May 14, 2021 8:00 AM
مقالات

إهتمامٌ أميركي لافت بطرابلس... ماذا تريد واشنطن منها؟

كتب صهيب جوهر في "عربي بوست": للمرة الثالثة على التوالي خلال أقل من ثلاثة أشهر، تزور سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دورثي شيا مدينة طرابلس، وتتعهد بمواصلة زياراتها ولقاء فاعلياتها الأهلية والاقتصادية والثقافية والسياسية حكماً. وفي ظل الجو المقفل سياسياً بالبلاد، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي إيف لودريان، وعدم القدرة على إحداث خرق على المستوى الوطني، بل وبعد التهديد بعقوبات على معرقلي الحل السياسي، يبدو أن شيا تريد إظهار اهتمام غير مسبوق بالعاصمة الثانية للبنان -طرابلس- من زوايا متعددة، والتي تعرضت لحجر سابق عن زيارات السفراء الأجانب، ما يوحي بقرار كبير إيجابي تجاه عاصمة الشمال.

وزيارة شيا الأخيرة لطرابلس بدأتها بزيارة مؤسسة الخدمات الاجتماعية في طرابلس، التي تحتوي على مأوى رئيسي للعجز والمسنين في المدينة، يعاني من ضغوط كبيرة مالية نتيجة تخلف السداد من الجهات الضامنة، وارتفاع تكاليف المعدات والمواد المستخدمة فيها نتيجة الأزمات المالية المتلاحقة في البلاد، وخلال الجولة، عبرت شيا عن تعاطف ورغبة ونية بالمساعدة قدر الإمكانات المتاحة.

والتقت شيا بمجموعة مصغرة من المؤسسات الاجتماعية والريادية، لمناقشة تداعيات وباء كورونا على الواقع الاقتصادي، وذلك على مائدة إفطار، حيث استمعت من المدعوين إلى خططهم ومشاريعهم وطموحاتهم المتعلقة بالمدينة، وأبرز التحديات التي تواجهها المؤسسات غير الحكومية في ظل الغياب الفعلي للدولة.

كما استفسرت من الحاضرين عن موازين القوى السياسية في المدينة، والقدرة على إحداث تغييرات في الانتخابات المقبلة، واللافت كان حضور خلدون الشريف، الشخصية السياسية الطرابلسية، هذا الإفطار.

وخلال النقاش سأل المشاركون الضيفة الأميركية عن سر الاهتمام الأمريكي المستجد بطرابلس، حيث استفاضت شيا بالكلام عن شعورها أن معظم المساعدات الدولية تذهب لمناطق العاصمة والمحيط بها من دون التركيز على المدن الأخرى، وأنها وجدت في طرابلس فرصاً حقيقية لتحقيق تنمية مستدامة نتيجة المرافق والموقع المهم، ووفقاً للمصادر، فإن مرافق المدينة كالمرفأ والمنطقة الاقتصادية خاصة كانت محور النقاش بين شيا والحضور على مائدة الإفطار.

وتشير المصادر المتابعة إلى أن السفيرة شيا تبدي اهتماماً منذ فترة بالمدينة ومرافقها الحيوية المعطلة بسبب الصراع السياسي الحاصل في البلاد، وأن هذا الاهتمام ترجم بسلسلة زيارات لمرفأ طرابلس الذي يشهد حركة تنافس كبيرة، بالإضافة للمنطقة الاقتصادية الخاصة التي أنشئت منذ سنوات بقرار حكومي، لكنها تعطلت بسبب رفض فريق رئيس الجمهورية تشغليها من منطلق طائفي.

لذا فإن شيا المهتمة بالمنطقة الاقتصادية التقت في زيارتها الثانية على غداء خاص حضره وجوه سياسية من المدينة بالإضافة لوزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن والسياسي الدكتور خلدون الشريف، وسمعت من الأخيرين أهمية تشغيل المنطقة الخاصة، ودعمها لأن ذلك سيفتح نافذة جديدة للمدينة، وسيكون سبباً بتوفير ما يزيد عن 7000 ألف فرصة عمل لسكان المدينة وأبنائها.

بالإضافة لأن شيا زارت في جولتها الأولى بالمدينة غرفة التجارة والصناعة، والتي تشكل منذ سنوات حاضنة أعمال متطورة، واستمعت من إدارتها للمشاريع المقامة فيها، كما أن شيا اهتمت بمعالجة ملف كارثة جبل النفايات، الذي يشكل تهديداً خطيراً للمدينة في حال انفجاره، أسوة بما حدث منذ سنوات بالمكسيك، حيث حضر للمدينة وفد أميركي بعد زيارة شيا، للاطلاع على الموضوع وكيفية حله.

وتشير المصادر إلى أن السفيرة الأميركية أوفدت عقب زيارتها الثانية للمدينة الملحق الاقتصادي في السفارة للقاء رئيس المنطقة الاقتصادية الخاصة، للبحث في سبل تشغيل المنطقة وإطلاق عجلتها المتوقفة، ما يعزز فرضية الاهتمام الأميركي بالمدينة.

وكانت زيارة سفيرة واشنطن للمدينة سبقتها سلسلة زيارات للمدينة والتي تعد وفقاً لآخر الدراسات الأفقر على حوض البحر المتوسط بعد قطاع غزة، ووفقاً لمتابعين، فإن الزيارات التي تقوم بها شيا للمدينة تندرج في إطار الاهتمام الدولي والإقليمي في المدينة، والتي تشكل موقعاً استراتيجياً على البحر المتوسط، وبحسب المتابعين لحركة شيا بالمدينة، فإنها أبدت استعداد بلادها لدعم مشاريع متوقفة في المدينة، وتشكل الرئة الأساسية للمنطقة.

ماذا تريد واشنطن من طرابلس؟

وفقاً لمرجع سياسي لبناني، فإن الاهتمام الأميركي اللافت بمدينة طرابلس اللبنانية يشكل دافعاً مهماً لدول أخرى للاستثمار في المدينة، لإنعاش الحركة الاقتصادية المتوقفة فيها منذ ثلاثة عقود، وكان ذلك واضحاً من خلال رفع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الحظر الموضوع على المدينة بعد سلسلة الأحداث الطائفية التي شهدتها طرابلس عقب اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري.

وبحسب المرجع، فإن ما تقوم به واشنطن يعد تعويضاً عن السنوات التي أهملت فيها الدول الكبرى المدينة وتسببت بإعطاء صورة سوداوية عن طرابلس، ووفقاً للمرجع، فإن هذا الاهتمام المستجد هو انطلاقاً من البحث عن موقع استراتيجي في المنطقة لتثبيت الحضور الأميركي به. وبحسب المرجع، فإن الانفتاح الأميركي على طرابلس سيفتح المجال للتنافس الإيجابي على تنفيذ مشاريع في المدينة، وأن الدولة التي تنظر لها واشنطن بإيجابية يعيد العواصم الأخرى إليها.

هوية المدينة بين الحداثة والمحافظة.. عين تركيا الحاضرة

ووفقاً للمرجع، فإن المدينة التي يغيب عنها الحضور العربي منذ سنوات تدمج في تراثها الوطني حبها للحداثة والانفتاح الثقافي، بالإضافة لتمسكها بالقيم المحافظة، كونها حاضرة عربية مشرقية ذات أغلبية مسلمة، لذا ووفقاً للمرجع اللبناني، فإن الحديث عن حضور تركي لافت في المدينة هو حديث مضخم في إطار الصراع الدائر في المنطقة، لكن المرجع يلفت إلى أن الشعبية التركية في طرابلس هي شعبية وجدانية بسبب النموذج التركي المتماهي مع الحداثة والتكنولوجيا والقيم الدينية المحافظة. 

ويتوقع المرجع أن يكون الدور الأميركي والأوروبي والتركي متكاملاً في طرابلس في المرحلة القادمة، حيث تزور سفيرة فرنسا المدينة بعد أسابيع قليلة، يضاف إلى ذلك زيارة مرتقبة لسفير تركيا الجديد علي أولوسوي للمدينة في ظل النشاط المتزايد لمؤسسات تركية تنموية في مناطق طرابلس والبقاع.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o