Jan 28, 2021 9:48 AM
مقالات

المأزق السياسي يدفع لبنان نحو سيناريوهات أكثر خطورة

كتب أسعد خوري في "العرب":

عادة تكون عملية تشكيل الحكومات في لبنان مهمة صعبة وتستغرق أسابيع أو حتى أشهرا، وبغض النظر عمّن يتدخل من الخارج في العملية السياسية، وخاصة من طرف النظام السوري في السابق، وفرنسا الآن، فإن مخرجات اتفاق الطائف قبل ثلاثة عقود أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأنه تضمن العديد من الثغرات لجمع كافة الأطياف على طاولة التشاور لتسيير شؤون البلد. وما يزيد من تعقيد المشكلة هو الأزمة المالية التي بات فيها حاكم مصرف لبنان المركزي تحت دائرة الأضواء بسبب شبهات فساد تتعلق به.

يروي نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدّام أنّه خلال تشكيل الحكومة الأولى في لبنان برئاسة رئيس الوزراء عمر كرامي بعد اتّفاق الطائف في العام 1990، كان النظام السوري كالعادة، هو الذي يشكّل الحكومات اللبنانيّة أو يساهم بفرض معظم أعضائها.

وكان الاتفاق العربي الدولي في ذلك الوقت يقضي بتشكيل حكومة تضمّ كافة القوى والميليشيات، التي قاتلت خلال الحرب الأهليّة في لبنان في الفترة بين عامي 1975 و1990، ومن بينها حزب “القوّات اللبنانيّة” الذي يقوده سمير جعجع.

وفي ذلك الوقت، اتّصل خدّام، بأسلوبه الصلف، برئيس الوزراء المكلّف كرامي و”أوصاه” بالآتي “من الضروري أن تضمّ الحكومة رئيس القوّات اللبنانيّة سمير جعجع إضافة إلى أسماء أخرى طبعا”، أجابه عمر كرامي “يا أبوجمال، كيف تريدني أن أضم جعجع إلى حكومتي وهو ‘قاتل أخي رشيد!'”. وتابع “ماذا أقول لأخي رشيد إذا واجهته، هل أقول له إنّني أشركت بالحكومة سمير جعجع؟”

أجاب خدّام ساخرا “إذا أدخلت جعجع في الحكومة، فلن تواجه أخيك رشيد، أمّا إذا رفضت إشراكه فستواجه أخيك رشيد حتما!” (تهديد مبطّن بالقتل). وكان جعجع أتُهم باغتيال كرامي في طائرة هليكوبتر عسكريّة كانت تقلّه من طرابلس إلى بيروت في أوّل يونيو عام 1987.

نماذج مكررة: ما جرى هو نموذج ليس فقط عن التدخّل السوري بتشكيل الحكومات اللبنانيّة زمن الرئيس حافظ الأسد وبداية اتّفاق الطائف، بل هو اليوم مؤشّر على أنّ تشكيل أي حكومة لبنانيّة يحتاج إلى وسيط خارجي لتقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المكلّف، لأنّه لا يمكن لأحدهما حسب الدستور، الانفراد بعمليّة التشكيل ويجب أن يتّفقا على التشكيلة الوزاريّة، وإلا فإن الحكومة لا تتشكل لسبب أو لآخر.

وما يحصل اليوم في لبنان هو دليل واضح على “ضبابيّة” قانون تشكيل الحكومة الذي أنتجه اتفاق الطائف، والذي يحتاج إلى طرف ثالث يَأمر فيُطاع (زمن الوصاية السورية على لبنان) أو يقترح (فرنسا – ماكرون) دون أن ينجح في تحقيق مطلبه على الرغم من كونه مدعوما من قوى سياسيّة وروحيّة لبنانيّة عديدة على رأسها البطريرك الماروني بشارة الراعي.

وهنا تختلف أسباب تأخّر عمليّة التشكيل. والأمثلة كثيرة وعديدة حيث تأخّرت حكومات لبنانيّة خلال السنوات الماضية عشرة أشهر أو أكثر لإنجاز عمليّة التشكيل! وهذا أمر غير معقول وغير مقبول في دولة تدّعي الديمقراطية والتوافق مثل لبنان.

وبرأي مراقبين مطلعين جدا على تطوّرات تشكيل الحكومة الحاليّة المكلّف بها رئيس الوزراء سعد الحريري، فإنّها تعاني منذ أكثر من أربعة أشهر من عمليّات إجهاض متكرّرة بسبب البحث عن تسويات سياسية وأيضا المحاصصات الحزبية التي عطلت كل سبل الخروج من هذا المأزق، والضالعون بخفايا السياسة اللبنانيّة يعزون أسباب “التعسّر” إلى جملة من العوامل.

أول تلك العوامل أنه لا حكومة لبنانيّة قد تتشكل قبل لقاء سياسي علني بين الحريري والنائب جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون والحاكم الفعلي في البلاد.

وبما أنّ الحريري مازال مصرا على عدم عقد مثل هذا اللّقاء رغم الوساطات العديدة، فإنّ الحكومة مستمرّة في التعطيل وستبقى تنتظر إعلانها أو الاعتذار، على الرغم من أن رئيس الوزراء المكلف يرفض الاعتذار وهذا الحق يخوله له الدستور، أو أن يحصل أمرُ غير متوقّع وضغط دولي جدّي وفاعل من شأنه أن يُخرج الحكومة إلى نور الحياة!

أما العامل الثاني فيتمثل في أن الحكومة اللبنانيّة قد يتأخّر تشكيلها إلى الربيع أو الصيف القادمين. وهذه الحكومة ستكون مصغّرة، وقد يرأسها عسكري وتضمّ وزراء عسكريّين، وتكون مهمّتها الإشراف على الانتخابات النيابيّة التي ستجرى في العام 2022.

ويرجع المراقبون ذلك إلى أن الصراع الحالي ليس فقط على الحقائب والحصص للكتل النيابيّة ولرئيس الجمهوريّة ولصهره جبران باسيل تحديدا، بل إنّ الصراع هو في اتّجاه آخر أيضا.

والاعتقاد السائد هو أنّ فراغا رئاسيا طويلا قد يعقب انتهاء ولاية عون في خريف العام 2022، ما يعني أنّ الحكومة العسكريّة المشار إليها ستتولّى مقاليد الحكم في البلاد طيلة فترة الفراغ الرئاسي وحتّى يتمّ الاتّفاق أو التوافق على رئيس جديد للجمهوريّة وهذا إذا حصل اتفاق على اسم الرئيس وهويته هذه المرة!

سقوط أحجار الدومينو: إنّ الأوضاع في لبنان مفتوحة على كلّ المخاطر وليس على كلّ الخيارات. واليوم دخل معطى جديد وهام على الأزمة المتفاقمة يوميّا في البلاد، وهو موقف المدّعي العام السويسري.

ووجه المدعي العام السويسري اتهاما لحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة بتبييض أموال واختلاس وقيامه برفقة شقيقه رجا سلامة ومساعدته ماريان الحويّك بتحويل قرابة 400 مليون دولار أميركي إلى مصارف سويسريّة.

وحقق المدّعي العام اللّبناني غسّان عويدات مع حاكم المصرف المركزي الذي فضّل متابعة التحقيق معه لدى المدّعي العام السويسري، الذي كان قد سطّر الإنابة القضائيّة بحقّ سلامة، وسلّمتها سفيرة سويسرا في لبنان إلى وزيرة العدل اللبنانيّة ماري كلود نجم، والتي سلّمتها لرئيس الجمهورية ولرئيس حكومة تصريف الأعمال، وكذلك لمدّعي عام التمييز اللبناني لإجراء اللّازم.

ويخشى سياسيون لبنانيون من المساهمين في هدر أو سرقة المال العام، أو من الذين هرّبوا الملايين من الدولارات إلى سويسرا وغيرها من البلدان، أن يكون حاكم مصرف لبنان “كبش المحرقة”، وأن تتكشف اللعبة المالية كلها.

ويذهب بعض المراقبين إلى اعتبار أنّ سقوط سلامة هو سقوط للحجر الأوّل، على أن يتبعه سقوط كافة “أحجار الدومينو” من سياسيين ومصرفيّين ومسؤولين عن سرقة وهدر أموال اللبنانيين والعرب، والبالغة حوالي 200 مليار دولار، كانت في المصارف اللبنانية وتبخّرت!

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o