Nov 26, 2020 11:51 AM
خاص

بركات: أهمية مواءمة الإنفاق الأسَري والدخل الحقيقي والإنتاج المحلي
تصحيح الاختلالات الجمّة في القطاع الخارجي الأولوية الأكثر إلحاحاً للبنان حالياً

المركزية- شدد كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى "بنك عودة" الدكتور مروان بركات على وجوب "أن يولد لبنان جديد قائم على مواءمة الواردات مع الإنفاق المحلي الرشيد، ومواءمة الإنفاق المحلي مع الدخل المحلي الحقيقي، وعلى مواءمة الدخل مع الإنتاج المحلي بشكل عام".

وقال بركات لـ"المركزية": ظهر في الآونة الأخيرة عدد كبير من التفسيرات حول جذور وأسباب الأزمة المالية المستفحلة حالياً في لبنان، حيث حمّل البعض المسؤولية للدولة اللبنانية على سنواتها الطويلة من سوء الإدارة، وحمّل البعض الآخر المسؤولية لمصرف لبنان على سياساته النقدية غير التقليدية، في حين ألقى البعض الآخر باللّوم على المصارف في انكشافها على الديون السيادية في دولة واهنة بشكل عام.

وتابع: لا شكّ في أن هناك مسؤولية مشتركة بين مختلف العملاء الاقتصاديين حول المعضلة القائمة حالياً في البلاد، لكن لا ينبغي أن نتجاهل حقيقة أن الاختلالات الحقيقية كانت مدفوعة بالإنفاق المفرط لاقتصاد عاش لعقود بما يفوق إمكاناته، وبالحفاظ على استقرار للعملة الوطنية لفترة طويلة وعلى نسب متدنية للتضخم، ناهيك عن حركة استيراد لافتة من السلع والخدمات في اقتصاد يعتمد بشكل مفرط على الخارج ويفتقر إلى الإنتاجية المحلية.

وكشف أن "إلقاء نظرة دقيقة على الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2019 يشير إلى أن التدفقات الخارجة من لبنان فاقت تلك الوافدة إليه بمقدار 100 مليار دولار، مما أدّى إلى ضغوط جمّة على صافي الموجودات الخارجية للنظام المالي المكوّن من المصارف والمصرف المركزي، نجم عنها استنزاف تدريجي للسيولة الموجودة داخل النظام المالي". أضاف: في الواقع، إن السيولة الأجنبية لدى مصرف لبنان والمصارف اللبنانية إلى جانب التدفقات الوافدة الإجمالية قد استُنزفت عاماً بعد عام من خلال عملية تقييد العملة الوطنية التي هدفت إلى الحفاظ على استقرار في سعر صرف العملة الوطنية على الرغم من الاختلالات الماكرو اقتصادية والمالية المستمرة وفي ظلّ استيراد مفرط لا يبرّره الدخل الحقيقي الناتج عن الاقتصاد المحلي. عليه، فإن متوسط ​​النمو السنوي للواردات بنسبة 8% خلال تلك الفترة في موازاة متوسط نمو سنوي للدخل الفردي لا يتجاوز نسبة 3%، يؤكد على أوضاع اقتصاد اعتمد بشكل مفرط على الواردات في بلد نما فيه استهلاك الأسر تدريجياً ليصل إلى 88% من الناتج المحلي الإجمالي.

ولفت إلى أن "هذا الفائض في التدفقات الخارجة بالمقارنة مع التدفقات الوافدة خلال فترة 2003-2019 تم تمويله من قبل المصارف والسيولة الأجنبية لدى مصرف لبنان. إذ أن مصرف لبنان الذي تجاوزت احتياطاته بالعملات الأجنبية مطلوباته بالعملات بمقدار 4 مليارات دولار في العام 2003، قد شهد انخفاضاً حاداً في صافي احتياطاته بالعملات الأجنبية ليُسجل فجوة بمقدار 47 مليار دولار في نهاية العام 2019 وتقترب من 58 مليار دولار اليوم (دون الأخذ في الحسبان احتياطيات الذهب المقدرة بحوالي 17 مليار دولار). ففي حين ارتفعت الاحتياطيات الأجنبية الإجمالية السائلة لدى مصرف لبنان من 10 مليارات دولار في العام 2003 لتصل إلى ذروة بلغت 35 مليار دولار في العام 2016، قبل أن تنخفض إلى 18 مليار دولار اليوم، فإن مطلوبات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية للمصارف التي كانت شبه معدومة في العام 2003 (6 مليارات دولار)، ارتفعت إلى 76 مليار دولار اليوم، وذلك على حساب السيولة لدى المصارف في الخارج والتي وصلت إلى مستويات متدنية جداً بحلول الأشهر الأولى من العام 2020".

وتابع: على هذا النحو، فإن تفسير جذور الأزمة المالية الحالية يعتمد على التدقيق في صافي التدفقات الخارجة من لبنان والوافدة إليه على مدى العقدين الماضيين. في الواقع، فإن تجاوز التدفقات الخارجة تلك الوافدة بمقدار 100 مليار دولار خلال الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2019، تأتّى عن تدفقات خارجة بقيمة 439 مليار دولار في مقابل تدفقات وافدة بقيمة 338 مليار دولار خلال تلك الفترة. ويشير تفصيل التدفقات الخارجة إلى أن الواردات استحوذت على حصة الأسد بنسبة 64%، تلتها نفقات السياحة والسفر بنسبة 17%، ومن ثمّ تحويلات العمّال الأجانب في لبنان إلى الخارج بنسبة 14%، في حين استحوذت كلّ الفئات الأخرى على النسبة المتبقية والبالغة 5%. هذا ويشير تفصيل الواردات إلى أن ثلاث فئات من الواردات، وهي النفط والمواد الغذائية والسيارات، استحوذت تقريباً على نصف فاتورة الاستيراد خلال تلك الفترة (مع نسب 24% و15% و9% من إجمالي الواردات على التوالي). في موازاة ذلك، يشير تفصيل التدفقات الوافدة إلى أن الإيرادات السياحية شكلت 34% من المجموع، تلتها تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج بنسبة 30%، والصادرات بنسبة 16%، والاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 15% من إجمالي التدفقات الوافدة إلى لبنان.

أضاف: في هذا السياق، فإن تصحيح الاختلالات الجمّة القائمة في القطاع الخارجي يشكل الأولوية الأكثر إلحاحاً للبنان في الوقت الحاضر، مع الإشارة إلى أن النموذج القائم حالياً على تمويل العجز التجاري الملحوظ من خلال التدفقات المالية الوافدة لم يعد قابلاً للاستدامة، نظراً إلى الانكماش الحادّ في حركة تلك التدفقات. في الواقع، لا يزال بالإمكان تحقيق توازن مرجو في ميزان المدفوعات من خلال مزيد من التخفيض في حجم الواردات وعبر تعزيز الصادرات والتدفقات المالية والأهمّ عبر تحفيز الناتج المحلي الإجمالي. من هنا، تبرز أهميّة إحياء قدرة لبنان على جذب التدفقات المالية الواردة وسط استعادة تدريجية لعامل الثقة، وتعزيز كلّ من الإنتاج المحلي وحركة التصدير من خلال دعم القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية وفرض قيود وضرائب على الواردات التي تؤدي إلى تآكل الموجودات الخارجية للنظام المالي اللبناني.

وختم بركات: ينبغي أن يولد لبنان جديد قائم على مواءمة الواردات مع الإنفاق المحلي الرشيد، ومواءمة الإنفاق المحلي مع الدخل المحلي الحقيقي، وعلى مواءمة الدخل مع الإنتاج المحلي بشكل عام.

* * *

 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o