Apr 08, 2021 12:51 PM
مقالات

موازين القوى الإقليمية في المفاوضات الأميركية - الإيرانية

كتب العميد الركن نزار عبد القادر في "اللواء": 

كانت إيران عند توقيع الاتفاق النووي مع القوى الدولية الرئيسية (5+1) في عام 2015 تقف على بعد سنة زمنية من امتلاك الكمية اللازمة من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة لصنع أوّل قنبلة نووية. ويبدو الآن بعد خروج الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، وتفلت إيران من القيود والضوابط التي فرضها عليها الاتفاق مع بداية عام 2019، فقد أصبحت طهران على بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من امتلاك كمية اليورانيوم العالي التخصيب اللازم لبناء قنبلة نووية بقوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية.

كان الرئيس جو بايدن قد وعد أثناء حملته الانتخابية بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ولكن حالت الشروط الأميركية والشروط الإيرانية المقابلة لها، دون فتح أي ثغرة في جدار الأزمة القائمة بين البلدين، وكان الفريق الذي شكله الرئيس بايدن برئاسة روبرت ماني قد اعتمد مقاربة متماسكة، تقول بالعودة إلى الاتفاق النووي فور عودة إيران عن الخروقات التي ارتكبتها لبنود الاتفاق الأساسي الموقع عام 2015.

يتلخص الموقف الأميركي بالطلب إلى طهران بضرورة العودة إلى مستوى تخصيب اليورانيوم إلى الحدود التي فرضتها بنود الاتفاق النووي سواء لجهة نسبة التخصيب المحددة بـ365، وبالكميات المحددة للمخزون الذي يفترض ان تتقيد به إيران. وكان الرئيس بايدن قد شدّد على هذا المطلب في مقابلة مع محطة «سي بي آس» «CBS» التلفزيونية.

جاء الرد الإيراني سريعاً وصارماً على الطرح الأميركي بمطالبة الولايات المتحدة برفع جميع العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب على إيران، قبل الذهاب إلى أية مفاوضات تجمع طهران مع واشنطن من أجل البحث للعودة إلى الاتفاق النووي الأساسي.

في الواقع كانت واشنطن قد أعلنت يوم الخميس الموافق 17 شباط بأنها ترحب بالدعوة لأية محادثات حول الاتفاق النووي الموقع مع ايران، من أجل إنهاء مفاعيل الانسحاب من الاتفاق الذي قرره الرئيس ترامب في عام 2018. ورد وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف على التصريح الأميركي بدعوة الولايات المتحدة «للكف عن ممارسة أقسى الضغوط على ايران»، وان تبادر إلى «انهاء الإرهاب الاقتصادي الذي مارسته إدارة ترامب ضدها»، كما هددت إيران بوقف عمليات التفتيش «المفاجئة» التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على منشآتها النووية.

في المقابل، كان وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن قد أعلن في شباط الماضي بأن إدارة بايدن مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران والدول الأخرى (4+1) التي شاركت في التوصّل إلى الاتفاق الذي وقع عام 2015. وصرح الناطق باسم الخارجية الأميركية تاد برايس «تقبل الولايات المتحدة دعوة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للمشاركة في اجتماع يضم الدول (5+1) وإيران للبحث عن حل دبلوماسي لبرنامج إيران النووي».

أدّت المساعي الأوروبية التي بذلها وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى التوافق على عقد اجتماع في فيينا تشارك فيه الدول (4+1) وإيران، بينما تشارك فيه الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، أي انها ستكون موجودة في فيينا، وليس في قاعة الاجتماع، وذلك انطلاقاً من رفض إيران للدخول في أية مفاوضات مع أميركا قبل رفع كامل العقوبات عنها. ولا يمكن لأية سلطة إيرانية التراجع عن هذا المطلب الذي حدده بشكل صارم ولي الفقيه علي خامنئي.

تأمل الدول الأوروبية الثلاث الموقّعة على الاتفاق ان تفتح محادثات فيينا الباب لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، في الوقت الذي يرى فيه وزراء الخارجية صعوبة التوصّل لإنجاز اختراق في العلاقات بين واشنطن وطهران وذلك بسبب الخروقات الإيرانية الكبيرة لبنود الاتفاق، وخصوصاً في مجال نسبة التخصيب إلى 20 في المائة أو لجهة كميات اليورانيوم المخصب في المخزون الإيراني، أو لجهة استعمال إيران لنماذج جديدة متطورة لوحدات الطرد المركزي، ويرى الأميركيون بأن التخصيب بنسبة 20 في  المائة يضع إيران على اقصر طريق لانتاج القنبلة. في المقابل تصر إيران على ان اليورانيوم الذي تنتجه هو للاستعمال السلمي، وترد الولايات المتحدة بأن لا استعمال سلمياً لليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة.

يبدو بوضوح بأنه سيكون من الصعب جداً على وزراء الخارجية الذين اجتمعوا أمس في فيينا تحقيق أي اختراق في أزمة العلاقات الأميركية - الإيرانية، في ظل المواقف المتشددة التي اعلنها المرشد علي خامنئي، والذي طالب إدارة بايدن بالقيام «بخطوات محددة بدل الكلام» الذي يفتقد المصداقية بالعودة إلى الاتفاق، وبأن التحدي الذي يواجهه الرئيس بايدن يتمثل في خطوة فعلية لإلغاء العقوبات المفروضة على إيران. وكان خامنئي قد حدّد الموقف الإيراني في خطاب متلفز بقوله «سمعنا الكثير من الوعود ومن الكلمات المعسولة، والتي لم يجر تنفيذها، لا بل على العكس فقد جرى تجاوزها ونقضها من خلال الأفعال والقرارات الأميركية»، وأضاف خامنئي «الوعود والكلمات لم تعد تنفع، وما نريده الآن هو أفعال ينفذها الطرف الآخر، وسنقوم نحن بما يلزم من خطوات».

يبدو جلياً بأن إيران والولايات المتحدة مستمرتان في المواجهة حول من يقوم بالخطوة الأولى لاحياء الاتفاق، حيث تطالب طهران برفع جميع العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب ضدها، بينما تطالب واشنطن بعودة طهران عن اختراقاتها أولاً. دفعت المواقف المتصلبة للطرفين المستشارة الالمانية انجيلا ماركل، في محاولة لكسر هذا المأزق الدبلوماسي إلى الاتصال بالرئيس حسن روحاني وطالبته بضرورة العمل بقوة لعودة طهران عن كل الخروقات لبنود الاتفاق. لكن لم ينفع هذا الاتصال في إحراز أي تبدّل في الموقف الإيراني حيث يبقى القرار الإيراني بيد علي خامنئي حصراً دون سواه.

في رأينا هناك صعوبات ومطبات سيواجهها اجتماع فيينا، والتي ستؤخر أو تمنع إمكانية تحقيق أي اختراق على طريق عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، والتي يمكن ايجازها على الشكل الآتي:

1- صعوبة إقناع إيران بالتراجع عن الخروقات الخطيرة التي ارتكبتها منذ عام 2019 للاتفاق النووي، وخصوصاً لجهة رفع تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة، والتي يمكن ان تضعها على طريق الحصول على الوقود النووي اللازم لصنع قنبلة نووية خلال أشهر معدودة، مع الأخذ بعين الاعتبار زيادة المخزون الايراني من اليورانيوم المخصب إلى مستوى غير مقبول من الدول الموقّعة على الاتفاق.

2- إعلان إيران إنهاء التزامها بالبروتوكول الخاص، والذي يسمح لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآتها النووية ضمن فترة قصيرة جداً من طلب الوكالة، وكانت إيران قد وقعت هذا البروتوكول عام 2003، ولكن دون التصديق قانونياً عليه.

3- الموقف المتصلب الذي يبديه الطرفان الأميركي والإيراني لجهة تهيئة الظروف لعودة إدارة بايدن للاتفاق، حيث تطالب إيران بإلغاء العقوبات أولاً، كخطوة أساسية لقبولها بالبحث مع القوى الدولية للتراجع عن كل خروقاتها للاتفاق، بينما تطالب أميركا بضرورة تراجع إيران عن كل الخروقات المرتكبة. ويبدو جلياً بأن الموقف الصارم الصادر عن ولي الفقيه لا يقبل بتلازم الخطوات بين الطرفين.

4- اعتراف إيران بتركيب «شلالين» من وحدات الطرد المركزي المتطورة IR2- M في مركز  التخصيب تحت الأرض الموجود في منشأة ناتنز النووية وبما يعطي إيران القدرة على تسريع تخصيب اليورانيوم إلى وقود نووي صالح لصنع القنبلة النووية.

5- الإرث الثقيل الموروث في العلاقات الأميركية - الإيرانية، وأجواء العداء المتجددة بسبب نظام العقوبات الذي فرضه الرئيس ترامب ضد إيران، والذي تعتبره القيادة الإيرانية «ارهاباً اقتصادياً»، ولا يبدو ان التيار المتشدد في طهران على استعداد للبدء بأية مباحثات مع الجانب الأميركي قبل تراجعه عن كل العقوبات التي فرضها ترامب، الأمر الذي يعني استسلام إدارة بايدن لكل المطالب الإيرانية.

6- ترفض إيران بشكل مطلق الرضوخ للمطالب الأميركية الإضافية والتي تتركز على بحث وقف تطوير إيران للصواريخ الباليستية، وسياسات إيران وسلوكياتها للهيمنة على العراق واليمن وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى المطلب الأميركي بضم بعض حلفاء أميركا كالمملكة العربية السعودية ومصر إلى طاولة المفاوضات عند بحث هذه القضايا التي تتعلق بأمنهما وأمن المنطقة ككل.

يبدو بأن المواقف المتصلبة التي عبّر عنها الطرفان الإيراني والاميركي لن تسمح بتحقيق أي اختراق في جدار الأزمة الراهنة، وستبقى المباحثات التي جرت أمس في فيينا استطلاعية ليعود الطرفان إلى قيادتيهما لتقييم وسبر إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة.

يرتبط أمن الدول العربية الخليجية بالإضافة إلى العراق وسوريا واليمن ولبنان بنتائج المفاوضات بين إيران وأميركا، حيث سيتقرر على ضوئها دور إيران كقوة إقليمية في مواجهة الدول العربية وإسرائيل. من هنا تبرز أهمية ان تمارس الدول الخليجية ضغوطها على الولايات المتحدة والدول الأوروبية الموقّعة على الاتفاق لأخذ أمنها ومصالحها بالاعتبار في أية مفاوضات مستقبلية مع إيران، سواء لجهة سياساتها بتسليح الميليشيات الشيعية التابعة لها أو لجهة انتاجها للصواريخ الباليستية، أو للسير قدماً نحو إنتاج السلاح النووي.

في حال لم يؤخذ غربياً بالمطالب الأمنية والمصالح الاستراتيجية للدول العربية، فإن البديل يجب ان يكون باللجوء نحو مزيد من عقود الأسلحة المتطورة مع أولوية الشروع ببناء برنامج نووي عربي يؤمن عودة التوازن والردع المتبادل مع إيران وإسرائيل.

في لبنان يبقى الأمل معلقاً على نجاح المساعي لمفاوضات مثمرة أميركية - إيرانية تحد من طموحات إيران واذرعها الميليشياوية بما فيها حزب الله، وبما يسمح لفك الحصار المفروض على السلطة اللبنانية واستعادتها لقرارها الوطني المفقود منذ أكثر من عقدين كاملين.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o