Apr 03, 2021 12:20 PM
مقالات

"ليش مش نضيفة ..."

المركزية- كتب أديب ابي عقل:

... لأن لبنان يعيش على وقع تداخل التطورات والمصالح الإقليمية والدولية وينفعل بها ويتفاعل معها، ولأن وضعه الداخلي يرتاح أو يضطرب نتيجة تلاقيها او تضاربها، ولأن المشهد الخارجي القريب والبعيد متوتر راهنا،ً فالصورة في الداخل على ما هي عليه، انتظار ثقيل عنوانه تمرير الوقت بـ"مبادرات التأليف".

فعلى رغم الضغط الاوروبي الهائل علناً وفي الكواليس، والذي تقوده فرنسا وانضمت اليه ألمانيا، للدفع في اتجاه إحداث خرق في الداخل وتشكيل الحكومة، ليبدأ المجتمع الدولي ضخ المساعدات، وفتح ثغرة انفراج مرحلي وبسيط، لا يزال مَن يعتقدون انهم أهل الحل والربط والقرار في الداخل، يتصرفون وفق حساباتهم الضيقة و"معاييرهم". وها هم يستجدون مقعدا وزاريا من هنا وحقيبة من هناك، للإمساك بناصية القرار الحكومي اذا جد مستجد او اتجهنا نحو الفراغ الآتي -لا سمح الله- المكمّل للواقع الحاضر. وتغطية ذلك تتمّ بشعارات اصلاحية كبرى تنطلق من التدقيق الجنائي لتصل الى محاربة الفساد، فيما الفاسدون الظاهرون المعروفون، أقلّه في مجال تهريب خبز اللبنانيين وقوتهم المدعوم ومحروقاتهم المدعومة، تحدوا الدولة علناً بالصوت والصورة، من دون أن يحرك مدّعو-جميع مدّعي- محاربة الفساد ساكناً.

إن أسوأ ما يمر به وطن، هو ان يهبط مستوى طموح أبنائه بالعيش الحر والكريم الى بحث عن لقمة العيش في انتظار اتفاق المسؤولين على حصصهم، في انتاج حكومة يطّلون بها، حاملةً شعارات طنانة ورنانة فيما التنفيذ أدنى من ذلك بكثير... كثير.

واخطر ما في هذا الواقع، هو عدم استشعار هؤلاء خطورة المنزلق الذي يجرّون البلاد اليه، وهم يعيشون ترف الوقت والتناور والرياء السياسي، فيما الناس وضعهم معروف ومطالبهم واضحة، وإن كانت "مواعظ" البعض، تغمز من قناة هذه المطالب، بدلا من ان يسأل هؤلاء الواعظون المفوّهون عن الأسباب قبل النتائج. أم أن نظرية المؤامرة لا تزال سائدة كما في الأنظمة الديكتاتورية  والتوتاليتارية البائدة حين تبرز مطالب حياتية للناس ودعوات إلى وقف جشع المسؤولين وهدرهم أموال الدولة.

فالوطن لا يبنى بالهوبرة بل بالهدوء والروية، ولا يبنى بالبهورة والتحدي، بل بالحكمة والتعقل والتروي، ولا يبنى بالشعبوية والصراخ والخطابات العالية السقوف، بل بالكلام الهادئ الرصين والإصغاء الى صوت الحق والضمير، ولا يبنى برفع شعارات برّاقة، بل بتأمين ابسط مقومات العيش الحر الكريم.

فالميليشيوي "زعيم" الشوارع والزواريب، لا يمكن، بل يستحيل، ان يكون من بناة دولة حق وقانون، ولبنان من الطائف الى اليوم ابلغ مثل وخير مثال.

والميليشيوي الخارج على القوانين والدولة و"فاتح" سلطة له وعلى حسابه-كما في خلال الحرب الأهلية عسكرياً، ولاحقاً بعدما تدثّر رداء السلطة بفعل الطائف- لا يمكن بل يستحيل، ان يكون -او يجد نفسه- تحت سلطة القانون.

والميليشيوي الذي عاش نحو ربع قرن يفرض الخوّات على الناس ويفتك بهم بقوة سلاحه، لا يمكن، بل يستحيل، ان يعيش في كنف دولة - هو اليوم في صلبها ويواصل سلب خيراتها ويوفّر الغطاء اللازم لأزلامه فيها- تعتمد الثواب والعقاب، اي عادلة، وهي الدولة القوية.

الطبقة السياسية اللبنانية منذ الاستقلال الى اليوم، موصوفة بفساد غالبية أركانها باستثناء شخصيات وقامات شكلت فرقاً وعلامة فارقة، يذكرها اللبنانيون ويتذكرونها. ولعلّ ابرز من اكتشف هذه الطبقة وكشفها هو الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي قال عشية استقالته الشهيرة: "ماذا جئت أفعل مع هؤلاء الناس؟"

"Qu'est-ce que je viens faire avec ces gens là?”

عشيّة عيد القيامة وبعد أسبوع آلام اللبنانيين المعاقبين بتولي مسؤولين من هذا الطراز امورهم منذ عقود، ليس أمام الشعب، الى جانب الصلاة والابتهال للخلاص، سوى اللجوء الى الضغط الديموقراطي المنظم السلمي، السبيل الوحيد للنهوض والانطلاق نحو قيامة وطن عادل يحقق طموح ابنائه.

عشية القيامة، حمى الله لبنان.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o