Mar 23, 2021 12:43 PM
مقالات

الحكومة والقوى السياسية... ومزبلة التاريخ

المركزية- كتب أديب أبي عقل:

ليس أسوأ ما في المشهد السياسي المكفهر داخليا وخارجيا سوى التعاطي الذي يتّبعه المسؤولون مع كل قضية واستحقاق ومحطة. إذ يتحول المسؤول من معني مباشر في ايجاد المخارج والحلول إلى "خياط" يفصّل الأمور على قياس مصالحه الشخصية والضيقة القريبة والمتوسطة المدى.

ولعل المشهد الحكومي القائم منذ شهور خير معبّر عن العقم والسطحية في المعالجات، فيما المنطقة على شفير مرحلة جديدة تحمل المخاطر والتحديات التي لا قدرة للبنان على مواجهتها أو التعامل معها أو، في أضعف الأحوال، النقاش فيها.

فالدستور لم يعد نصا محترما بمقدار ما أصبح وجهة نظر تخضع لتفسير من هنا وآخر من هناك في حين أنه مكتوب بلغة عربية واضحة لا مجال للاجتهادات فيها من جهابذة نصّبوا أنفسهم رعاة التفسير والشرح والتطبيق.

وإذا كان مفهوما أن القوى الاقليمية المعنية بالمرحلة المقبلة مباشرة تمنع إلى الآن قيام حكومة من خلال سياسة تجميع الأوراق الضاغطة تمهيدا للتفاوض الدولي من "موقع قوة"، فما هو غير المفهوم، أن ينزلق أهل الداخل بدورهم إلى محاولة امتلاك مثل هذه الأوراق لاستخدامها في استحقاقات مقبلة أساسية.

ولكن فات هؤلاء أنه مهما كان حجم ما يمتلكون من أوراق، ومهما حاولوا ايهام أنفسهم بتحقيق المكاسب، فإن الاستحقاقات الكبرى في لبنان لا يقررها من يمتلك معطيات أكثر، بل إن توجهات هذه الاستحقاقات ونهاياتها هي نتيجة تفاهم اقليمي ودولي أو على الأقل تقاطع مصالح يترجم بـ "كلمة سر" هي في الواقع "أمر عمليات" إلى المعنيين بانجاز الاستحقاقات من دون أي اعتراض، وإن كان مسموحا للبعض إبداء نوع من الامتعاض...

والواقع في تشكيل الحكومة الجديدة، أن المنطق والتصرف السائدين  جديدان على الساحة بكل المقاييس. الأمر لا يستدعي "بهورة" ولا مطالبة بأمور كانت القوى الأساسية المعنية بالتأليف تمنعها في السابق عن رئيس الجمهورية وغيره من القوى.

على العكس، الأمر يتطلب حكمة وهدوءا وروية لينقذ كل طرف نفسه أولا وينقذ العباد والبلاد ثانيا، استعدادا للمرحلة المقبلة، بدلا من الثرثرة فوق أوضاع مزرية سياسيا واقتصاديا وماليا وصحيا وغذائيا، فضلا عن الضغوط القائمة حيث صرخة اللبنانيين لم تعد "بدنا ناكل جوعانين" لأن الجوع ضرب عميقا في واقعهم اليومي، بل هي  بلغت مرحلة "بدنا نتنفس مخنوقين".

ساد في السابق تنافس شديد وصعب بين القوى السياسية في التأليف. لكن "هدوء" عقل رئيس الجمهورية والرؤساء المكلفين وصبرهم وتصبرهم في مصلحة الوطن أمنّت اجتياز تلك المراحل من دون أن يتأثر الاقتصاد والوضع المعيشي وثقة الخارج والمغتربين .

في نهاية المطاف، لا يجوز أن يبقى الوضع كما هو، خصوصا وأن لا إمكان لأي تعديل دستوري في الظرف الراهن لتصحيح المسار. مع العلم أن هذا التعديل لم تتقدم الأكثريات التي توالت وتطالب به اليوم بأي مشروع في شأنه، لأن مصالحها لم تكن "تتطلب" ذلك. فضلا عن أن القوى التي ترعاها سياسيا وماليا لم تكن "تسمح" لها وهي كذلك اليوم لأن آفاق أهدافها تصب في غير اتجاه الابقاء على الوطن النموذجي صاحب الرسالة الفريدة في المنطقة والعالم، من خيث العيش المشترك وقبول الآخر. والخطٍر أن بعضا من القوى السياسية المفترض أنه ابن هذه الأرض يسير في ركاب تلك التوجهات والمشاريع.

المطلوب إنقاذ الوطن أولا لأن في ذلك انقاذا للوضع الداخلي ولحياة الناس وعيشهم الذي يبتعد يوما بعد يوم عن أن يكون كريما ولائقا بفعل ممارسات هؤلاء المسؤولين الذين يسيرون بإرادة ذاتية إلى مزبلة التاريخ قبل أن يلعنهم الناس والتاريخ. 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o