Apr 09, 2021 12:32 PM
مقالات

في السياسة...رياض سلامة مذنب

المركزية- كتب أديب أبي عقل:

لا يتطلب المشهد الحاصل على الساحة الداخلية كثير عناء من أي مواطن ليكتشف أن الحملة المستمرة على النظام المصرفي وتحديدا مصرف لبنان وأكثر تحديدا حاكمية المصرف تخفي أمرين:

أولهما تغطية الفشل الذريع في تشكيل حكومة تنقذ (!) ما تبقى من العهد في آخر العهد، والبحث عن "كبش محرقة" يتم تحميه مسؤولية كل ما حصل في السياسة وغير السياسة.

ذلك أن ممارسات السنوات الأخيرة أثبتت "شطارة" في مجال واحد، هو التنصل من أي مسؤولية عما يحصل وتحمليها إلى الآخرين. والأمثلة واضحة وبعضها لا يزال يوجع ويؤلم الصدر ويدمي القلوب.

ثانيهما ضرب القطاع المصرفي، الذي شكّل على مدى أكثر من أربعة أو خمسة عقود عنوان ازدهار لبنان و"قجة" العرب، لمصلحة الاتجاه شرقا، في وقت يعاند هذا القطاع ويقف حائلا دون رغبة الممانعين في إسقاطه، أو على الأقل شله وتحييده كي يرتاح المتحكمون باللعبة الداخلية من الاستمرار في خطتهم التي ينفذها بعض المسؤولين، الذين أظهروا براعة في الدفاع عنها بالعودة إلى خطابات شعبوية عفا عليها الزمن وباتت ممجوجة وثقيلة الوقع على أسماع اللبنانيين الذين لا يريدون العودة إلى تلك الحقبة بأية صورة من الصور.

في أحد العشاوات تكريما للرئيس ميشال سليمان قبل انتهاء ولايته، كانت بين الحضور زوجة حاكم مصرف لبنان التي اقترب منها أحد السفراء وقال لها: "أسهم الحاكم للرئاسة تبدو مرتقعة". مقاطعته على الفور: "كبّر عقلك. لا أحد من السياسيين يريده لأنه يعرف تفاصيل حركتهم وتحركاتهم المالية". وأثبتت الأيام صحة ما قالته، حيث كان الهدف الأول للعهد إزاحته أو تشويه صورته (بعد الفشل في تغييره والتجديد له ولاية كاملة) لشطبه من معادلة المرشحين المحتملين التي يجري العمل على حصرها بشخص واحد، حيث تصب كل المواقف والتعقيدات وحل المفاوضات في خانة إدخال الاستحقاق الرئاسي المقبل برئيسه العتيد بندا في أي صفقة أو تسوية أو تفاهم يحصل.

لذلك، ومع استمرار رفض الرئيس المكلف اللقاء أو عقد صفقة مع النائب جبران باسيل، وبينما يبدو أن المجتمع الأوروبي قد يفرض عقوبات عليه وعلى لبنانيين آخرين، ومع الجانب العربي المنكفئ عن لقائه، تبدو الحكومة بعيدة المنال والمرحلة المتبقية من العهد هي تصريف أعمال في الشكل، بينما هي فرصة يفسحها العهد لـ "حزب الله" لمواصلة الامساك بمفاصل الدولة والأهم بالنسبة إليه القطاع المصرفي ومصرف لبنان أولا.

والواضح أن حزب الله يعرف أيضا صعوبة الاطاحة بالحاكم سلامة، لأن الأمر لن يكون بالسهولة التي يتصورها هو ومن يدور في فلكه. ذلك أنه يمتلك الأكثرية المطلوبة في مجلس الوزراء ومجلس النواب، والرؤساء أيضا، فلا شيء كان يمنع، قبل استقالة حكومة الرئيس حسان دياب وتحولها إلى تصريف الأعمال، من إقالته وإحالته إلى المحاكمة –إذا كان فعلا مذنبا- وتعيين بديل منه خصوصا أن هناك طامحين إلى خلافته ومنهم –عن غباء- مَن شن حملات عليه ثم اعتذر منه سرا من دون أن يفضح الحاكم ذلك.

والواضح أيضا أنه إذا كانت خطوات قضائية قد تصل إلى حد تشويه كرامته- بعد تشويه شخصه للأسباب السياسية المعروفة- فإن ذلك محفوف بمخاطر قد تجعل من ينوي القيام بها يندم ويحاول العودة عنها، لأنه لن يكون وحيدا أمام العدالة، بل ستكون هناك طبقة سياسية كاملة إلى جانبه، يعرف اللبنانيون بالأسماء والأرقام عن فسادها، بينما لم نسمع عن الهدر في المصرف المركزي إلا في هذا العهد، ولم نسمع انتقادات للهندسات المالية إلا في هذا العهد- والجميع أصبحوا خبراء في ذلك- ولم نسمع عن الكابيتال كونترول إلا من الذين شنّفوا آذاننا بذلك بعدما كانوا هرّبوا أموالهم إلى الخارج.

قد يكون رياض سلامة مذنبا وهو يتحمّل مسؤولية معيّنة. ولكن المعالجة لا تكون بتشويه السمعة بل بالإقالة والإحالة إلى القضاء. وكي تكون هناك ثقة بالقضاء فليتم توقيع التشكيلات القضائية التي أجراها مجلس القضاء الأعلى للمرة الأولى بلا تدخلات سياسية، وهي وإن كانت تشوبها أخطاء أو ثغرات معينة، إلا أنها تستأهل أن يتم توقيعها. على أن يتم تلافي هذه الأخطاء والثغرات في التشكيلات اللاحقة.

وخارج هذا الاطار، ثقة الناس معدومة بطبقة سياسية غير مستقلة القرار ومستسلمة لمشيئة من أثبت أنه صاحب القرار. وعلى اللبنانيين الصابرين انتظار الفرج الآتي من رحم الأزمة ولو بعد حين.      

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o