Mar 26, 2021 12:18 PM
مقالات

مأزق التأليف وفن إدارة الأزمات

المركزية- كتب أديب أبي عقل:

هل تأليف الحكومة في لبنان أصبح استحقاقا دستوريا كبيرا يفوق بأهميته استحقاقا رئاسيا أو نيابيا، وبات من يستطيع انجازه يستحق جائزة نوبل، بدلا من أن يكون محطة سياسية عادية لا تستوجب كل هذا الضجيج والصخب والكلام العالي النبرة والتهديد والوعيد والتكاذب المتبادل؟ 

لم يشهد تاريخ تأليف الحكومات في لبنان، خصوصا بعد اتفاق الطائف، وتحديدا بعد الانسحاب السوري، أزمة كالتي نشهدها اليوم، حيث يشد كل طرف معني بالتشكيل العصب الطائفي تحت عنوان التمسك بأهداب الدستور والحفاظ على "الصلاحيات" فيما الهدف الحقيقي وغير المعلن وغير الخافي على أحد، هو استحقاقات المرحلة المقبلة. وهذا ما يحمل المعنيين والطامحين والطامعين على تحصين أوراقهم السياسية ومواقعهم في سلطة القرار تحسبا لمفاجآت المرحلة المقبلة ومطباتها السياسية وغير السياسية، والتي قد ينتج عنها فراغ سياسي داخلي يتمثل بتأجيل لاستحقاقات العام المقبل تفرضه الأوضاع والتطورات في المنطقة.

فآلية التأليف واضحة بحسب منطوق الدستور ونصه ولا لزوم لـ "اختراع" معطيات وتفسيرات لجهابذة ومفوّهين من جانب طرفي التأليف في شرح ما هو جلي وواضح في الدستور ولا لبس في تفسيره.

إلا أن المشكلة، وهي تتحول إلى معضلة، تكمن في كيفية إدارة الوضع الداخلي بالحد الأدنى الممكن من الهدوء السياسي والاقتصادي والأمني، بعدما بات واضحا أن التوجه الدولي هو نحو الاستقرار في لبنان، نظرا إلى اهتمام المجتمع الدولي بقضايا المنطقة وهي تحتل أولوية لديه قبل الشأن اللبناني.

لبنان منذ قيام دولة لبنان الكبير يعيش على خط زلازل المنطقة وايقاعاتها التي تضربه أحيانا بحسب ما تقتضيه مصلحة سياسة الجوار، وتتركه أحياناأخرى لأن مصالحها تقتضي ذلك.

وهذه الحقيقة تثبتها الوقائع التاريخية في إدارة الحكم اللبناني، حيث عندما دخل لبنان في محاور خارجية، التهب الداخل. وعندما ابتعد عن الانزلاق إلى أي محور اقليمي، عرف الاستقرار والازدهار والنمو.

ذلك أن إدارة الأزمة هي عموما أصعب بكثير من تنفيذ الحل الذي يكون جاهزا، وغالبا معلبا، بمواده ونصوصه.

وحقيقة فكرة إدارة الأزمة فهمها من كثب الرؤساء فؤاد شهاب والياس سركيس وميشال سليمان الذين نجحوا، بتعاطيهم المحلي والخارجي، في إبقاء الداخل اللبناني مستقرا ومرتاحا على كل المستويات وفي شتى المجالات.

والأهم من ذلك كله رفضهم "لعنة" التجديد أو التمديد احتراما منهم للدستور ولمشاعر اللبنانيين المعروفي الموقف من موضوع حساس كهذا.

والغريب المستغرب في منطق بعض المسؤولين هو دفع مقربين منهم إلى رفض طرح نأي لبنان بنفسه عن المشكلات التي هي بالفعل تضرب حكمهم، فيما هم يستدعون السفراء الفاعلين والمعنيين من عرب وأجانب للشكوى إليهم من تصرفات الطرف الآخر في التشكيل، في "تدويل" مقنع ذهبوا هم إليه بوقاحة.

هل تم استبدال السفير المصري (في عهد الرئيس جمال عبد الناصر) عبد الحميد غالب بالسفير السعودي وليد البخاري، والسفير الأميركي (أواخر الخمسينيات) روبرت ماكلينتوك بالسفيرة دوروثي شيا، فيما الفرنسيون دخلوا مباشرة على خط الداخل اللبناني مع الرئيس ايمانويل ماكرون؟

المخرج واضح. لا لزوم لحل المشكلة القائمة في أي عاصمة غير بيروت. ولكن  المسؤولين لن يقدموا عليه، خصوصا أنهم ما عادوا  يملكون شيئا ليخسروه بعدما فقدوا ثقة الغالبية الساحقة من اللبنانيين و"ظهرهم على الحيط" وهم يلعبون أوراقهم على المكشوف.

الحل ليس مع طبقة تجيد الرقص فوق القبور بل مع أخرى جديدة تنتجها انتخابات تشريعية وفق قانون انتخابي عصري بعيد من المصالح والحسابات الشخصية والفئوية. ومن يعش يرَ.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o