Jan 25, 2021 12:43 PM
صحف

بركات يحدّد أبرز التحدّيات المصرفية:
إعادة الهيكلة وبيع المؤسسات التابعة بالخارج وإقرار الـ"كابيتال كونترول"

المركزية- في نهایة شباط المقبل تنتهي المهلة التي منحها مصرف لبنان للمصارف كي تنجز عملیة إعادة الرسملة والتي على أساسها سیتحدد مصیر المصارف في لبنان .

أسئلة كثیرة تدور في فلك عملیة إعادة الرسملة منها:

ما هو الهدف من هذه العملیة ؟ من سیجتاز إمتحان شباط؟

هل قرار المصرف المركزي یمهد لخطة تمهیداً لما یسمى «دمج بعض المصارف» خصوصا المتعثرة منها؟ یقال أن الخطر الحقیقي لا یكمن في سقوط مصارف صغیرة متعثرة بین یدي مصرف لبنان ولا في عجز مصارف أخرى عن تكوین سیولة بنسبة 3 % من ودائعها في مصارف خارجیة بل في مصیر الأموال الجدیدة والرسامیل النامیة بنسبة 20 % إذا استمر الوضع السیاسي على ما هو علیه. إلى أین سیتجه القطاع المصرفي في هذه الحالة وهو الذي خسر ثقة مودعیه في العام 2020؟

القطاع المصرفي عمود فقري للاقتصاد اللبناني

في هذا السیاق أجاب كبیر الإقتصادیین ورئیس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات على الأسئلة فقال لصحيفة «الشرق»: بدایةً، لا بدّ من التذكیر أن القطاع المصرفي اللبناني شكّل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني على مدى العقود الثلاثة الماضیة وذلك قبیل اندلاع الأزمة المالیة الأخیرة. فقد ساهم القطاع المصرفي بشكل فعّال في تكوین الناتج المحلي الإجمالي، ووفّر ما نسبته 60 % من الاحتیاجات التمویلیة للقطاع العام، و30 % من الإیرادات الضریبیة و50 % من تمویل التجارة الخارجیة، بالإضافة إلى التمویل الدینامیكي للقطاع الخاص بمحفظة تسلیفات إلى الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز عتبة الـ100%، في لبنان. ناهیك عن توظیفه ما یقارب 26,000 موظف من ذوي المهارات العالیة، یشكّلون مدماك الطبقة الوسطى غیر أنه وبعد مرور أكثر من عام على 17 تشرین الأول 2019، من الواضح أن الظروف التشغیلیة للقطاع المصرفي قد تردّت بشكل ملحوظ. إذ تراجع عامل الثقة خصوصاً عندما تعثّرت الدولة في سداد سنداتها من الیوروبوند والتي تستحوذ منها المصارف على 10 ملیارات دولار، كما شهد القطاع المصرفي انكماشاً في الودائع بنحو 34 ملیار دولار منذ بدایة العام 2019 (حوالي 20%) ترافق مع تقلّص في محفظة التسلیفات بأكثر من 20 ملیار دولار خلال الفترة نفسها، وهو ما یمثّل ثلثي انكماش الودائع المصرفیة.  في موازاة ذلك، تكبّد القطاع المصرفي خسائر لاحقة، حیث انخفضت الأموال الخاصة بنحو ملیاري دولار خلال العام الماضي.

المصارف تحتاج فقط الى مستحقاتها لدى الدولة

في ظل هذا المناخ أضاف بركات: ما یزال القطاع المصرفي الیوم لا یحتاج إلى تعویم خارجي، فالمصارف تحتاج فقط إلى أن تسدّد الدولة اللبنانیة من وزارة مال ومصرف لبنان مستحقاتها بالعملات. وإذا حصل ذلك، فإن وضعیة السیولة لدى المصارف من شأنها أن تتعزّز مع قیام الدولة بسداد جزء من السیولة المستحقة للمصارف. ولكن المطلوب أولاً وقبل كل شيء أن یكون لدى السلطات العامة والنظام المالي رؤیة مشتركة للخسائر المالیة المحققة والمرتقبة. بعد ذلك، ینبغي أن یتحوّل التركیز إلى المطالبة باسترداد جزء من تلك الخسائر وتوزیع الباقي على كافة العملاء الاقتصادیین بطریقة عادلة ومنصفة.

وتابع: في الواقع، من غیر المنصف أن یُطلب من المصارف تحمّل كل التكالیف المتراكمة على مدى سنوات من سوء إدارة الدولة. وبالتالي یجب أن یكون هناك آلیة عادلة لتقاسم الأعباء حیث تحتاج الدولة إلى استخدام العدید من أدواتها لتتحمّل جزءا ملحوظا من هذه الخسائر، على سبیل المثال خصخصة بعض مؤسساتها أو المبادلة المحتملة للأصول الحكومیة التي یمكن توظیفها في صندوق سیادي یُدار على مدى سنوات لمعالجة 2 بعض هذه الخسائر. من هنا، فإن القطاع المصرفي مستعدّ للتخلي عن سنوات من الدخل المحتمل، لكن مع الحاجة إلى الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأموال الخاصة لتمكین القطاع المصرفي في غضون عام أو عامین من أن یدعم استراتیجیة النهوض الاقتصادي في البلاد والذي سیكون مبنیّاً على إطار ماكرو اقتصادي سلیم وقطاع مصرفي متین وعلى ثقة ینبغي أن تُستعاد مع مرور الزمن.

إعادة الهيكلة ضرورية

على مستوى الإطار التنظیمي قال بركات: تبرز أهمیة إصلاح القطاع المصرفي بجهود إعادة الهیكلة لتعزیز وضعیته المالیة وحوكمته وقدرته على مواجهة الضغوط. المطلوب أولاً وقبل كل شيء توحید إجراءات ضبط حركة الأموال بموجب مشروع قانون Capital Control تعدّه الحكومة العتیدة ویعتمده مجلس النواب، من أجل ضمان معاملة عادلة ومنصفة لجمیع الزبائن وخفض الاستنسابیة بین المصارف والحدّ من المخاطر القانونیة إزاء القطاع المصرفي.

وتابع: لكن إعادة الهیكلة ضروریة أیضاً، ففي ظلّ وجود قطاع مصرفي یتجاوز ثلاث مرات الناتج المحلي الإجمالي، من الطبیعي القول ان بُعد القطاع المصرفي اللبناني ضخم مقارنةً ببُعد الاقتصاد الوطني. في الواقع، یعتبر القطاع المصرفي اللبناني أحد أكبر القطاعات في العالم من حیث نسبة الأصول المصرفیة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن حجم هذه الأصول المصرفیة أكبر مما هو مطلوب لتحقیق تمویل الاقتصاد المنتج. من هنا، فإن إجمالي أصول القطاع المصرفي في لبنان یجب أن یتقلّص إلى حوالي 150 % من الناتج المحلي الإجمالي بُعید إعادة الهیكلة تماشیاً مع البلاد ذات البنى الاقتصادیة المشابهة للبنان. من هنا تبرز اهمیة التعامیم الصادرة عن مصرف لبنان والتي تتطلب تعزیز الرسامیل بنسبة عشرون في المائة وتكوین سیولة بالخارج تصل الى ثلاثة في المئة من الودائع بالعملات مع نهایة شهر شباط. في هذا السیاق، یجدر الذكر أنه وفي ظل هذه الظروف الراهنة، قد تضطر المؤسسات المصرفیة الأكثر تضرراً أو غیر القادرة على رفع رأسمالها وفقاً لمتطلّبات مصرف لبنان إلى الاندماج مع مؤسسات مصرفیة أخرى، الأمر الذي من شأنه أن یؤدي إلى تقلیص عدد المصارف في القطاع.

بعض المصارف ستخرج من السوق

وأضاف: إن بعض المصارف قد تجد صعوبة في التكیّف وتلبیة المتطلبات في ظل هذا المناخ السائد حالیاً، وسیتعیّن علیها الخروج من السوق،في حین أن مصارف أخرى ستكون قادرة على البقاء ومواصلة العمل، حتى لو كان ذلك یعني الاضطرار إلى بیع جزء من مؤسساتها التابعة في الخارج من أجل ضخّ سیولة كافیة وتعزیز رسامیلها. هنا تبرز الجهود الحثیثة التي تقوم بها كبرى المصارف حالیاً من أجل بیع مؤسسات تابعة لها في الخارج تماشیاً مع متطلبات السیولة والرسملة المفروضة حدیثاً من مصرف لبنان. الجدیر بالذكر هنا أن عدد المصارف اللبنانیة المتواجدة في الخارج یصل إلى 18 مصرفاً وذلك في 32 دولة عبر شبكة فروع مؤلفة من 329 فرعاً تدیر أصولاً إجمالیة تبلغ 37 ملیار دولار.

وتابع: في المقابل، إن إصلاح النظام المصرفي بجهود إعادة الهیكلة لتعزیز الوضع المالي وحوكمة وقدرة على مواجهة الضغوط من شأن أن یحصّن الإطار الماكرو اقتصادي والمالي للبلاد. إن وجود قطاع مصرفي أصغر وأمتن من شأنه أن یعزّز الانتاجیة وفعالیة التكلفة ویمكن أن یستفید أیضاً من زیادة التركیز على المكننة. إضافةً إلى ذلك، فإن سلامة القطاع المصرفي لها تأثیر ملحوظ على المخاطر السیادیة وبالتالي على أي تصنیف سیادي محتمل للبنان. وبالمثل، فإن وجود قطاع مصرفي موثوق به هو المفتاح لإعادة ربط لبنان مع أسواق الرسامیل العالمیة.

المطلوب استراتيجية خروج من الأزمة

وعن المستقبل المصرفي في لبنان قال بركات: لا یمكن فصله عن مستقبل الاقتصاد الوطني بشكل عام بمكوناته المختلفة من القطاع المالي والقطاع العام والقطاع الخارجي والقطاع الحقیقي. علیه، یحتاج لبنان بشكل وشیك إلى الشروع في استراتیجیة للخروج من الأزمة تضعها حكومة عتیدة توحي بالصدقیة من شأنها إطلاق عجلة الإصلاحات الهیكلیة المطلوبة.فعلى الرغم من أن الاختلالات الهیكلیة 3 والدوریة السائدة التي تعاني منها البلاد مستفحلة، إلا أن المخارج ما زالت ممكنة إذا ما توفّرت الإرادة وإذا  تم اتخاذ خیارات وتدابیر جذریة تمكّن لبنان من الخروج من أزمته المستفحلة مع الوقت.

* * *

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o