حق الإسرائيليين والفلسطينيين بالحياة بسلام على قَدم المساواة؟ 

لقد نجحت حركة حماس باستدراج إسرائيل إلى جولة ميدانية إقتصرت على تبادل القصف ولم تنجح باستدراجها لدخول القطاع. توحي معطيات الميدان بأنّ حركة حماس قد دخلت دائرة الإستنزاف وربما الحصار، في ضوء الدمار الهائل الذي تعرّض له القطاع وتدني الإحتياطات اللوجستية والطبية الضرورية وتأثير إفتقاد القطاع للعمق الجغرافي الذي يحدّ من قدرة مقاتلي حماس على إطالة أمدّ الصدام. وقد نجحت إسرائيل من خلال قبولها الإستدراج الذي افتعلته حماس في إظهار خطورة صواريخ حماس على الإستقرار، وامتلكت الحجة ليس للتشويش على المفاوضات الجاريّة في جنيف وعرقلة العودة إلى الملف النووي، بل لرفع الصوت أمام الولايات المتّحدة وسائر المفاوضين والتحذير من خطر الصواريخ البالستية ونفوذ الأذرع الإيرانية. 

إنّ التوصّل إلى رزمة من الإجراءات يمكن أن تُفضي إلى هدنة بين متقاتلين يبدو متعذّراً. وينذر فشل الوساطات العربية والدولية، ومنها امتناع مجلس الأمن عن اتّخاذ قرار بفرض وقف لإطلاق النار، بأنّ عمليات القصف ستستمر لأيام عديدة. نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية السيد هادي عمر المكلّف بالتوصّل إلى وقف إطلاق النار، الممنوع من التواصل مع مسؤولي حركة حماس باعتبارها منظمة إرهابية، والإجماع العربي والدولي حول عدم إعطاء حماس ومن خلفها طهران ورقة إضافية في قطاع غزة، يجعلان الرهان على التصعيد العسكري هو الخيار المتبقّي لإبراز تفوّق واضح لصالح إسرائيل وفرض وقف إطلاق النار لموجبات إنسانية. 

وفيما يحتفظ فلسطينيو الأراضي المحتلة بقدراتهم على تحويل كل استحقاق إلى انتفاضة حقيقية تهدّد بشكل جدّي الإستقرار الإسرائيلي، قد لا يبدو أمام حركة حماس العاجزة عن تعزيز حضورها وشروطها في وقف إطلاق النار سوى تكرار مقولة عدوان 2006 الشهيرة «لو كنتُ أعلم». 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o