Sep 21, 2020 9:28 AM
مقالات

ماذا جرى بين ماكرون وحزب الله في الساعات الأخيرة؟

ليس سهلاً أن يتواصل حزب الله مع دولة عظمى حليفة للولايات المتحدة وتضع ما يسمى جناحه العسكري على لائحة الإرهاب. لم ينقطع التواصل بين حزب الله وفرنسا منذ سنوات عديدة، لكن هذه المرة تغيرت المقاربات من الجانبين، لكن الأكيد أن التواصل يحتاج إلى تراكم وإدارة وثقة، وهذا ما يبدو أنه ليس متوافراً. كيف؟

شعر كثيرون عندما خصّ رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون حزب الله ممثلاً برئيس كتلته النيابية محمد رعد بأكثر من إشارة وإلتفاتة على هامش طاولة ولقاءات قصر الصنوبر، في الزيارتين الأولى والثانية، بأن الكيمياء تفاعلت بين الإثنين بسرعة كبيرة. حدّد الفرنسي ما يريده. كل القضايا الكبرى كالسلاح وحضور حزب الله في المشهد الإقليمي مؤجل حالياً، حتى إشعار آخر. تعالوا نتفاهم على أجندة إنقاذية إقتصادية. النتيجة ستكون رابح رابح للإثنين. حتى عندما خرج محمد رعد من أحد اللقاءين مع ماكرون إلى مقر كتلة الوفاء للمقاومة، كان خروجه منسقاً مع الفرنسيين، لأجل التدقيق في كل ما ورد بعنوان “الورقة الفرنسية”. قرر الجانبان “اللعب عالمكشوف”. أصلاً، لا يملك الفرنسي ترف اللعب تحت الطاولة مع حزب الله لحسابات فرنسية وأوروبية وأميركية. حزب الله أيضاً لم يكن منزعجاً ولكنه لم يكن مرتاحاً بالكامل للمبادرة، ولا سيما ربطاً بالشق السياسي المؤجل حتى مطلع السنة الجديدة.

أما وأن المبادرة ترجمت بتسمية مصطفى أديب رئيسا مكلفاً بتشكيل الحكومة الجديدة، فقد بدأ الإمتحان المتبادل بين الطرفين. الفرنسي يترقب كل خطوة يقوم بها الحزب والعكس صحيح. يستند ذلك إلى جملة قالها محمد رعد لماكرون: لسنا مرحبين بالمبادرة الفرنسية بل سنكون أكثر القوى تسهيلاً لها. بالنسبة إلى حزب الله، يغامر ماكرون برصيده عندما يقرر إبرام إتفاق سياسي مع حزب الله، وهم لن يردوا على التحية إلا بمثلها.

الإشارة الأولى هي تسمية مصطفى أديب من قبل كتلة الوفاء للمقاومة، وذلك في قرار سياسي لم يتبن مرشح فرنسا بل مرشح نادي رؤساء الحكومات في لبنان. عندما بدأ الرئيس المكلف إستشاراته، خرج رعد للإدلاء بتصريح مقتضب عكس فيه رغبة حزب الله بتأليف حكومة تكنوسياسية.

اليوم وبعد مرور أقل من ثلاثة أسابيع على تكليف أديب، بات الأمر يحتاج إلى جردة في ما إلتزم به حزب الله وما لم يلتزم به. أعطى الفرنسيون إنطباعاً لكل من تواصل معهم، بعد إنتهاء مهلة الأسبوعين، أن حزب الله نكث بالإتفاق وأنه سيتحمل مسؤولية ذلك. هنا، بدا الخلل واضحاً. ثمة ماكينة سياسية تعمل أقله منذ خمسة عشر عاما بشكل يومي مع الفرنسيين، قوامها لبنانيون أو فرنسيون من أصل لبناني، ويكاد معظم هؤلاء، وهم بالعشرات، ينتمون إلى لون سياسي لبناني معين. زدْ عليهم الفرنسيون الممسكون بالملف اللبناني وهم يتأثرون بهؤلاء اللبنانيين إلى حد كبير. أي أن فريق 8 آذار وتحديداً حزب الله، يعاني من عطب بنيوي في التواصل مع الإدارة الفرنسية، سواء الآن، أو طوال 15 عاما مضت.

كان لا بد من الإستعانة بـ”صديق لبناني” لحزب الله والفرنسيين. الثقة التي يمحضه إياها الفريقان أكسبته القدرة على التحرك في مساحة بالغة الحساسية والدقة، مثلها مثل الكثير من الساحات التي يتحرك فيها هؤلاء “الأصدقاء”. قيل بالحرف الواحد لمدير الإستخبارات الخارجية الفرنسية برنارد إيمييه انت تتصرف كأنك غادرت بيروت في زمن ثورة الأرز في العام 2005. لبنان تغيّر وعليكم أن تقاربوا الأمور بواقعية. حدّد الفرنسيون مآخذهم على حزب الله، عبر رسالة تفصيلية، نقلها “الصديق المشترك” إلى حزب الله، وأعقبتها زيارة قام بها في اليوم التالي مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي إلى السفارة الفرنسية حيث إجتمع مطولاً بالسفير برونو فوشيه.

وضع ممثل حزب الله الورقة الفرنسية على الطاولة وطلب من فوشيه أن يقرأ كل سطر من سطور صفحاتها. سأل حزب الله الفرنسيين هل أنتم حددتم لنا حكومة من 14 وزيراً، فأجاب فوشيه: كلا.

ـ سأل حزب الله: هل طرحتم المداورة في الورقة، فأجاب فوشيه: كلا.

ـ سأل حزب الله: هل قلتم أنه لن يكون هناك ثلث ضامن، فرد فوشيه: كلا.

ـ سأل حزب الله: هل قلتم إن رؤساء الحكومات السابقين سيتولون تسمية رئيس الحكومة المكلف والوزراء، فكان الجواب الفرنسي: كلا.

ـ سأل عمار الموسوي: ألم يقل ماكرون إن الجالسين من حول هذه الطاولة هم الذين سيسمون الوزراء في الحكومة؟  أجاب فوشيه: نعم.

ـ سأل حزب الله هل نصت الورقة الفرنسية على أن حقيبة المالية لن تكون من نصيب الطائفة الشيعية؟ أجاب فوشيه: كلا.

ـ سأل الموسوي: هل نصت الورقة على أن رئيس الحكومة المكلف لن يتشاور مع المكونات السياسية؟ الجواب الفرنسي: كلا.

ـ أردف ممثل حزب الله؛ هل أعطى ضيوف ماكرون في حوار قصر الصنوبر تفويضاً للرئيس سعد الحريري بأن يختار رئيس الحكومة المكلف و13 وزيراً؟ أجاب السفير الفرنسي: كلا.

ـ سأل حزب الله: هل حدد سعد الحريري أمام المشاركين في الحوار بحضور ماكرون شروطاً لتأليف الحكومة ووافقنا عليها نحن أو غيرنا؟ أجاب فوشيه: كلا.

ـ حزب الله: المبادرة الفرنسية واضحة ولها مندرجات. نحن وافقنا على التراجع عن حكومة وحدة وطنية وكذلك عن الحكومة التي تحظى بأوسع تفاهم وطني ووافقنا على حكومة تكنوقراط مصغرة من 14 وزيراً برغم أننا طالبنا الرئيس المكلف بحكومة تكنوسياسية. الأهم من ذلك أننا وافقنا للمرة الأولى منذ إتفاق الدوحة على التخلي عن الثلث الضامن. وافقنا على أن يسمي رؤساء الحكومات الرئيس المكلف وأعطيناه أصواتنا خلال الإستشارات الملزمة. هناك نقطة وحيدة إعترضنا عليها في الورقة الفرنسية وتفهم الرئيس ماكرون موقفنا ألا وهي الدعوة إلى إنتخابات نيابية مبكرة (تم حذفها من الورقة). هناك نقاط أثرناها برغم أننا كنا نتوقع أن يثيرها غيرنا مثل الجزم بأن لا تكون وزارة الطاقة من حصة التيار الوطني الحر وقلنا أنه لا يجوز لأسباب سيادية أن تتضمن الورقة هكذا أمور، ولكن في النهاية وافقنا عليها. أنتم طلبتم منا تسهيل مبادرتكم ونحن نعتقد أننا قدمنا تسهيلات أكثر مما كان مطلوبا منا أن نقدم. كل ما يقال عن أسباب خارجية وتحديداً إيرانية لا مكان لها في قاموسنا، حتى أن العقوبات الأميركية هي موجهة ضدنا مثلما هي موجهة ضد المبادرة الفرنسية.

إنتقلت رسالة حزب الله على وجه السرعة إلى الأليزيه. تفهمت الخلية الفرنسية التي تتابع الملف اللبناني موقف حزب الله. أعطى ماكرون إشارة واضحة إلى تجاوز موضوع حقيبة المالية على قاعدة إبقائها بيد الطائفة الشيعية، لكنه سارع إلى إقران موافقته بإقتراح مفاده أن يُترك له شخصياً أمر تسمية هذا الوزير، وسرعان ما جاءه الجواب بعد إتصاله برئيس مجلس النواب نبيه بري: ثمة صيغة نقترحها عليكم بأن نرسل لكم لائحة تضم عشرة أسماء وأنتم تختارون واحداً من بينها.. وعلى هذا الأساس، طلب بري من المحيطين به التحضير للائحة التي تضمنت أسماء لبنانيين يعملون في مؤسسات نقدية ومالية دولية وبينهم من يعرفه الفرنسيون أو الأميركيون جيداً.

عند هذه النتيجة إنتهى الحوار بين حزب الله وبري من جهة وبين الفرنسيين من جهة ثانية إلى قدر كبير من التفهم المتبادل. هذه رواية “أصدقاء” مقربين من حزب الله وعلى تماس مباشر مع الفرنسيين.

ماذا بعد؟

في اللقاء الأخير الذي عقد بين رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب والمعاون السياسي لحزب الله حسين الخليل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب علي حسن خليل، تعهد الأول للخليلين بأنه طالما ليس هناك إجماع لن يقدم أية تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية. في المقابل، يضغط ميشال عون على أديب لتقديم التشكيلة بأسرع وقت متكئاً على كلمة قالها له ماكرون بأنه يأمل أن يقدم الرئيس المكلف تشكيلته “من الآن (أمس الجمعة) وحتى مساء يوم الأحد(غداً)”. هل موعد الأحد مقدس؟ على الأرجح لا. هذا الموعد مرتبط بالدرجة الأولى بالتعهد الذي أعطاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل ثلاثة أيام لماكرون بأن لا عقوبات ضد اية شخصية لبنانية حتى يوم الأحد المقبل، حتى لا تفسر كأنها موجهة ضد المبادرة الفرنسية. في هذا السياق، إستدعى رئيس الجمهورية رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد إلى القصر الجمهوري اليوم (السبت) وعقد جلسة معه بعيداً عن الإعلام. بدا عون خلال اللقاء مع رعد مُتسلحاً بمهلة ماكرون للإستعجال بالتأليف من جهة ومتمسكاً بالمداورة من جهة ثانية. قبل أن ينتهي اللقاء، قال عون لرعد: ما رأيكم بهذا الحل الوسط.. أن أكون أنا الضامن لكم وللفرنسيين؟ للبحث صلة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o