Nov 18, 2020 9:31 AM
مقالات

لا أميركا ولا إيران تريدان تشكيل حكومة في لبنان

كتب عوني الكعكي: وحده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي زار لبنان مرتين، وقدّم مبادرة لحل الأزمة المستعصية، وتقديم مشروع حول عقد إجتماعي وسياسي جديد كان قد طرحه على المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأولى. كما كان ماكرون، حذّر في زيارته الثانية لبيروت، القوى السياسيّة في لقائه معها بقصر الصنوبر، من عدم القيام بإصلاحات جذرية.
وعوّل الكثيرون على مبادرة ماكرون التي تطالب بتشكيل حكومة من المستقلين وذوي الكفاءة من غير الحزبيين، وأن يدعموا الإصلاحات في خارطة الطريق التي صاغتها الديبلوماسيّة الفرنسية ببراعة... وهذا يشكّل بحد ذاته مغامرة بما وصفها ماكرون بـ»رصيدي السياسي».
«المصيبة» ان جميع السياسيين اللبنانيين وافقوا على المبادرة الفرنسية، بمَن فيهم نواب «حزب الله»، الذي وافقوا على 90% من المبادرة معارضين لـ»الـ10%» والتي هي الانتخابات النيابية المبكرة، عاد ماكرون الى باريس متفائلاً بتشكيل حكومة مهمة إنقاذية، وأُجْريت إستشارات نيابية، كُلّف على أثرها سفير لبنان في ألمانيا، الدكتور مصطفى أديب...
وأجرى الرئيس المكلّف إستشاراته لتشكيل حكومة، وبرزت عقدة وزارة المالية... واعتذر أديب، وشخصت الأبصار الى «ملك التضحيات» الرئيس سعدالدين الحريري، الذي وافق على إعطاء «المالية» للثنائي الشيعي، «ليحلحل» الأمور ويفك طلاسمها. وهنا جاء الدور الأميركي المعطّل، إذ أصدرت الإدارة الأميركية عقوبات على وزير المالية علي حسن خليل، مستشار الرئيس بري، وكأنها أرادت إرسال رسالة واضحة المعالم لدولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، كما وجهت رسالة أخرى باتجاه الوزير السابق سليمان بك فرنجية، من خلال إدراج اسم وزير الأشغال يوسف فنيانوس في جدول العقوبات. وهكذا ضاعت «طاسة» الحكومة بين العقوبات الأميركية والتعنّت الشيعي فسقط «أمل» تشكيل حكومة في لبنان.
يومذاك، تفاءل الكثيرون، وقالوا: «إنّ ما حدث صدفة» و»ان أميركا المشغولة بالانتخابات الرئاسية لم تكن تقصد هذا الامر الذي يبدو صغيراً أمام مشكلة الانتخابات».
وتسير الأمور بغرابة أكثر، وتثير جملة تساؤلات لا بد منها، ونحن أمام مواقف، لا تبدو طبيعية أمام التصرفات الأميركية والإيرانية... منها تكليف الرئيس سعدالدين الحريري لتشكيل حكومة مستقلين إختصاصيين. هذا التكليف الذي جاء وسط اعتراض واضح وصريح من كتلة رئيس الجمهورية (التيار الوطني الحر)، و»القوات اللبنانية»، رفضوا تسمية الرئيس الحريري، وكأنهم لا يتفقون إلاّ على «خراب البصرة» وانهيار لبنان.
عارضوا تكليف الحريري، ظنّاً منهم، أنه لن يستطيع الحصول على التكليف ومتابعة المهمة. لكن الرئيس الحريري انتزع التكليف بتأييد من كتل برلمانية معروفة، كما انتزع التكليف من رئيس الجمهورية الذي كان يفضّل أن ينجح جبران في عرقلة تكليف الحريري، كما كان يفضّل عدم تكليف الحريري أصلاً.
وسار الحريري في مهمته بنجاح، تقوده عزيمة جبارة، وصار قاب قوسين أو أدنى من تشكيل الحكومة العتيدة، ما دفع الولايات المتحدة الاميركية، مرّة جديدة، على فرض عقوبات على رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ما دفع برئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى «تجميد» تشكيل الحكومة، لأنه مستاء من الاميركيين، ولأنه بات عاجزاً عن فعل أي شيء باستثناء عرقلة تشكيل الحكومة.
وقد يقول قائل: «فهمنا دور الولايات المتحدة الأميركية المعرقل. فماذا عن الدور الإيراني؟».
إنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، يعتبر نفسه دائماً وعلانية، أنه جندي في «ولاية الفقيه» وأنّ مال حزبه وسلاحه ورواتب أفراده، تأتي من الجمهورية الإسلامية، وأنّ همّه الأوحد فعل ما تأمر به إيران».
وبما أنّ الولايات المتحدة الأميركية فرضت عقوبات على الجمهورية الإسلامية، لذا فإنّ «حزب الله» مصرّ على تسمية وزرائه في الحكومة الجديدة من الحزبيين المنضوين تحت رايته، وكأنّ الطائفة الشيعية الكريمة خالية من الإختصاصيين، مع أنها تزخر بالمواهب والإختصاصيين المميّزين، مع تمتعهم بالكفاءات العلمية والوطنية والحيادية، لكن من غير المسموح لهم تمثيل الطائفة الكريمة في الحكومة.
وهكذا، نستنتج أنّ العقوبات الأميركية على إيران، وعلى شخصيات لبنانية مرموقة، وتعنّت إيران ومعها «حزب الله» وتمسكها بمطالب قد تبدو الآن بعيدة المنال، كل هذا، يعرقل تشكيل الحكومة، ولبنان وسط هذا يعيش أخطر وأسوأ مرحلة منذ تأسيسه. والمصيبة الأدهى، أنّ الاقتصاد وصل الى مرحلة الإفلاس... وصفوة القول إنّ لا أميركا ولا إيران تريدان تسهيل تشكيل حكومة في لبنان.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o