Feb 22, 2021 2:14 PM
خاص

بركات: برنامج إصلاحي مع الصندوق واعادة هيكلة منتظمة..من أجل تفادي سيناريو "الليلرة"

المركزية - اعتبر كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات، ان "في نظرة سريعة الى السنوات القليلة الماضية التي سبقت اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة في لبنان، يتبيّن أن نقطة الانعطاف للوضع المالي الحالي ابتدأت في العام 2014 لتتفاقم أكثر منذ العام 2016 مع نضوب التدفقات المالية الوافدة وظهور فجوة مالية بالعملات الأجنبية في ميزانية مصرف لبنان. في الواقع، بدأ صافي الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان في التحوّل من إيجابي إلى سلبي في العام 2014، ليصل إلى ما يقدر بحوالي 55 مليار دولار اليوم، أي بتردِّ مقداره 56 مليار دولار منذ نهاية العام 2013. وهذا يُعزى إلى نحو 30 مليار دولار من التحويلات الصافية من الليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية خلال تلك الفترة، وإلى 14 مليار دولار من خسائر في الفوائد (الفارق بين متوسط العائد على موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية ومتوسط تكلفة مطلوباته بالعملات الأجنبية)، وإلى 12 مليار دولار من تحويلات مالية لدعم الحاجات التمويلية للدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية (فيول لمؤسسة كهرباء لبنان وخدمة دين بالعملات الأجنبية بشكل خاص)". 

أضاف: "وبناءً على ذلك، فإن سياسة تثبيت العملة شكّلت المحرّك الرئيسي لتوظيفات المصارف المتزايدة لدى مصرف لبنان وذلك لضمان عمليات تحويل العملة الوطنية وسط طلب متزايد على العملات الأجنبية. عليه، فإن الاختلالات الحقيقية الحالية كانت مدفوعة بعملية الحفاظ على استقرار العملة الوطنية لفترة طويلة، وإبقاء التضخم عند مستويات لا تذكر، بالتوازي مع عمليات استيراد ملحوظة من واردات السلع والخدمات في اقتصاد يعتمد بشكل مفرط على الخارج ويفتقر إلى الإنتاجية المحلية، وذلك في ظل إنفاق مُفرط لاقتصاد عاش على مدى عقود بما يفوق إمكانياته. ومنذ العام 2014، تم إنفاق ما يقارب 151 مليار دولار على تمويل عمليات الاستيراد وعلى السفر والسياحة الخارجية (118 مليار دولار و33 مليار دولار على التوالي)، في حين بلغت التدفقات المالية الوافدة إلى لبنان حوالي 79 مليار دولار (تأتت عن صافي التحويلات المالية وعائدات التصدير والاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة في الداخل)، ما يضعنا أمام فجوة مالية قدرها 58 مليار دولار، مموّلة بشكل غير مباشر من صافي الموجودات الخارجية للنظام المالي (مصرف لبنان ومصارف)". 

وتابع بركات: "بالإضافة إلى ذلك، تمّ استخدام الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان لتمويل الإنفاق الحكومي غير المنتج (بشكل مباشر وغير مباشر)، ولا سيما نفقات الموازنة العامة بالعملات الأجنبية، في حين فشلت سياسة الدولة في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية أو في البنى التحتية، مما أدّى إلى تفاقم الوضع أكثر في سياق تردٍ متزايد في بنية لبنان التحتية. ومن المفارقات أن الدولة اللبنانية أقرّت سلسلة رتب ورواتب مكلفة للقطاع العام أدّت إلى تضخيم كتلة الأجور ساهمت بذلك في تعزيز عمليات تحويل العملة الوطنية إلى العملات الأجنبية والتدفقات المالية إلى الخارج". 

واشار الى ان "خلال نفس الفترة، أي منذ العام 2014، تمّ دفع ما مجموعه 46 مليار دولار من فوائد (أو متوسط سعر فائدة يقارب 4.7٪) على الودائع في المصارف اللبنانية أو 33% من كتلة الودائع الحالية البالغة 141 مليار دولار. في موازاة ذلك، تمّ دفع حوالي 3.6 مليار دولار على شكل أنصبة أرباح للمساهمين شكّلت متوسط عائد أرباح بمقدار 4.0%، أي أقلّ من متوسط سعر الفائدة على الودائع المصرفية. وقد تمّ اللجوء إلى هذه الأرباح الموزّعة بشكل أساسي من أجل الزيادات المتتالية في رأس المال من قبل المساهمين والتي رست في خانة الأموال الخاصة الحالية للنظام المصرفي". 

وتابع: "خلال السنوات الثلاث للهندسات المالية 2016-2018، تم دفع فوائد إضافية بمقدار 8.4 مليار دولار للمودعين (25.4 مليار دولار خلال الفترة 2016-2018، مقابل 17 مليار دولار خلال الفترة 2013-2015)، مقارنة بأنصبة أرباح إضافية بمقدار 0.7 مليار دولار دُفعت لمساهمي المصارف (2.4 مليار دولار خلال الفترة 2016-2018، مقابل 1.7 مليار دولار خلال الفترة 2013-2015)، مع الإشارة إلى أنه ومنذ العام 2019، لا أنصبة أرباح تُدفع للمساهمين". 

أضاف: "أما اليوم، وفي ظلّ فرضية سعر صرف لليرة اللبنانية مقابل الدولار بحدود 9,000 ومتوسط مضاعف للدولار السوقي(Fresh Dollar)  مقابل الدولار المصرفي بحدود 3 أضعاف، فإن القيمة السوقية لإجمالي أصول القطاع المصرفي تصل إلى 53 مليار دولار (أي 2.8 مرات الناتج المحلي الإجمالي المقدّر من قبل صندوق النقد الدولي)، مقابل أصول مصرفية إسمية تبلغ 190 مليار دولار في الميزانية المجمعة للمصارف. عليه، ووسط انكماش حجم الأصول بنسبة 72%، تبلغ الأموال الخاصة المقيّمة بدولار السوق(Fresh Equity)  اليوم حوالي 4 مليارات دولار، مقابل أكثر من 20 مليار دولار في العام 2019 قبيل الأزمة". 

وقال: "ما هي الخيارات المتاحة مستقبلاً؟ في الواقع هناك خياران، الأول الذي يجب تجنّبه بكافة الطرق يتمثّل بسيناريو المراوحة والجمود واللا اصلاح على مستوى الدولة والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى "الليلرة" المطلقة، في حين أن الخيار الثاني يقوم على إعادة هيكلة منتظمة وفق برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يكون المفتاح للتصحيح الضروري للوضع المالي بشكل عام". 

وختم بركات: "في الحقيقـة، إن خيار إعادة الهيكلة المنتظمة ينبغي أن يترافق مع الالتزام ببرنامج لصندوق النقد الدولي يشمل الإصلاحات الهيكلية والمالية المطلوبة، ما من شأن ذلك أن يساهم في استعادة الثقة وإطلاق مساعدات مؤتمر "سيدر" واستثمارات أخرى في الاقتصاد الوطني. وهو ما ينبغي أن يعتمد على إنشاء صندوق سيادي يتضمّن قسطاً من أصول الدولة اللبنانية يقدّر بحوالي 30 مليار دولار (يُستخدم بشكل مباشر أو غير مباشر لتأمين ذمم المصارف عليها وبالتالي التزاماتها تجاه المودعين)، ضخّ السيولة في القطاع المصرفي من خلال خطوط ائتمانية مقابل احتياطي الذهب، فرض ضرائب استثنائية لاسترجاع بعض من الفوائد المرتفعة التي دُفعت إلى كبار المودعين، ناهيك عن تحرير سعر صرف العملة الوطنية ما من شأنه أن يخفّض من الدين العام بالليرة اللبنانية، ومن ثمّ البدء بمفاوضات جدّية مع حاملي سندات اليوربوندز السيادية. إن الهدف من هذا الاتجاه هو ضمان توزيع عادل ومنصف للخسائر بين جميع العملاء الاقتصاديين، وتخفيض الدين العام إلى مستويات مستدامة أي بحدود 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحرير جزء من أموال المودعين دون التطرّق إلى إجراءات Haircut، وأخيراً المساهمة في إعادة الثقة في الاقتصاد الوطني وفي القطاع المصرفي لتعزيز القدرة على إعادة جذب الأموال إلى الاقتصاد المحلي بشكل عام". 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o