Nov 14, 2020 9:37 AM
مقالات

نصرالله يتجهّز للحرب...ما مصير لبنان؟

جاء كلام الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله الأخير، ليحسم الهيمنة على الوضع اللبناني، ويحدد مسارات لها علاقة بالمنطقة. هو تحدث عن تطور خطير قد يحصل خلال ما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولم يخف قلقه من احتمال ضربة عسكرية إسرائيلية، مؤكداً أن الحزب جاهز للتصدي لها. وليس أدّل على الهيمنة القائمة، ما أشاعته قوى الممانعة في لبنان، وتحديداً "حزب الله" والتيار الوطني الحر من أنهما أسقطا المحاولة الفرنسية الجديدة مع مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل لاستغلال العقوبات الأميركية على صهر الرئيس ميشال عون، جبران باسيل، لتأليف الحكومة، وهو ما يعني أن لا تشكيل في الأفق القريب إلا بشروط قوى "محور المقاومة".

تعطّل تأليف الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، ليس بسبب العقوبات الأميركية حصراً، بل بالشروط التي وضعتها القوى المهيمنة على القرار اللبناني، تارة بإصرار "الثنائي الشيعي" على تسمية الوزراء الشيعة والاحتفاظ بحقائب محددة، خصوصاً المال، وثانية بحصول فريق رئيس الجمهورية على الثلث المعطل إلى جانب ثلث آخر لـ"حزب الله" وحركة أمل، وثالثة بربط تشكيل الحكومة بالتطورات الإقليمية والدولية، لا سيما ملف ترسيم الحدود الذي يبدو أن مفاوضاته بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية، ستأخذ وقتاً طويلاً بسبب تعقيدات الخرائط والخطوط، ثم نتائج الانتخابات الأميركية وانعكاساتها على الملف الإيراني النووي. ولهذا السبب لم يتطرق نصرالله في كلامه الأخير إلى الملف الحكومي، ولم يعلّق بكلمة واحدة، لكنه أخذ الأمور إلى المنطقة واحتمالات الحرب الإسرائيلية وجهوزية قوى الممانعة للرد، خصوصاً في المرحلة الفاصلة لانتهاء ولاية ترامب الرئاسية.

كل المؤشرات تدل على أن الأشهر المقبلة ستكون قاسية على لبنان، ومتوترة في المنطقة، أقله إلى أن ينقشع غبار الصورة الأميركية. لكن في لبنان تحديداً، حيث البلد ينزلق يومياً إلى مزيد من الانهيار، بدا أن لا حكومة في وقت قريب. هناك تصلّب من الرئيس ميشال عون وتشدّد في الموضوع الحكومي، ليس في الرد على العقوبات الأميركية على جبران باسيل فحسب، بل للإمساك بالقرار وعدم إتاحة الفرصة لاستعادة الرئاسة الثالثة للطائفة السنية موقعها من مدخل الصلاحيات. وهذا يعني أن الثلث المعطل صار وكأنه مسألة ميثاقية تضاف الى سلطة الأمر الواقع وما تكرّس من أعراف وتقاليد في الحكم ضربت اتفاق الطائف.

أما "حزب الله"، فيستثمر في العقوبات ويعلن على لسان نصرالله وقوفه مع حليفه التيار الوطني الحر، ويأخذ الأمور الى المواجهة مع الأميركيين على مستوى المنطقة، معرّضاً البلد إلى مزيد من الضغوط. وللمفارقة، فقد اعتبر الأمين العام لـ"حزب الله" أن العقوبات الأميركية لا تؤثر في بنية الحزب، وهو الطرف الذي لا يضع أمواله في المصارف، لذا نجا من الانهيار وهو مستعد للمواجهة، لكنه تناسى أن لبنان كله ينهار وينكشف عارياً أمام ما يحدث في المنطقة، وحتى لو حصلت حرب إسرائيلية في المرحلة الانتقالية الأميركية، سيكون البلد الضحية، فيما البعض قرّر أنه لن يركع حتى الموت.

وأياً تكن رهانات "حزب الله" في الداخل اللبناني، فإنه يُمسك بمفاصل الولادة الحكومية والقرار، وهو يتماهى مع الانتظار الإيراني في المنطقة لما بعد ولاية دونالد ترامب، إذ إن طهران تُمسك بأوراقها في سوريا والعراق ولبنان تحديداً وتوظفها في أي مواجهة محتملة خلال الأشهر المقبلة، وذلك بصرف النظر ما إذا كانت إسرائيل ستستغل الفرصة خلال الشهرين المقبلين لتحسين وضعها، إما بحرب خاطفة تعيد تغيير موازين القوى، أو بعمليات محددة للإمساك بأوراق جديدة، خصوصاً أن نصرالله قد أشار في خطابه الأخير إلى احتمال إقدام إسرائيل على عمل ما بين لبنان وسوريا، معلناً جهوزية "محور المقاومة" للرد، خصوصاً بعد المناورات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة التي جرت على الحدود مع لبنان وقابلها استنفار لعناصر "الحزب"، ومشيراً إلى الصواريخ الدقيقة التي يملكها. لكن عند اندلاع حرب قد تتغير معادلات كثيرة على الأرض، فيما لبنان لا يحتمل أي دمار قد يقضي على ما تبقى من بنيته وبقائه.

الواقع أن لبنان يمر بلحظة مصيرية، فإذا بقيت الرهانات الخارجية على تغيير موازين القوى والإمساك بالقرار، وهي السياسة التي يؤديها "حزب الله" لحسابات إقليمية وإيرانية خصوصاً، بصرف النظر عن مقولة "الردع" وشعار "المقاومة والجيش والشعب" بديلاً من الاستراتيجية الدفاعية، لن يكون متاحاً للبلد السير بالإنقاذ وإعادة النهوض. علماً أن "حزب الله" يعرف أن الأمور لن تكون سهلة في أي حرب أو تطورات، وهو يتحضر بقوته القتالية لأي سيناريو بين لبنان وسوريا، خصوصاً خلال الشهرين الفاصلين عن ولاية جو بايدن، كاشفاً أن "المقاومة كانت قبل بدء المناورة الإسرائيلية إلى ما بعد المناورة في حالة استنفار، وهذا أمر عرف به الإسرائيلي لأن أهميته هي التأكيد أننا جاهزون، وأنه إذا فكر بأن يقوم بأي حماقة فسيكون ردنا جاهزاً وسريعاً". وهذا يعني أن "حزب الله" يتحرك علناً ويصادر أمر الدولة اللبنانية، حتى لو سلّمها بالشكل ملف التفاوض حول الحدود البحرية والبرية.

لبنان عالق بين كماشة العقوبات الأميركية، وحسابات إيران الإقليمية والدولية، فيما "حزب الله" ينفذ أجندة إيرانية، وإن كان "الحزب" يعتبر أن مشكلة أميركا الاساسية في لبنان هي المقاومة، وأنها هي عنصر القوة للبنان. لكن المقاومة إذا لم تأخذ مصالح البلد بالاعتبار وحمايته على هذا الأساس، تصبح أداة لتنفيذ أجندات إقليمية.

النهار - ابراهيم حيدر

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o