May 05, 2021 2:00 PM
خاص

تقرير بنك عوده الاقتصادي عن الفصل الأول من العام 2021:
الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مفصلي لأي تصحيح اقتصادي/مالي منشود

المركزية- أورد التقرير الفصلي لبنك عوده أنّ "الفصل الأول من العام 2021 اتّسم بزيادة لافتة في عدد حالات "كورونا" ما أسفر عن فترات إقفالٍ متتالية والتي أرخت بثقلها على النشاط الاقتصادي وفاقمت من الأزمة النقدية والاقتصادية التي اندلعت في الفصل الأخير من العام 2019، ناهيك عن تداعيات الأزمة السياسية الداخلية بعد استقالة الحكومة".

وتنشر "المركزية" نَصّ التقرير: "شهدت جميع القطاعات تراجعاً متواصلاً في الفصل الأول من العام 2021 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2020، حيث سجل قطاع التجارة والخدمات التقلص الأبرز. هذا وقد تأثر الاستهلاك الخاص سلباً بالمخاوف الاقتصادية والمحاذير النقدية المتنامية، إضافة إلى التأثير السلبي لجائحة كورونا على السلوك الاستهلاكي. وقد تلقى الاستثمار الخاص ضربة قاسية بفعل الضبابية المتزايدة في المشهد الاقتصادي والقلق المتنامي بشأن الآفاق السياسية والاقتصادية المحلية عموماً.

في ظل هذه الأجواء، توقّع صندوق النقد الدولي أن يسجل الاقتصاد اللبناني انكماشاً نسبته 9% في العام 2021 بعد انكماش نسبته 25% في العام 2020. ووفق صندوق النقد الدولي، لبنان هو البلد الوحيد في المنطقة الذي من المتوقع أن يسجل تقلصاً إضافياً في اقتصاده الحقيقي، ما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والمالية التي يرزح تحتها والتي زادتها حدّة الموجة الثانية من جائحة كورونا. كذلك، يتوقع البنك الدولي انكماشاً في الاقتصاد بنسبة 9.5% في العام 2021، بعد انكماش نسبته 20% في العام 2020 وفق تقديرات البنك.

إن تطور معظم مؤشرات القطاع الحقيقي هذا العام إنما يعكس أداء الاقتصاد الوطني الآخذ في الانكماش. من ضمن المؤشرات التي سجلت نمواً سلبياً في الفصل الأول من العام 2021، نذكر عدد مبيعات السيارات الجديدة والتي سجلت هبوطاً سنوياً نسبته 75.5%، وقيمة الشيكات المتقاصة (-60.6%)، وعدد المسافرين عبر مطار بيروت (-53.4%)، ومساحة رخص البناء الممنوحة (-36.0%)، وقيمة المبيعات العقارية (-1.5%). أما المؤشر الوحيد الذي سجّل نمواً إيجابياً فهو حجم البضائع في المرفأ وبنسبة +12.4% سنوياً في الفصل الأول من العام 2021.

في موازاة ذلك، سجل مؤشر أسعار الاستهلاك نمواً نسبته 148.9% في آذار 2021 بالمقارنة مع آذار 2020، ما يشير إلى أن البلاد وقعت بالفعل في فخ الركود التضخمي. إن الفئات التسعة في المؤشر جميعها سجلت ارتفاعاً سنوياً في الأسعار في آذار 2021. أما الارتفاع الأبرز فكان من حصّة الملبوسات بنسبة 277.4%، تلتها السلع المعمّرة بنسبة 267.1%، فالمأكولات والمشروبات بنسبة 174.8%، والنقل والاتصالات بنسبة 158.5%.

على صعيد القطاع المصرفي، أظهرت آخر الإحصاءات المصرفية تراجعاً مستمراً في الودائع والتسليفات هذا العام وإن بوتيرة أبطأ بكثير عما كانت عليه خلال العام الماضي، وانخفاضاً مستمراً في معدلات الفوائد ترافق مع زيادة في السيولة المصرفية الأولية في الخارج. وفي حين أن الموجودات المصرفية ظلت مستقرة منذ بداية العام الحالي، تراجعت ودائع الزبائن بقيمة 2191 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2021 (بالمقارنة مع تقلص أبرز قيمته 9273 مليون دولار في الفترة نفسها من العام 2020) بحيث بلغت قاعدة الودائع زهاء 136.9 مليار دولار في آذار 2021 مقابل 139.1 مليار دولار في نهاية العام 2020 و158.9 مليار دولار في نهاية العام 2019 و174.3 مليار دولار في نهاية العام 2018. يجدر الذكر أن الودائع المصرفية بالعملات انخفضت بقيمة 1935 مليون دولار خلال الفصل الأول من العام الحالي، بينما انخفضت الودائع بالليرة بقيمة 256 مليون دولار. ومن جراء ذلك، تراجعت قليلاً نسبة دولرة الودائع إلى 80.2% في آذار 2021، من 80.4% في كانون الأول 2020. وعلى الرغم من الجهود المصرفية الحثيثة لتعزيز الرساميل وفق متطلبات مصرف لبنان، سجّل تراجع في الأموال الخاصة، ما يعكس الخسائر المصرفية اللافتة خلال هذه الفترة فثي ظل الحاجات الكبيرة لتخصيص المؤونات عموماً.

أما في يتعلّق بأداء أسواق الرساميل اللبنانية، فقد سجلت أسواق الأسهم وسندات اليوروبوندز أداء متفاوتاً. إذ سجل مؤشر الأسعار ارتفاعاً نسبته 27% في الفصل الأول من العام 2021، بدعم رئيسي من زيادات في أسعار أسهم "سوليدير" بنسبة 31%، تلتها الأسهم المصرفية بارتفاع وسطي نسبته 12%. ويترافق ذلك مع نمو سنوي في قيمة التداول الاسمية بنسبة 52.3%، من 43 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2020 إلى 66 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2021. في موازاة ذلك، قفز المردود وهامش مقايضة المخاطر خلال الفترة في أعقاب تخلّف الدولة عن سداد الديون السيادية.

 

الخاتمة: برنامج إصلاحي مع الصندوق وإعادة هيكلة منتظمة من أجل التصويب المالي المرتجى

ظهر في الآونة الأخيرة عدد كبير من التفسيرات حول جذور وأسباب الأزمة المالية المستفحلة حالياً في لبنان، حيث حمّل البعض المسؤولية للدولة اللبنانية على سنواتها الطويلة من سوء الإدارة، وحمّل البعض الآخر المسؤولية لمصرف لبنان على سياساته النقدية غير التقليدية، في حين ألقى البعض الآخر باللّوم على المصارف في انكشافها على الديون السيادية في دولة واهنة بشكل عام.

وفي حين أنه لا شكّ بأن هنالك مسؤولية مشتركة بين مختلف العملاء الاقتصاديين حول المعضلة القائمة حالياً في البلاد، لا ينبغي أن نتجاهل حقيقة أن الاختلالات الحقيقية كانت مدفوعة بالإنفاق المفرط لاقتصاد عاش لعقود بما يفوق إمكانياته في ظلّ سياسات محلية غير تقليدية وسوء إدارة من جانب الدولة.

في نظرة سريعة على السنوات القليلة الماضية والتي سبقت اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة في لبنان، يتبيّن أن نقطة الانعطاف للوضع المالي الحالي ابتدأت في العام 2014 لتتفاقم أكثر منذ العام 2016 مع نضوب التدفقات المالية الوافدة وظهور فجوة مالية بالعملات الأجنبية في ميزانية مصرف لبنان. في الواقع، بدأ صافي الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان في التحوّل من إيجابي إلى سلبي في العام 2014، ليصل إلى ما يقدر بحوالي -55 مليار دولار اليوم، أي بتردِّ مقداره 56 مليار دولار منذ نهاية العام 2013. وهذا يُعزى إلى نحو 30 مليار دولار من التحويلات الصافية من الليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية خلال تلك الفترة، وإلى 14 مليار دولار من خسائر في الفوائد (الفارق بين متوسط ​​العائد على موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية ومتوسط ​​تكلفة مطلوباته بالعملات الأجنبية)، وإلى 12 مليار دولار من تحويلات مالية لدعم الحاجات التمويلية للدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية (فيول لمؤسسة كهرباء لبنان وخدمة دين بالعملات الأجنبية بشكل خاص).

وبناءً على ذلك، فإن سياسة تثبيت العملة شكّلت المحرّك الرئيسي لتوظيفات المصارف المتزايدة لدى مصرف لبنان وذلك لضمان عمليات تحويل العملة الوطنية وسط طلب متزايد على العملات الأجنبية. عليه، فإن الاختلالات الحقيقية الحالية كانت مدفوعة بعملية الحفاظ على استقرار العملة الوطنية لفترة طويلة، وإبقاء التضخم عند مستويات لا تذكر، بالتوازي مع عمليات استيراد ملحوظة من واردات السلع والخدمات في اقتصاد يعتمد بشكل مفرط على الخارج ويفتقر إلى الإنتاجية المحلية، وذلك في ظل إنفاق مُفرط لاقتصاد عاش على مدى عقود بما يفوق إمكانياته. ومنذ العام 2014، تم إنفاق ما يقارب 151 مليار دولار على تمويل عمليات الاستيراد وعلى السفر والسياحة الخارجية (118 مليار دولار و33 مليار دولار على التوالي)، في حين بلغت التدفقات المالية الوافدة إلى لبنان حوالي 79 مليار دولار (تأتت عن صافي التحويلات المالية وعائدات التصدير والاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة في الداخل)، ما يضعنا أمام فجوة خارجية قدرها 58 مليار دولار، مموّلة بشكل غير مباشر من صافي الموجودات الخارجية للنظام المالي (مصرف لبنان ومصارف).

بالإضافة إلى ذلك، تمّ استخدام الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان لتمويل الإنفاق الحكومي غير المنتج (بشكل مباشر وغير مباشر)، ولا سيما نفقات الموازنة العامة بالعملات الأجنبية، في حين فشلت سياسة الدولة في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية أو في البنى التحتية، مما أدّى إلى تفاقم الوضع أكثر في سياق تردٍ متزايد في بنية لبنان التحتية. ومن المفارقات أن الدولة اللبنانية أقرّت سلسلة رتب ورواتب مكلفة للقطاع العام أدّت إلى تضخيم كتلة الأجور ساهمت بذلك في تعزيز عمليات تحويل العملة الوطنية إلى العملات الأجنبية والتدفقات المالية إلى الخارج.

ما هي الخيارات المتاحة مستقبلاً؟ في الواقع هناك خياران، الخيار الأول الذي يجب تجنّبه بكافة الطرق يتمثّل بسيناريو المراوحة والجمود واللا اصلاح على مستوى الدولة والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الفوضى المطلقة، في حين أن الخيار الثاني يقوم على إعادة هيكلة منتظمة وفق برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يكون المفتاح للتصحيح الضروري للوضع المالي بشكل عام.

في الحقيقـة، إن خيار إعادة الهيكلة المنتظمة ينبغي أن يترافق مع الالتزام ببرنامج لصندوق النقد الدولي يشمل الإصلاحات الهيكلية والمالية المطلوبة من قبل حكومة عتيدة  ذات مصداقية، ما من شأن ذلك أن يساهم في استعادة الثقة وإطلاق مساعدات مؤتمر "سيدر" واستثمارات أخرى في الاقتصاد الوطني. وهو ما ينبغي أن يعتمد على إعادة هيكلة القطاع العام للحدّ من حاجاته الاقتراضية، إنشاء صندوق سيادي يتضمّن قسطاً من أصول الدولة اللبنانية يقدّر بحوالي 30 مليار دولار لسدّ الثغرة القائمة بالعملات الأجنبية، ضخّ السيولة في القطاع المصرفي من خلال خطوط ائتمانية مقابل احتياطي الذهب، ناهيك عن تحرير سعر صرف العملة الوطنية ما من شأنه أن يخفّض من الدين العام بالليرة اللبنانية، ومن ثمّ البدء بمفاوضات جدّية مع حاملي سندات اليوربوندز السيادية.

إن الهدف المطلق من هذا الاتجاه هو ضمان توزيع عادل ومنصف للخسائر بين جميع العملاء الاقتصاديين، وتخفيض الدين العام إلى مستويات مستدامة أي بحدود 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحرير جزء من أموال المودعين دون التطرّق إلى إجراءات Haircut، وأخيراً المساهمة في إعادة الثقة في الاقتصاد الوطني وفي القطاع المصرفي لتعزيز القدرة على إعادة جذب الأموال إلى الاقتصاد المحلي بشكل عام".

* * *

 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o