Sep 26, 2020 4:01 PM
تحليل سياسي

أديب يفعلها ويرمي ورقة "الاعتذار" في وجه مَن تراجعوا عن تعهّداتهم!
8 آذار تغسل يديها من التعطيل وتحتضن "المبادرة".. باريس: ماضون بها رغم الخيانة
الحريري: سيندم المعرقلون..قرقاش: لا يستوي منطق الدولة والميليشيا..والدولار يحلّق مجددا

المركزية- انتهت اللعبة. انتصرت الدويلة وقوى الامر الواقع التي اتخذت منذ سنوات، التعطيلَ الناعم تارة والفاقع طورا، سلاحا، أضافته الى ترسانة صواريخها وبنادقها. انتصرت على المؤسسات ومنطق الدستور، فغلبت، ليس فقط اللبنانيين الجائعين الفقراء، بل العواصم الكبرى وأوّلها باريس. فأسقطت لها مبادرتَها الانقاذية بعد أقل من شهر على طرحها في قصر الصنوبر. الثنائي الشيعي لم يقض على عملية تأليف الحكومة، بسواعده فقط، بل عاونته في المهمّة أطرافٌ سياسية لا تهمّها سوى مصالحها وحصصها وحساباتها المذهبية الطائفية الضيقة التي لم تعد تهمّ الشعب بكل أطيافه. فما همّه اذا تمثّل بوزير او اثنين في الحكومة، واذا اختار وزراءَه هذا او ذاك، بعد ان اصبح عاجزا عن تأمين داوئه والرغيف؟ مصطفى أديب الذي حاول جاهدا التوصّل الى تفاهم مع هذه الاطراف، وجد نفسه يتعامل مع عقول متحجرة منفصلة عن الواقع وعن معاناة الناس، غارقة حتى العظم في ولاءات حزبية وخارجية، وأدرك ان المطلوب ان يرتدي ثوب حسان دياب، والهدف تدجينه، فيكتفي بالبصم على حكومة يؤلّفونها هم، ويديرها هو "شكليا". فرفض ان يكون شاهد زور، وقرّر الانسحاب. هو اعلن اعتذاره اليوم عن التشكيل، فدخل لبنان بعد خطوته هذه، مرحلة شديدة الضبابية والخطورة، على المستويات المالية والاقتصادية والامنية والصحية، يرجّح ان تطول حتى موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية – الا اذا - كرمى لعيون ايران التي لم تُخفِ امام موسكو، انزعاجها من تدخّل قوى كبرى في  لبنان الذي يُعتبر ساحة لها! ويُتوقع في قابل الايام ان نشهد تزخيما للعقوبات الدولية على المعطّلين، وانهيارا اضافيا في القطاعات كلّها، وربما عمليات "تلحيم متنقّلة"...نعم سنغرق اكثر في "جهنّم". فعسى ان يرأف الله بلبنان وشعبه، لان مسؤوليه لن يفعلوا...

التوافق سقط: فعلها الرئيس مصطفى اديب. بعد قرابة ثلاثة اسابيع على تكليفه، رمى اعتذاره في وجه القوى السياسية لانها لم تلتزم بتعهداتها. فبعيد زيارته قصر بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية عند الحادية عشرة من قبل الظهر، خرج ليتلو بيانا جاء فيه "عندما سمّتني غالبية كبيرة خلال الاستشارات النيابية الملزمة تشرفت بتشكيل حكومة إنقاذ استناداً إلى مطالب أكثرية اللبنانيين. فور شروعي بالاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، أعلن عدد من الكتل النيابية نيته عدم تسمية أحد للحكومة مع التزامه تسهيل عملها، فيما أبلغتني بقية الكتل أن لا شروط لها على مثل هذه الحكومة، سوى التزام مسودة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية المتفق عليها. كما أنني أبلغت جميع الكتل التي تواصلت معي بعد الاستشارات، أنني لست في صدد إيثار فريق سياسي على آخر، أو في صدد اقتراح أسماء قد تشكل استفزازا لأي طرف، مهما بلغت كفاءاتها المهنية أو الإدارية للمنصب المطلوب، وهو ما قوبل بارتياح عبرت عنه الكتل جميعا". وتابع"مع وصول المجهود لتشكيل الحكومة الى مراحله الأخيرة، تبين لي أن هذا التوافق الذي على أساسه قبلت هذه المهمة الوطنية في هذا الظرف الصعب من تاريخ لبنان، لم يعد قائما، وبما أن تشكيلة بالمواصفات التي وضعتها باتت محكومة سلفا بالفشل، وحرصا مني على الوحدة الوطنية بدستوريتها وميثاقيتها، فإني اعتذر عن عدم متابعة مهمة تشكيل الحكومة، متمنيا لمن سيتم اختياره للمهمة الشاقة من بعدي، وللذين سيختارونه، كامل التوفيق في مواجهة الأخطار الداهمة المحدقة ببلدنا وشعبنا واقتصادنا".

اتصال سلبي: في خلفيات قرار الاعتذار، نجد اجتماعَ اديب بالخليلين مساء امس والذي كان "سلبيا" حيث تمسّكا بتسمية كل الوزراء الشيعة في الحكومة. وقد علمت "المركزية" ان الرئيس الفرنسي اتصل امس برئيس مجلس النواب نبيه بري وطلب منه تسهيل التشكيل والا فإن اديب سيعتذر، لكن اجواء الاتصال لم تكن ايجابية ايضا، ما سرّع في استقالة اديب. غير ان المعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل كشف ان "الثنائي الشيعي لم يتبلغ مسبقاً من أديب انه سيعتذر"، وقال "رؤساء الحكومات السابقون أغرقوا المبادرة الفرنسية في ما يخالف الاصول المتبعة".

المبادرة مستمرة: لبنان قفز اذا في "المجهول". هل سيتم انعاش المبادرة الفرنسية ووفق اي شروط، وسط التباين المحلي الكبير في تفسيرها؟ وقد اكدت اوساط دبلوماسية غربية لـ "المركزية" ان بيانا فرنسيا سيصدر اليوم، مشيرة الى ان على رغم ما جرى، فإن فرنسا ملتزمة بمبادرتها لانها غير مرتبطة بشخص بل هي التزام تجاه دولة وشعب وتجاه العالم بانقاذ لبنان واطلاق ورشة الاصلاحات. وشددت على ان العراقيل عطلت عملية التشكيل الا انها لن تعطل المبادرة التي اطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون... وليس بعيدا، قال مصدر مقرب من ماكرون ان اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة انتكاسة لكننا لن نيأس، واعتذاره يعني أن الأحزاب السياسية في لبنان ارتكبت خيانة جماعية، مستطردا " فرنسا لن تخذل لبنان".

احتضان 8آذاري: على اي حال، وفي سلوكٍ يدل الى رغبة رئاسية بغسل ايديهما من "دم المبادرة"، جددت بعبدا وعين التينة اليوم تمسكمها بها. فقد أصر الرئيس عون على التأكيد انها "لا تزال مستمرة وتلقى مني كل الدعم وفق الأسس التي اعلنها الرئيس الفرنسي". في حين قال الرئيس بري "لا أحد متمسك بالمبادرة الفرنسية بقدر تمسكنا بها، ولكن هناك من أغرقها في ما يخالف كل الأصول المتبعة. المبادرة الفرنسية روحها وجوهرها الإصلاحات، والحكومة هي الآلة التي عليها أن تنفذ هذه الإصلاحات بعد إقرارها. وأعتقد أن كل الكتل مع هذه الإصلاحات والمجلس النيابي أكثر المتحفزين لإقرار ما يجب، ونحن على موقفنا بالتمسك بالمبادرة الفرنسية وفقا لمضمونها". وحذا حذوهما بالمطالبة بإنعاش المبادرة، التيار الوطني الحر وكلُّ اطياف 8 آذار.

تريّث: لكن، اذا عجزت باريس عن فرض تفاهم داخلي على حكومة، هل سيتم تعويم حكومة تصريف الاعمال؟ هل ستقرّر 8 آذار الذهاب نحو حكومة من لون واحد جديدة، تتحدّى الداخل والعرب والغرب؟ لا اجوبة بعد. وربما لذلك، تريثت رئاسة الجمهورية اليوم في تحديد موعد للاستشارات النيابية، افساحا في المجال امام مشاورات مع القوى الحليفة للاتفاق حول خارطة طريق للمرحلة المقبلة. واكتفت الرئاسة بالاشارة الى ان اديب عرض على الرئيس عون "الصعوبات والمعوقات التي واجهته في عملية تشكيل الحكومة، ثم قدم له كتاب اعتذاره عن عدم تشكيلها. وقد شكر رئيس الجمهورية الرئيس المكلف على الجهود التي بذلها وأبلغه قبول الاعتذار. وسيتخذ رئيس الجمهورية الإجراءات المناسبة وفقا لمقتضيات الدستور".

ستندمون: وتعليقا على قرار أديب، سُجّلت مواقف لافتة عالية السقف أطلقها خصوم العهد وحزب الله، اتسمت بتوجيه التحية الى اديب وبالتحذير من الاسوأ ومن التداعيات الكارثية لتفويت الفرصة التي كانت تشكّلها المبادرة الفرنسية، ولاستمرار الطبقة الحاكمة في نهج التحاصص والولاء للخارج. وفي السياق، قال الرئيس سعد الحريري في بيان "اللبنانيون يضعون اعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب، في خانة المعرقلين الذي لم تعد هناك حاجة لتسميتهم ، وقد كشفوا عن انفسهم في الداخل والخارج ولكل من هب من الاشقاء والاصدقاء لنجدة لبنان بعد الكارثة التي حلت ببيروت. نقول الى اولئك الذين يصفقون اليوم لسقوط مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ، انكم ستعضون اصابعكم ندماً لخسارة صديق من انبل الاصدقاء ولهدر فرصة استثنائية سيكون من الصعب ان تتكرر لوقف الانهيار الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الاصلاح المطلوب .مبادرة ماكرون لم تسقط ، لان الذي سقط هو النهج الذي يقود لبنان واللبنانيين الى الخراب، ولن تنفع بعد ذلك اساليب تقاذف الاتهامات ورمي المسؤولية على الآخرين ووضع مكون رئيسي لبناني في مواجهة كل المكونات الاخرى. لقد كان لنا شرف التنازل من اجل لبنان وفتح ثغرة في الجدار المسدود ، لمنع السقوط في المجهول والاستثمار المسؤول في المبادرة الفرنسية ، غير ان الاصرار على ابقاء لبنان رهينة اجندات خارجية بات امراً يفوق طاقتنا على تدوير الزوايا وتقديم التضحيات".

جعجع: كما رأى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ان "اعتذار الرئيس أديب أكد المؤكد بانه لا يمكن التفكير باي إنقاذ إلا بحكومة مستقلة فعلا. ان تسمية الوزراء من قبل فرقاء المجموعة الحاكمة الحالية قد أثبت فشله وأدى بالبلاد الى ما أدى إليه.لا يمكن التفكير من الآن فصاعدا بتشكيل اي حكومة الا انطلاقا من الأسس التي اعتذر الرئيس أديب بسببها. تهاني الحارة للرئيس أديب، ولو لم نكن قد سميناه، لأنه أول مسؤول لبناني يستقيل عندما لا يتمكن من ان يترجم قناعاته".

قرقاش وكوبيش: اما خارجيا، فعلّق وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي انور قرقاش على استقالة اديب كاتبا عبر تويتر: لا يستوي منطق الدولة ومؤسساتها وكفاءتها مع منطق المليشيات ومصالحها، درس عربي يتكرّر. وغرّد المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش على حسابه عبر تويتر منتقدا هذه الدرجة من قلة المسؤولية، حين يكون مصير لبنان وشعبه على المحك. وتوجّه الى المسؤولين اللبنانيين، بالقول: "هل فوّتم فعلا الفرصة الاخيرة التي أوجدتها فرنسا؟ متى ستوقفون هذه اللعبة المعتادة؟ استمعوا الى صرخات شعبكم وحاجاتهم، واجعلوا الاولوية لمستقبل لبنان".

غليان معيشي: وأتت الاستقالة لتصب الزيت على نار الازمات اللبنانية، وما اكثرها. ففيما سُجّل ارتفاع ملحوظ في سعر صرف الدولار في السوق السوداء اثر موقف اديب، يقترب المصرف المركزي من رفع الدعم عن سلع اساسية أولية، في حين تتفشّى كورونا بلا هوادة. وليس بعيدا، يعقد مجلس النواب جلسة في الحادية عشرة من ظهر يومي الأربعاء والخميس، لدرس وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال، ومنها العفو العام.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o