Jan 22, 2021 5:59 PM
مقالات

وداعاً ترامب.. أعان الله بايدن

غادر دونالد ترامب البيت الأبيض تاركاً وراءه بلاده مشرذمة وحزبه الجمهوري على عتبة انقسام تاريخي، ومجتمعه يغرق في وباء قضى على اكثر من اربعمائة الف اميركي والبطالة زادت عن العشرة ملايين. ماذا أيضاً؟

هذه محاولة لإستقراء وإستعراض الإرث الثقيل الذي تركه ترامب وراءه. إرث يحتاج إلى سنوات من الترميم، لا سيما في الداخل الأميركي الذي تبين أنه منقسم بشكل عامودي على نفسه. أما الخارج، فسيكون دائما في المرتبة الثانية، لكن بفارق أن الهم الداخلي سيبقى أولوية الأولويات عند هذه الإدارة ومن سيأتي من بعدها، ومن البديهي القول إن الداخل والخارج مترابطان، وكلما إنكفأت الإمبراطورية الأميركية على نفسها، زادت أمراض داخلها وكلما توسعت أكثر من قدرتها، كانت هناك فرصة لمواجهة تداعيات وأكلاف ليس من السهل تحملها.

غادر ترامب واشنطن تاركاً سيلاً من الفوضى والأزمات الداخلية. كل قادة العالم إستنفروا لمواجهة جائحة كوفيدـ19 منذ سنة حتى الآن، إلا دونالد ترامب الذي قرر أن يقلل من خطورة الوباء وراح يتكهن بنهاية سريعة له. لذلك، لم تضع ادارته خطة عملية لمحاربته والقضاء عليه.

الكابيتول، مقر مجلسي الشيوخ والنواب، احتاج الى حوالي ٢٥ الف جندي من الحرس الوطني المدجج بالسلاح لحماية حفل تنصيب جو بايدن من هجوم اخر لانصار ترامب، بينما قرر المدعي العام في واشنطن، بمشاركة مكتب التحقيقات الاميركي (FBI) ملاحقة المعتدين على الكابيتول بتحريض من ترامب في السادس من الشهر الجاري، وقد قارب عدد الموقفين حوالي المائة.

 

غادر ترامب واشنطن بعد ان اتهمه مجلس النواب “بالتحريض على العصيان”، وستجري محاكمته في مجلس الشيوخ قريبا، ومن المعلوم ان ادانته تحتاج الى ثلثي عدد الشيوخ او ٦٧ شيخا. اقام قبل اقلاعه في طائرة الرئاسة في الصباح الباكر عرضاً عسكرياً وداعياً، لم يحضره نائبه مايك بنس وقيادة الحزب الجمهوري بما في ذلك أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الجمهوريين الذين فضل معظمهم حضور حفل تنصيب بايدن في الكابيتول الى جانب الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك اوباما.

غادر واشنطن بعد ان وزع مكتبه فيديو عوضا عن خطاب وداعي يلقيه الرئيس المنتهية ولايته، يتمنى فيه التوفيق والنجاح للادارة الجديدة من دون ان يذكر اسم جو بايدن او ان يعترف بخسارته الانتخابات، كما هاجم في الفيديو العنف الذي مارسه انصاره مبرئاً نفسه من اتهام مجلس النواب له بتحريضهم  للقيام بالتكسير والضرب، الذي كاد ينال من حياة نائب الرئيس ورئيسة مجلس النواب وقيادتي الحزبين في الكونغرس.

ترك وراءه في واشنطن نظريات المؤامرات والحقيقة البديلة والرياء وقد احصت صحيفة الواشنطن بوست اكثر من ثلاثين الف تصريح كاذب خلال فترة رئاسته، وتوجه باكبر كذبة على الاطلاق بانه فاز بالانتخابات. انه دون شك قدير. كتبت سوزان غلاسر في النيويوركر: ”استطاع ان  يحول أحد الحزبين السياسيين في أمريكا إلى عبادة شخصية وطائفة  دينية (cult)، وهو اصلا عبارة عن رجل اعمال فاشل في قطاع العقارات في نيويورك وقد اعلن افلاسه بشكل متكرر. انه ديماغوجي بامتياز، يعشق الانقسام والخلاف العنصري. أثنى على الحكام المستبدين وهاجم  الدول الحليفة، وعمل الى تسييس وزارة العدل، وجعل الرئاسة للاستفادة المالية لنفسه ولاولاده”.

حكم بواسطة التغريدات (تويتر) وكان يرسم السياسات ويعين وزراء ويقيلهم عبر تغريداته. استعمل كل منصات الاعلام الالكترونية لتجمعاته ومهرجاناته ولكنها قضت عليه عندما استعملها لتحريض انصاره في الهجوم على الكابيتول في محاولة للانقلاب على نتائج الانتخابات. لقد اغلق كل من تويتر وفايسبوك حسابات ترامب بعد الهجوم على الكابيتول، بعد إتهامه بالتحريض على العنف والارهاب والعنصرية.

جو بايدن هو الرئيس السادس والاربعون للولايات المتحدة. تم تنصيبه، في زمن وباء كورونا، في الكابيتول الذي تحول قلعة عسكرية. كانت كلمته قصيرة نسبة الى كلمة ترامب في المناسبة ذاتها قبل اربع سنوات. كرر بايدن في خطابه ما ردده في حملته الانتخابية. اولى  اولوياته  القضاء على وباء الكورونا وايصال اللقاح الى اكبر عدد من الاميركيين للوصول الى “مناعة القطيع” للتخفيف من انتشار الوباء ومن ثم اعادة النمو الاقتصادي والقضاء على البطالة. ديمقراطية اميركا هشة ووحدة ابنائها في خطر بسبب ازدياد العنف العنصري. لا بديل عن وحدة اميركا وتطوير ديموقراطيتها باستمرار واعتماد الشفافية والحقيقة في كل ما يقوله ويفعله المسؤولون.

لكن بالرغم من ان الانتخابات الاخيرة اعطت الحزب الديموقراطي السيطرة على البيت الابيض ومجلسي الكونغرس، الا ان بايدن يريد اشراك الحزب الجمهوري في اخذ القرارات وجمع الشمل. بات عدد كبير من شيوخ ونواب الحزب الجمهوري يشارك بايدن ان شعار “اميركا اولا” انعزالي وليس في مصلحة اميركا التي فقدت مركزها بين الدول في ضوء هذا الشعار الإنطوائي.

لم يتطرق بايدن في خطاب تنصيبه الى السياسة الخارجية ولا إلى علاقة بلاده بالمنظمات الدولية، لكن اولى المراسيم الرئاسية التي وقعها فورا بعد وصوله الى البيت الابيض كانت اعادة عضوية الولايات المتحدة الى منظمة الصحة الدولية وعودة اميركا الى اتفاق باريس المناخي، واخيرا وليس اخرا ابطال مرسوم دونالد ترامب الذي منع مواطني سبع دول اسلامية من دخول الولايات المتحدة.

كذلك، يتبين من تصريحات ومواقف سابقة لجو بايدن، وبالرغم من الترحيب الدولي وبالاخص الاوروبي بانتخابه، انه يعطي الاولوية والاهمية لاعادة التحالف الوثيق مع اوروبا والحلفاء التقليديين حول العالم، قبل بدء التفاوض مع الصين والمواجهة مع روسيا وربما معالجة قضايا الشرق الاوسط المعقدة والمزمنة. كذلك، على الادارة الجديدة ان تزيل الضرر الذي سببته اجراءات مايك بامبيو مع دول كثيرة منها كوبا وايران واليمن ولبنان، وان تعيد بناء وزارة الخارجية التي تم تفريغها من دبلوماسييها وخبراتها والحد من مكانتها ودورها في الداخل والخارج.

اما في ما يتعلق بمنطقتنا، هناك شبه اقتناع في واشنطن ان مشاكل الشرق الاوسط عصية على الحل، وبالتالي، قد تكون سياسة الاستيعاب والإحتواء هي السياسة الافضل للولايات المتحدة.

وثمة إنطباع ان البحث باتفاق الدول الخمسة زائداً واحد مع ايران مؤجل الى حين اجراء انتخابات الرئاسة الايرانية خلال شهر حزيران/ يونيو المقبل. لكن ادارة بايدن قد تحاول مساعدة مرشح “معتدل” بالغاء بعض العقوبات التي فرضها ترامب وبومبيو. ويعتقد فريق بايدن المعني بايران ان عودة ايران الى الاتفاق ووقف تخصيبها لليورانيوم يساعده في اقناع الكونغرس برفع العقوبات. كذلك، فان تعاون ايران لحل مشكلة اليمن الانسانية يساعد بايدن للضغط على السعودية لوقف الحرب.

وعلى صعيد منطقتنا أيضاً، يبدو أن بحث القضايا العالقة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية مؤجل الى ما بعد الانتخابات التشريعية الاسرائيلية المبكرة في 23 آذار/ مارس المقبل وتشكيل حكومة جديدة. لكن المعنيين في الادارة يدركون ان عودة بنيامين ناتنياهو الى رئاسة الحكومة قد لا يساعد أي حوار يقود إلى حل الدولتين. وكذلك يدرك المسؤولون المعنيون ان الظروف التي واجهوها اثناء تمرسهم في مهام مماثلة خلال ولاية الرئيس اوباما، تغيرت خصوصا في ما يتعلق بالعلاقات بين اسرائيل ودول الخليج.

واخيراً ماذا عن سوريا ولبنان؟

ربما يبقى الوضع في سوريا على حاله في انتظار الحوار بين واشنطن وكل من روسيا وايران. اما لبنان، فتعتبر واشنطن ان ازماته داخلية بحتة. على الأرجح، لن تمارس الادارة الجديدة في سنتها الاولى سياسة العقوبات، انما ستفعل الدبلوماسية بعد اعادة بناء هيكلية وزارة الخارجية. لذلك ربما يرتاح لبنان من المزيد من العقوبات الاميركية، لكن واشنطن لن تنغمس في الوحول اللبنانية كما فعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. وبما ان مشاكل لبنان لن تؤدي الى اهتزاز الامن الاقليمي، سينحصر الاهتمام الاميركي بلبنان بالطقم الدبلوماسي والامني في سفارة لبنان في عوكر والمسؤول عن لبنان في الخارجية الاميركية والادارات والوكالات الاخرى. ربما يتغير الوضع بعض الشيء اذا استلم مركز مساعد الوزير لشؤون المنطقة دبلوماسي شبيه بديفيد هيل الذي خدم في لبنان ثلاث دورات.

بايدن يعطي وحدة أميركا أولوية، متى نعطي كلبنانيين وحدتنا الوطنية أولوية بدل رهاناتنا الخائبة على خارج لن يقدّم مصلحتنا على مصالحه؟

عبدالله بو حبيب

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o