Oct 10, 2020 7:57 AM
مقالات

ميقاتي رئيس وزراء جاهز لأوقات الأزمات وتدوير الزوايا

جاء إعلان رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري قبل يومين عن كونه مرشحاً لرئاسة حكومة إنقاذية جديدة في لبنان، وعن استعداده للقيام بجولة من الاتصالات السياسية خلال هذا الأسبوع ليعيد الكرة مجدداً إلى ملعب الفريق الآخر، بعد أن انتظر اللبنانيون طويلاً موقفه من مبادرة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة.

ولكن، وفي الوقت ذاته، فإن موقف الحريري قد يُفهم أنه إنما يُطرح بالتنسيق مع ميقاتي ذاته لوضع الآخرين أمام خيارين لا ثالث لهما. إذ بعد اعتذار سفير لبنان لدى جمهورية ألمانيا الاتحادية مصطفى أديب عن إكمال مهمة تشكيل حكومة بديلة عن حكومة حسان دياب التي استقالت في الـ10 من أغسطس الماضي نتيجة تداعيات التفجير “شبه النووي” الذي أصاب مرفأ بيروت، عادت إلى الواجهة مجدداً التكهنات باسم الشخصية السنية التي ستكلّف بمهمة تشكيل حكومة “مهمة” استكمالاً للمبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويتم تداول اسم رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي كأحد هذه الأسماء.

لكن ميقاتي يواجه عقبة رئيسية وهي معارضة “حزب الله” تكليفه لترؤس حكومة جديدة في لبنان لأسباب عديدة تتعلق بممارسته للسلطة أثناء توليها سابقاً مرتين، وللدور الفاعل الذي يلعبه في ما يسمّى “نادي رؤساء الحكومات السابقين” الذي يضمّه والرؤساء سعد الحريري، فؤاد السنيورة وتمام سلام، وهو الدور الذي يقول الثنائي الشيعي الممثل بـ“حزب الله” و”حركة أمل” التي يرأسها الرئيس نبيه بري، إلى جانب فريق رئيس الجمهورية ميشال عون إنه كان يقوم بعملية تشكيل حكومة أديب، فيما شدّد الأخير على المداورة في الحقائب وعارض بشدة إسناد وزارة المالية إلى شخصية شيعية.

لم يعد خافياً أن رؤساء الحكومات السابقين ومن ضمنهم ميقاتي كانوا وراء تسمية السفير أديب لرئاسة حكومة “مهمة” تتولى تنفيذ برنامج الإصلاحات الضروري الذي تضمنته المبادرة الفرنسية، علماً أن أديب كان قد شغل سابقاً منصب مدير مكتب ميقاتي لدى تولي الأخير رئاسة الحكومة، وذلك بعدما كان الثنائي الشيعي قد فاوض الرئيس الحريري حتى اللحظة الأخيرة، بغية موافقته على تولي رئاسة الحكومة العتيدة، لكن الثنائي وأمام إصرار الحريري على الرفض أعلن بوضوح أنه سيوافق على الاسم الذي يرشحه الرؤساء السابقون، فكان اسم أديب.

ومع انقضاء مهلة الأيام الخمسة عشر التي كان قد حددها ماكرون وأديب لتشكيل الحكومة، برز بوضوح تشدّد الثنائي الشيعي بالتمسك بوزارة المالية، الأمر الذي ينقض الاتفاق القاضي بالمداورة في الوزارات، وأعلن الحريري منفرداً موافقته على إسناد وزارة المالية لمرة واحدة إلى شخصية شيعية على أن يختارها رئيس الحكومة المكلف، لكن المسألة لاقت اعتراضاً جديداً برفض الثنائي وبالتالي اعتذار أديب.

ومع أن نادي الرؤساء أعلن أن موافقة الحريري هي شخصية ولا تمثل موقفهم، إلا أن ميقاتي عاد وفي مقابلة صحافية أعلن عن “مبادرة” تتمثل بتشكيل حكومة من 20 وزيراً على أن يكون فيها ستة وزراء دولة يمثلون الفرقاء السياسيين و14 وزيراً يتولون الحقائب الوزارية لكي يتفرغوا إلى مهمة إجراء الاصلاحات المطلوبة والضرورية لإعادة وضع لبنان على سكة التعافي، وهذه المبادرة دفعت باسم ميقاتي، إعلامياً على الأقل، إلى مقدمة الشخصيات المرشحة لتشكيل الحكومة العتيدة.

ميقاتي المولود في طرابلس في العام 1955، رجل أعمال حقق ثروة أدخلته على لوائح مجلة فوربس الشهيرة مرات عديدة كأغنى أغنياء لبنان، ومن بين أغنى الأثرياء العرب. تلقى ميقاتي تعليمه الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت، وتابع الدراسات العليا في "المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال" في فرنسا وجامعة هارفارد في الولايات المتحدة، وفي العام 1982 أسس مع شقيقه الأكبر طه شركة “إنفستكوم”، التي تنشط في قطاع الاستثمار والاتصالات والبنوك والعقار والنقل الجوي والأزياء.

وعقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستقالة حكومة الرئيس عمر كرامي، عيّن ميقاتي رئيساً لحكومة كانت مهمتها إدارة الدولة حتى إجراء انتخابات نيابية بصورة حيادية، على أن لا يكون أحد أعضائها من المرشحين إلى الانتخابات، وهذا ما حرمه من الفوز بمقعد نيابي في انتخابات العام 2005، لكنّه عيّن رئيسا للوزراء مرة ثانية في العام 2011.

وكان ميقاتي قبل أن يترشح إلى الانتخابات النيابية قد تسلّم أواخر التسعينات منصب وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة الرئيس سليم الحص مع مطلع عهد الرئيس الأسبق إميل لحود، وأعيد تعيينه في المنصب نفسه في حكومة الرئيس الحريري التي شكّلها عقب استقالة حكومة الحص.

وفي ذلك العام ترشّح ميقاتي إلى الانتخابات النيابية عن أحد المقاعد السنية في طرابلس وبرز كأحد الأسماء السنية المنافسة لنفوذ “الحريرية السياسية” في الشمال، ورغم التقلبات الكثيرة التي شهدتها علاقة ميقاتي بالحريري، إلا أن “المصيبة” جمعتهما في الانتخابات النيابية الأخيرة وفي نادي رؤساء الحكومات السابقين خصوصاً بعدما تبنّى “حزب الله” ترشيح دياب لتشكيل حكومة “من لون واحد” في تحدٍ واضح لرأي أبناء “السنة” في لبنان الذين لا يعترفون بتمثيل دياب.

طوال الأيام الأخيرة التي أعقبت مبادرة طرحها ميقاتي، جرى كلام في الكواليس السياسية عن تقدّم حظوظه كخيار لرئاسة الحكومة وفق الطرح الذي تقدم به. لكن موقف الحريري يتعارض مع موقف ميقاتي لجهة رفضه تقديم “خدمة” للعهد ومن خلفه “حزب الله”، بالإضافة إلى معلومات أخرى أفادت بأن حظوظ ميقاتي تراجعت، بفعل موقف أميركي يرفض تشكيل الحكومة التكنوسياسية التي يفترض أن يتمثل فيها “حزب الله” و”حركة أمل” بوزيرين، وبسبب رفض رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يقوم بدور الواجهة لـ“حزب الله” تولي ميقاتي رئاسة الحكومة.

لكنّ مصدراً معنياً بالشأن الحكومي علّق على “المبادرة الميقاتية” بالقول “إنها تكتسب أهمية سياسية كبرى انطلاقا من أمرين: الأول، أن الذي طرحها هو ميقاتي الرجل الوسطي المعتدل التوافقي والمقبول من غالبية المكونات السياسية في البلد، والذي يتقن فن تدوير الزوايا المطلوب في هذه المرحلة بالغة الدقة والخطورة، ولكونه شخصية وازنة بما تمثل من حضور سياسي على الساحة الوطنية، ومن شعبية سنية تخوّله الوقوف على أرضية صلبة. والثاني هو أن المبادرة يمكن أن تلعب دورا إنقاذيا للمبادرة الفرنسية التي وصلت إلى حائط مسدود، وللقوى السياسية التي اضطرّت إلى إطفاء محركاتها بعدما وجدت نفسها أسيرة مواقفها المتصلبة التي لم تعد قادرة على الرجوع عنها، ما يعني أنها باتت تشكل حاجة ماسة اليوم للخروج من نفق الأزمة المظلم”.

ويضيف المصدر أنه “من المفترض أن تساهم مبادرة ميقاتي في تحريك الجمود القائم على صعيد تشكيل الحكومة العتيدة، وأن تسلك طريق النقاش والبحث تمهيدا لترجمتها”، مؤكدة أن “محاولات استهدافها سياسيا أو عمليا هي ضعيفة ومصطنعة، لأن الجميع بات على قناعة بأنه في ظل الظروف الدقيقة والشروط والشروط المضادة، تشكل هذه المبادرة سلسلة من القواسم المشتركة بين أكثرية المطالب، ما يجعل ولادة الحكومة على يدها ممكنة”.

ومع ازدياد التكهنات الإعلامية حول مصير مبادرة ميقاتي، وعمّا إذا كان الرجل مرشحاً جدياً لترؤس الحكومة العتيدة، وخلافاً لما جرت عليه العادة في استحقاق التكليف، فإنّ أيّ شخصية سنّية لم تتجرّأ حتى الآن على طرح اسمها علناً لتكون مرشحة لرئاسة الحكومة.

وفي غياب أيّ إشارة من ميقاتي حول هذه المسألة، فإنّ المداولات السياسية الجارية في الصالونات توحي وكأنّ القوى السياسية قد أخذت علماً باسم ميقاتي وطرحه، لكنّها ترصد في الوقت نفسه موقف الحريري حيال هذا الأمر. فإن وافق الحريري على هذه المبادرة تتعزز حظوظ ميقاتي في أن يكون متصدّراً نادي المرشحين لرئاسة الحكومة، وإن رفضها، وهذا ما اتضح من إعلانه ترشيح نفسه، فهذا ما سيزيد من طول المأزق الحكومي، وهذا ما ستحدده الأيام القليلة المقبلة، مع ترويج مصادر قصر بعبدا عن نية الرئيس عون الدعوة إلى استشارات نيابية قبل نهاية الأسبوع الحالي.

العرب اللندنية - صلاح تقي الدين

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o