May 04, 2021 12:03 PM
مقالات

عصا لودريان... قبل مجلس الأمن

كتب اديب ابي عقل:

المركزبة - يخطئ من يعتقد أن المبادرة الفرنسية لإنقاذ الوضع اللبناني، انطلاقاً من تأليف حكومة تباشر الإصلاحات المطلوبة، قد سقطت نهائياً، على رغم تراجعها في الشكل، بل هي على طريق الإنعاش، واستناد التحركات الدولية، وآخرها الروسي، إليها، للانطلاق منها للمساعدة في إيجاد حلٍّ للمعضلة الحكومية القائمة، يشير إلى ذلك بوضوح.

فالفرنسيون واضحو الغضب وعدم الإرتياح إلى طريقة تعاطي المسؤولين اللبنانيين مع مبادرتهم، خصوصاً وأن الرئيس إيمانويل ماكرون ليس من النوع الذي يستسلم او يتراجع بسهولة، نتيجة عدم التزام المسؤولين والقادة اللبنانيين الوعود التي قطعوها أمامه في اجتماع قصر الصنوبر، وتملّصوا منها بعيد مغادرته، بل يواصل المسعى بأسلوب آخر، بعدما فقد الأمل في امكان حلحلة الأمور بهدوء وروية.

تقابل ذلك، "عراضات القوة" من جانب القادة في تعاطيهم مع التزاماتهم الدولية، ولا سيما منها استحقاقات اليوروبوند، التي امتنعوا عن تسديدها، على رغم التحذيرات ممّا يترتب جرّاء ذلك من فقدان ثقة، كانت نتيجته وقف المراسلات المصرفية الخارجية مع المصارف اللبنانية، وتأثير ذلك مباشرةً على الإستيراد، وخصوصاً المواد الغذائية، واستطراداً تدهور جديد للنقد الوطني، وارتفاع مضطرد للأسعار، في وقت يشقّ قرار رفع الدعم طريقه إلى التنفيذ في غضون أسابيع قليلة.

وفي موازاة ذلك، لا يزال أهل السلطة والقياديون المعنيون، يتعاطون مع هذا الواقع والتحذيرات من فرض عقوبات فرنسية وأوروبية، على "من يعرقلون العملية السياسية في لبنان"، بخفة ولا مبالاة ولا مسؤولية، على رغم ان فرنسا أعدّت المشروع الذي ينتظر الإعلان .

لذلك، تكتسب زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان- ايف لودريان  للبنان، أهمية لافتة، خصوصاً انه من الصقور حيال التعاطي في الملف اللبناني، وهو لا يترك مناسبة الا ويشير فيها الى لامبالاة المسؤولين اللبنانيين، وربط كل محاولات التوصل الى حلّ معهم  بالمقايضة على ملفات واضحة الصِّلة بالاستحقاق الرئاسي المقبل حصرا، أكثر من اهتمامهم بإنقاذ ما تبقّى من الوضع البائس، وإخراجه من عنق الزجاجة.

ماذا يحمل لودريان معه؟

بالتأكيد لن يكون الكلام ناعماً وديبلوماسياً، مقدار ما سيكون مباشراً وواضحاً، وهو سيترك الجزرة في باريس، ويحمل معه العصا -بمعنى الضغط السياسي- ليرفعها في وجه هؤلاء في ما يشبه إنذار الفرصة الأخيرة لتأليف حكومة قبل نهاية الشهر الجاري كحدّ أقصى، قبل التوجه نحو مجلس الأمن-وقد بدأت فرنسا مشاورات مع أعضائه- تمهيدا لاتخاذ القرار المناسب لإنقاذ الشعب اللبناني من براثن الطبقة الحاكمة وعنادها. وربما يكون أحد الحلول قائما على الاستناد الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو طرح يتم التشاور فيه بهدوء، في انتظار الخطوات التي سيقدم عليها المعنيون بالتأليف في الأسابيع المقبلة.

هل ينجح لودريان في إفهام المسؤولين الذين سيلتقيهم وجوب أن يعوا خطورة الوضع وارتداداته؟

الواقع ان بلوغ الأمور هذه المرحلة من الخلاف وتبادل الاتهامات العلنية، وتشبث كل طرف بموقفه تحت مبررات شتى، وعلى قاعدة "لم يبقَ اكثر ممّا مضى"، يشي بأن أهل السلطة ربما يبدون استعداداً في الشكل، ويشترطون في الموازاة، سلسلة مطالب تصب في الاستحقاق الرئاسي المقبل، من دون اغفال تحميل الآخرين مسؤولية العرقلة، في حين أن المطلوب التنازل لمصلحة إنقاذ البلاد وقيام حكومة، تطلق الإصلاحات قبل التفكير في أي استحقاق، لاستنقاذ ما تبقى من العهد وصورته.

وفي طليعة الخطوات الإصلاحية، الإفراج عن التشكيلات القضائية-على رغم بعض الثغرات فيها- وتكوين مجلس القضاء الأعلى الذي تشارف ولايته على الانتهاء قريباً، لأن بلاداً بلا قضاء وسلطة قضائية تقريرية، تتجه حتماً الى مزيد من البؤس الجاثم على صدور اللبنانيين.

المطلوب التعاطي مع لودريان بصدق وايجابية، وبروح المسؤولية الوطنية والتعاون، لتجنب الوصول مرة جديدة، الى استدعاء القادة، الى مؤتمر في الخارج، على غرار الطائف والدوحة، لـ"فرض" الحلول لمشكلات داخلية، بعدما اثبت المسؤولون فشلهم الذريع في إدارة شؤون بلد تحول ابسط الملفات فيه، تأليف حكومة، بفعل المكابرة والعناد، إلى قضية وجودية لأطراف النزاع، الذين يركزون اهتمامهم على حسابات المرحلة المقبلة واستحقاقاتها في اي موقف يتّخذونه، وأي تعهدٍ يقطعونه.

 

 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o