Dec 07, 2020 10:28 AM
مقالات

هل يلجأ ماكرون في سياسته اللبنانية إلى "الخطة البديلة"؟

عندما اتّخذت وزارة الخزانة الأميركية قرارها بمعاقبة جبران باسيل "لفساده"، سارع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى إرسال باتريك دوريل الى بيروت، في محاولة منه لاحتواء ردة الفعل المتصلّبة حيال الملف الحكومي.

لم يكن ماكرون بحاجة الى من يُخبره عن ردة الفعل السلبية، فلقد سبق له واختبرها، حين عرقل "حزب الله" بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال عون، تشكيل الحكومة الذي كان في عهدة السفير مصطفى أديب، بسبب العقوبات التي أنزلتها الإدارة الأميركية بالوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.

كانت مهمة دوريل المحورية تهدف الى فصل الملف الحكومي عن الضغط الأميركي، بما يُعين الرئاسة الفرنسية على السير قدماً في خارطة الطريق التي سبق ووضعتها، بهدف إخراج لبنان من المأزق الكبير الذي وقع فيه.

لكنّ حساب الحقل الفرنسي لم يتطابق مع حساب البيدر اللبناني، إذ إنّ "حزب الله" ورئاسة الجمهورية لم تُغيّرهما النوائب التي تضرب لبنان واللبنانيين، فهما لا يتهيّبان أيّ استدعاء الى المنازلة، ولو كانت غير متكافئة، ضارة، تخريبية وكارثية.

يعتقد ماكرون أنّ الحكمة تقتضي أن تفوّت على خصمك أهدافه، ولكنّ اعتقاده هذا المبني على "حكمة الدهور" لا تُمكن ترجمته الى السياسة اللبنانية، ذلك أنّ الطبقة السياسية عموماً، و"حزب الله" وميشال عون خصوصاً، لا يكترثان بالكارثة، بقدر اهتمامهما بإيجاد "شمّاعة" يعلّقان عليها أسبابها.

إنّ الولايات المتحدة الأميركية، بإنزال العقاب بجبران باسيل، أوجدت لهما هذه "الشمّاعة".

في الواقع، منذ اتّخاذ قرار معاقبة جبران باسيل يوجّه المدافعون عن مطالب "حزب الله" وعون الناسفة لجدوى وجود حكومة جديدة، سهامهم الى واشنطن، ويحمّلونها مسؤولية إفشال التشكيل.

بالنسبة لباريس، إنّ ردة الفعل هذه تُعتبر خيانة وطنية.

إنّ النقاش في مسألة "الخيانة الوطنية" مهم للغاية، وهو ينطلق من قاعدة منطقية ثابتة تتجلّى في الإشكالية الآتية: كيف يُعقل أن تُحقّق أنتَ لعدوّك أهدافه؟

وبهذا المعنى، إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية، كلّما قطعت الاستشارات الهادفة الى تشكيل الحكومة اللبنانية شوطاً مهماً، تدخّلت بفرض عقوبة على شخصية سياسية يهتم لأمرها "حزب الله"، بهدف منع تشكيل هذه الحكومة، فكيف يُعقل أن يسارع "حزب الله" نفسه إلى تحقيق الهدف الأميركي، وتفويت الفرصة على الجهة "الصديقة" التي تسعى الى تشكيل الحكومة، بما يتعارض مع المطلب الأميركي؟

وبهذا المعنى أيضاً، إذا كانت واشنطن تريد فعلاً أن تُسقط لبنان على رؤوس أبنائه، عقاباً لاحتضان "حزب الله"، فكيف يُعقل أن يساعدها "حزب الله" في ذلك، بمسارعته الى زعزعة ما تبقى من أساسات وطنية؟

إنّ باريس، عند لجوئها الى "قواميس العلوم السياسية" لقراءة سلوكيات "حزب الله" وعون الناسفة لمساعي تشكيل الحكومة، تجد نفسها أمام ثلاثة احتمالات لا رابع لها، وهي الآتية:

أوّلا، إمّا أنّ "حزب الله" وعون ينفّذان الأجندة الأميركية بحذافيرها.

ثانياً، إمّا أنّ هذين الطرفين اللبنانيين يتعاطيان مع واشنطن على قاعدة أنّها معنية بخلاص لبنان، وهما يعاقبانها لمعاقبة شخصيات سياسية مرتبطة بهما، بعرقلة مساعي إنقاذ لبنان.

ثالثاً، وإمّا أنّ "حزب الله" وعون يريدان من فرنسا أن تنضمّ إليهما ضد الولايات المتحدة الأميركية وتحقّق لهما أهدافهما السياسية بدل أن تحقّق للبنان ما يحتاج إليه.

بالنسبة لباريس إنّ الاحتمال الثالث يستحيل اعتماده، ذلك إنّ إنقاذ لبنان الذي تتبنّى مساره، يحتاج الى حكمة في التعاطي الدولي والإقليمي، من أجل توفير ما يلزمه من مساعدات مباشرة من الدول الصديقة، أو غير مباشرة من خلال دعم موقفه في المفاوضات مع المؤسسات الدولية، يتقدّمها صندوق النقد الدولي.

وبناء عليه، ماذا يُمكن لباريس أن تفعله؟

إنّ ما تسرّب عن النقاشات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم الإثنين الأخير، بيّن أن واشنطن، أقلّه في الشهرين الباقيين من ولاية الرئيس دونالد ترامب، لن تُخفّف من وتيرة حملتها ضد "حزب الله" و"عملائه اللبنانيين"، وهذا يعني أنّها لن تتعاطى إيجاباً، لا هي ولا حلفاؤها المهمون للبنان مثل المملكة العربية السعودية، في حال تمّ تشكيل حكومة بشروط "حزب الله" وعون.

ثمة من يعتقد أنّ على فرنسا التي قرّرت الاستمرار في مساعيها الهادفة الى نشل لبنان من أسوأ أزمة يتعرّض لها، أن تعدّل في قواعد التعاطي مع الأطراف اللبنانية.

وتحقيقاً لذلك، لم يعد أمامها سوى العمل على خطة بديلة طالما ركنها الرئيس ماكرون جانباً، وهي تقوم على الآتي:

أوّلاً، "تأليب" الرأي العام اللبناني على الأطراف المعرقلة لتنفيذ المبادرة الفرنسية، وإعادة الإعتبار لموقع المجتمع المدني في رسم الخارطة السياسية اللبنانية، بعد طول تهميش.

ثانياً، إعادة النظر بقرار رفض إدراج "حزب الله"، بجناحيه العسكري والسياسي، على لائحة الإرهاب الأوروبية.

ثالثاً، العمل على إدراج الشخصيات التي تعرقل تشكيل "حكومة إنقاذية" على لائحة العقوبات الأوروبية.

إنّ استمرار الرئيس ماكرون في إهمال هذه الخطة البديلة، في حال تأكّد تعثّر حراكه اللبناني الأخير، سيُبقي المبادرة الفرنسية على قارعة الطريق وسيدفع بلبنان الى السقوط حتى قعر... الجحيم.

النهار العربي - فارس خشان

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o