Dec 02, 2020 7:30 AM
صحف

كنعان يصر على الموازنة: الاصلاح الباب الأخير للانقاذ

ليس في مؤسسات البلاد الدستورية والرسمية ما لم يُخرق بعد. وآخر الخروق موازنة العام 2021. ببساطة، تنقضي المهل الدستورية لاقرار الموازنة، والبلاد في قلب انهيار مالي – اجتماعي غير مسبوق. فأي مصير وأي أمل بعد في إقرار موازنة السنة المقبلة في موعدها؟
 
ما يخفف الوطأة قليلا هو انه منذ ما يقارب الـ11 عاما ومجلس النواب لم يصادق على موازنة عامة في وقتها القانوني. تارة، وخلال أعوام كثيرة، بقيت البلاد بلا موازنات مكتفية بالانفاق على القاعدة الاثني عشرية، وطوراً يقر البرلمان موازنة عامة متخطياً وقتها الدستوري، بحيث يشرّع المجلس ما قد يكون قد أُنفِق... وهذا أيضا ما يعدّ مخالفة دستورية واضحة. اذ ما معنى ان تراقب أو تشرّع، ويكون الإنفاق قد أكل سلفاً الأخضر واليابس؟!
 
هذا ما كان يجري في الأعوام الأخيرة، من دون التحدث عن قطع الحساب المنتظَر. وللمفارقة أيضا، ان موازنة 2020 كانت الوحيدة التي احتُرمت فيها المهل الدستورية، وبالتالي احيلت على مجلس النواب في موعدها المقرر، ويومها أكبّت لجنة المال والموازنة على درسها تمهيدا لرفعها الى الهيئة العامة...
وما ان وصلت الى الهيئة العامة... حتى حصل ما حصل... اشتعل الشارع والتهب بحراك مطلبي واسع بدأ في 17 تشرين الأول 2019، وعلى وقعه، اقفل البرلمان... ولم يفتح. بعدها، استقالت حكومة الرئيس سعد الحريري، وبقي مشروع موازنة حكومته امام الهيئة العامة معلّقاً.
 
أين الموازنة؟
المفارقة الثانية كانت تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، التي اضطرت الى مناقشة موازنة لم تضعها، لا بل تبدلت ارقامها.
 
الكل يذكر كيف شارك يومها دياب وحيدا في جلسات مناقشات الموازنة، فكان النواب يقرون أرقاما تحت وطأة الانهيار المالي وتضخم الدَّين، بل تحت وطأة التضخم الذي بتنا اليوم في صلبه.
 
والسؤال: هل يمكن ان تتكرر الواقعة اليوم مع حكومة الحريري، انما بشكل معاكس، فتناقش حكومته موازنة وضعتها حكومة دياب؟ وبالتالي أي مصير لموازنة 2021 في ظل التأزم السوداوي؟
 
رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان يجيب "النهار" منطلقا من قاعدة أساسية لديه هي ان "الموازنة ينبغي ان تقر مهما كانت الظروف السياسية، او مهما تبدلت الأوضاع".
 
ويبادرك سريعا" "حتى الآن، لم يصلنا شيء. لا كلجنة مال ولا كمجلس نواب".
 
معنى ذلك ان لا موازنة أُعدَّت من جانب حكومة دياب قبل استقالتها في 10 آب 2020؟
 
يوضح كنعان: "استقالت الحكومة وتوقف كل شيء. ونحن كلجنة نيابية لا يحق لنا سوى مراقبة الحكومة او حثها ومطالبتها بالعمل، انما لا حق لنا في بلوغ داتا او معلومات رقمية، لان لا اطر تنفيذية لعملنا. في السابق، كنت ابادر الحكومات بتوجيه سلسلة أسئلة حول تأخر ارسال الموازنات العامة في وقتها الدستوري، انما اليوم، لا حكومة كي اسألها. نحن في مرحلة تصريف اعمال".
 
وهنا، نفتح باب الاجتهاد امام سؤال جوهري: هل يمكن حكومة تصريف اعمال ان تناقش وتبت موازنة عامة وترسلها الى المجلس؟
 
هنا تنقسم الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا الطلب، الا انه في الباب الدستوري يجاز لحكومة تصريف الاعمال، وفق ما يؤكد الخبير الدستوري عصام إسماعيل لـ"النهار"، إقرار الموازنة، لان "الأوْلى بمَن يشارك في جلسات اقرار موازنة، الاجتماع لوضع موازنة عامة، لاسيما في هذه الظروف، وخصوصا ان هذا المشروع هو ملزم ولا سلطة استنسابية لها، بل ان من واجبها القيام بهذا العمل، ولا يحق لها من طرفها المنفرد ان تقرر تصريف الاعمال، فلا تؤدي واجب إحالة مشروع الموازنة على مجلس النواب".
 
هكذا اذاً تخطينا هذا الوجه الدستوري، فأي خيارات متاحة في مجال موازنة 2021؟
 
وفق مديرية الموازنة ومراقبة النفقات في وزارة المال، انها قامت بعملها على رغم الظروف الصحية والمالية الصعبة خلال هذا العام، انما قرار إقرار مشروع الموازنة العامة يعود الى كل الوزارات (التي عليها ان تراجع موازنتها هي أيضا) والحكومة مجتمعة، لاسيما بعد تحولها حكومة تصريف اعمال. 
 
لا شروط
لا شروط يضعها كنعان، فهو بين ألا ترسَل الموازنة الى مجلس النواب، وبين ان تقر حكومة تصريف الاعمال موازنة متأخرة، فانه يؤيد الخيار الثاني. اما اذا تشكلت حكومة جديدة، فينبغي عليها ان تضع في مقدّم أولوياتها إعداد مشروع موازنة عامة.
 
وعلى رغم ان الموازنات تختلف بين الحكومات وعدد الوزارات والإدارات، الا ان موازنة 2021 تكتسب في ذاتها أهميتها او خصوصيتها، نظرا الى الظروف الحالية المتأزّمة.
 
يعتبر كنعان ان "العنوان الأساسي للموازنة ينبغي ان يكون الإصلاحات. هذا المطلب القديم – الجديد لا يزال هو نفسه، في الأعوام الأخيرة، فهل من ميزة جديدة لموازنة 2021؟
 
وفق كنعان الموازنة ستكون "مختصرة جدا" او بالأحرى "مضبضبة" لعوامل ثلاثة. "العامل الأول ان لبنان متوقف عن دفع خدمة الدين، معنى ذلك اننا لن ندفع نحو 9 آلاف مليار ليرة خدمة دَين سنويا. العامل الثاني وقف النفقات الاستثمارية، وهذا يوفر أيضا مبلغا لا يستهان به. والعامل الثالث هو ان لا استدانة حالية. كل هذه العوامل توفر مبالغ وتوفر عملا كبيرا كان جزءا من الموازنات السابقة".
 
هذه المقاربات تميز موازنة 2021، التي يرى كنعان انه "يمكن إنجازها اليوم قبل الغد، وكلما اسرعنا في إقرارها اقتربنا من المنحى الصحيح، لانه لا يجوز، وفي ظل الازمات المتتالية التي نعيشها، ان نبرر عدم الاستقامة في الشق المالي برمي إعداد الموازنة جانبا. هذا عمل مؤسساتي ينبغي ان يدوم".
 
ويؤكد انه "هذه المرة ستكون كل مصاريف الوزارات والإدارات مقتصرة على الرواتب فقط، مهما تغيرت الحكومات او تبدل عدد الوزارات. فالعنوان العريض يفرض نفسه على كل الحكومات، لان الازمة اكبر منا جميعا".
 
واذ يشدد على "موازنة مصغرّة"، يقول: "لا مساعدات ولا ثقة دولية اذا لم نقر الاصلاحات وننفذها. هذا باب الحل الوحيد، لئلا نقول باب الإنقاذ".
 
ولكن ما نفع الشعارات والمطالب وكل الأرقام السابقة في الموازنات لم تُحترم، من باب التوظيف المخالف وغير الشرعي الذي قارب السبعة آلاف، الى باب الجمعيات الوهمية التي بلغت وحدها نحو 500 مليون دولار، وصولا الى كل التوصيات التي كنتم تصدرونها كلجنة مال ولم تنفّذ؟
 
يجيب كنعان: "صحيح ثمة ارقام لم تُحترم. انما اليوم، لم يعد الوضع يحتمل، فهل يريد الجميع الاستمرار في النزول نحو القعر؟ كل هذه المطالب كانت تُرفض من اجل مكاسب آنية، لان السلطة كانت توزع المغانم على أركانها. من الـ2010 الى الـ 2013 الى 2017، حيث اصدرنا ما يقارب الـ39 توصية. في باب التوظيف فقط، رصدنا 32 ألف وظيفة خارج القانون. نحن نقوم بعملنا".
 
ولكن انتم جزء من السلطة؟ يرفض كنعان هذه المقاربة ليقول ان "هذا الرقم تراكم خلال اعوام ما بعد الـ1990، وبالتالي نحن لم نشارك الا في الأعوام الأخيرة، فيما غيرنا استفاد طويلا. اضف اننا لسنا ضد المحاسبة، وليُحاسب الجميع لمرة واحدة، ونعيد للخزينة مالها المنهوب"، ويعطي مثل "الجمعيات الوهمية التي حاربها وحذف منها ما يقارب الـ500 مليون دولار، فيما عادت الهيئة العامة لمجلس النواب واعادت نحو 90 في المئة منها، فماذا افعل بعد؟".
 
ويعترف "باننا كنا نشرّع ما انفِق، وهنا المشكلة، لان الموازنات لم تأتِ في مواعيدها، من هنا، ألحّ اليوم على احترام الدستور والمسار المالي المطلوب. ان العمل الإصلاحي هو تراكمي يترافق مع التدقيق والمحاسبة والتشريعات الملائمة، وليس امامنا سوى الاستمرار". 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o